قوبلت دعوة الجيش الجزائري إلى "الحوار مع مؤسسات الدولة" بالترحيب المطبوع بـ"التحفظ" من قبل قوى المعارضة، لكنها فتحت الباب لتأويلها كخطوة من شأنها أن تمهّد لإجراء حوار مباشر بين المؤسسة العسكرية والمعارضة السياسية والمدنية.
وتعتبر دعوة الجيش عنواناً سياسياً بحاجة إلى المزيد من التوضيحات بشأن آلية الحوار ومؤسسات الدولة التي يقصدها، في ظل تمسك قوى المعارضة برفض الحوار مع الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، ورئيس الحكومة نور الدين بدوي، على اعتبار أنهما من رموز نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
في السياق، رحبت حركة مجتمع السلم بدعوة وتأكيد رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، على أهمية الحوار بين الشخصيات السياسية والأحزاب ومؤسسات الدولة، مؤكدة، في بيان، أنها "طالما دعت وتدعو إلى ضرورة استنفاد آليات الحوار في حل الأزمات وتجاوز الصعوبات والوصول إلى حالات التوافق الوطني الواسع".
وفيما رحبت الحركة بـ"كل اتجاه صادق نحو الحوار الجامع والواسع والذي ترافقه وترعاه مؤسسات ذات مصداقية"، دعت الجيش إلى "المسارعة في الاستجابة للمطالب الجامعة للشعب الجزائري المعبر عنها في الحراك الشعبي، والاقتراحات المعقولة للنخب والأحزاب السياسية، والبحث عن المساحات المشتركة المساعدة على نجاح الانتقال الديمقراطي السلس، والاستمرار في مكافحة الفساد لاستئصال جذوره، ومنع تكرار نشوء عصابات أخرى مهددة للسيادة والثروة الوطنية"، كما دانت "كل دعوات التفريق والتأزيم وتهديد الوحدة الوطنية".
وكانت حركة مجتمع السلم تعلق على دعوة قائد أركان الجيش الأربعاء للحوار بين القوى السياسية والمدنية مع مؤسسات الدولة، والذي قال: "إنني على قناعة تامة أن اعتماد الحوار البناء مع مؤسسات الدولة هو المنهج الوحيد للخروج من الأزمة، إدراكاً منا أن الحوار هو من أرقى وأنبل أساليب التعامل الإنساني، وهو المسلك الأنجع الكفيل بتقديم اقتراحات بناءة وتقريب وجهات النظر وتحقيق التوافق حول الحلول المتاحة، وهنا أود الإشادة باستجابة العديد من الشخصيات والأحزاب لأهمية انتهاج مبدأ الحوار، الذي يتعين أن تنبثق عنه آليات معقولة للخروج من الأزمة".
من جهتها، ثمنت حركة البناء الوطني دعوة قايد صالح، إذ قال رئيسها بعبد القادر بن قرينة، في تقدير موقف نشره، إن "الحوار هو الأسلوب الأمثل للخروج من الأزمة، ولتكريس آليات تضمن النزاهة"، وتحدث عن "حوار جاد وصريح بين مكونات الساحة التمثيلية، وبين السلطة الفعلية (..) يضمن نتائج تعود بالخير على البلاد، وتخرجنا من حالة المراوحة إلى التأسيس القانوني والتنظيمي لهيئة وطنية مستقلة للانتخابات"، التي دعا إلى تأجيلها (مقررة في الرابع من يوليو/ تموز المقبل).
وأشار بن قرينة إلى أن "جزءاً من تعقد الأزمة وعدم إيجاد حلول كبيرة لها يعود بالأساس لغياب آلية فعالة للحوار، وعدم الثقة في الآلية المتاحة، ولشكلها وأجنداتها، وتشتت المعارضة والقوى المجتمعية على العديد من المنصات، وكذا تحرر البعض وعدم انتمائه لأي منصة، مع تباين الرؤى أحياناً إلى حد التناقض في تصور الحلول".
وفي السياق نفسه، رد المحامي والناشط في الحراك الشعبي مصطفى بوشاشي على دعوة الجيش للحوار، وقال، في فيديو بثه على صفحته على موقع فيسبوك: "نعم للحوار كطريقة حضارية لحل المشاكل نثمنه وننخرط فيه"، لكن بوشاشي تساءل: "مع من نتحاور؟ هل مع هؤلاء المرفوضين من كافة الشعب الجزائري؟"، مشيراً إلى أن "هناك موقفاً محسوماً بشأن عدم التفاوض مع رموز النظام السابق (..) الحوار مع رئيس الدولة ورئيس الحكومة الحاليين مرفوض، لأن الجزائريين لهم موقف مبدئي، وهو لا حوار مع بقايا نظام الرئيس السابق بوتفليقة".
وترفض قوى المعارضة السياسية والمدنية أي حوار مع الرئيس المؤقت، ورئيس الحكومة، حيث سبق لهذه القوى أن قاطعت ندوة مشاورات سياسية دعا إليها بن صالح في 23 إبريل/ نيسان الماضي.
ودعا بوشاشي الجيش إلى "تفهّم مطالب الجزائريين"، التي قال إنها "واضحة"، وتتعلق برحيل رموز النظام الذين يديرون مؤسسات الدولة، و"البحث الجدي عن خطة توافق انتقالية"، وقال "إذا أرادوا البحث عن حوار حقيقي يجب أن نتوصل إلى خارطة طريق متفق عليها، فالجزائريون والطبقة السياسية قالوا لن نتحاور مع هؤلاء، ونحن نريد مرحلة انتقالية لفترة محدودة تديرها شخصيات مقبولة، توضع خلالها التشريعيات الضرورية لانتخابات رئاسية، وإنشاء لجنة مستقلة للانتخابات مستقلة تماماً عن وزارة الداخلية، وحكومة محايدة تتشكل من إطارات نزيهة".