ورأى داود أوغلو أن "هذه المنطقة ستوفّر الأمن للمدنيين من هجمات النظام السوري وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)"، مشيراً في تصريحات صحافية، إلى أنه "سيعمل مع الولايات المتحدة على إقامة هذه المنطقة، التي سيكون من ضمن وظائفها حماية النازحين السوريين الهاربين من الحرب".
وفي إشارة جديدة إلى تململ أنقرة من بطء ومحدودية الجهود الأميركية لتأهيل ما يسمى بقوات المعارضة السورية المعتدلة، قال رئيس الوزراء التركي إن "القوات التركية لن تكون بحاجة إلى التدخل لو توفرت القوة الكافية للجماعات المسلحة المعتدلة".
وكانت شبكة "سي إن إن" الإخبارية التركية، قد نقلت عن وكيل وزارة الخارجية التركية فريدون سينيرلي أوغلو، قوله إن "بلاده والولايات المتحدة اتفقتا على شروط إنشاء منطقة آمنة في شمال سورية". وأشار إلى أن "مقاتلين من الجيش السوري الحر سيُسيّرون دوريات في المنطقة"، التي كشف أنها "ستسمح للقوات الأميركية والتركية بشنّ هجمات على مسلحي داعش والأكراد لو دخلوها".
وأضاف أنه "سيتواجد في هذه المنطقة السكان العرب والتركمان، وسيكونون جميعهم تحت حماية الطيران الحربي ضد أية هجمات محتملة من قبل التنظيم أو حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي أو قوات النظام السوري". وحسب المسؤول التركي، فإن "الجانبين اتفقا على أن يكون طول المنطقة 98 كيلومتراً وعرضها 45 كيلومتراً".
لكن مارك تونر، من وزارة الخارجية الأميركية، نفى أي حديث مع تركيا حول "المنطقة الآمنة"، وأكد في تصريحات صحافية أنه "كنا واضحين تماماً في أحاديثنا الرسمية، وقلنا إنه لا توجد منطقة ولا ملاذ آمن، ونحن لا نتحدث بشأن ذلك هنا. إننا نتحدث عن جهود مستمرة لطرد داعش من المنطقة". وتابع: "نحن حريصون جداً بشأن عدم اختيار مسميّات، أو وصفٍ لما ستصبح عليه المنطقة، باستثناء القول إن جهودنا تركّز على طرد تنظيم الدولة من المنطقة".
اقرأ أيضاً: تضارب التصريحات بين أنقرة وواشنطن حول المنطقة الآمنة
من جهته، أعرب رئيس المجلس العسكري الأعلى في الجيش الحر العميد الركن مصطفى الشيخ، عن اعتقاده بأن "المنطقة المُزمع إقامتها بشكلها الظاهري، لا ترقى إلى المعنى الحقيقي للمنطقة العازلة". وأضاف الشيخ في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "المنطقة العازلة بمعناها السياسي فيما لو تمّت، يجب أن تكون محمية بقرارٍ دولي. ما يعني عملياً اتخاذ قرار بإسقاط النظام. وهو ما ليس متوفراً حتى الآن، لعدم وجود تفاهمات جدية بين روسيا والولايات المتحدة على الأقلّ".
وذكر أنه "تتحكم بهذه التفاهمات أمور عدة، إقليمية ودولية، كملف جزيرة القرم والملف النووي والضغط الاقتصادي باتجاه الصين وغيرها، إلا أنه إذا نظرنا بمنظور الصراع الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإيران وروسيا، ربما يتضح ما معنى إقامة منطقة عازلة جزئية بالشمال السوري".
ورأى أن "القرار التركي ليس منفصلاً عن نظيره الأميركي، والثغرة الممكنة حالياً للدخول إلى سورية، تكمن في مكافحة الإرهاب، أي داعش، وهذا أمر مشروع من الأمم المتحدة، ولا تستطيع روسيا أو إيران رفض محاربة التطرف. لذلك تسعى روسيا جاهدة لإحداث اختراق، لعلمها أن المنطقة العازلة الجزئية، هي مقدمة لمرحلة آتية، لذلك تسعى مع المعارضة لإحداث تقدم ما، خوفاً من أن تخرج من المنطقة صفر اليدين".
وأضاف أن "هذه التطورات تصبّ في مصلحة المعارضة مستقبلاً والمصلحة التركية، تحديداً بعد طرد داعش من المنطقة الآمنة وتشكيل قوات معتدلة. وسيسعى الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال ما تبقّى من عهده الرئاسي إلى تسجيل نقاط متقدمة لصالح المعارضة السورية، لحسابات داخلية تتعلق بتمتين موقف المرشح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية الأميركية العام المقبل، أيّاً كان. كون أوباما كان عرضة بنفسه لانتقادات حادّة من الجمهوريين بسبب مواقفه السلبية من المعارضة".
واعتبر الشيخ أن "تأمين حماية المنطقة الآمنة سيكون أمراً بسيطاً بالنسبة للدفاعات الجوية التركية، كما ألا قدرة للنظام السوري على مجابهة الأتراك، لاستنادهم على دعم أميركي بهذا الخصوص". ورغم المحاولات الأميركية المتكررة للتملّص من أي التزام علني تجاه المنطقة الآمنة، الا أن تركيا تتحرك على مستويات عدة لإنجازها بوصفها تدخل في صميم أمنها القومي، وفق ما رأى الباحث في مركز "عمران للأبحاث الإستراتيجية" ألكسندر أيوب.
وأضاف أيوب في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، نقلاً عن مصادر على صلة بالاتصالات مع الأتراك حول هذه المسألة، أن "تركيا مصممة على إقامة هذه المنطقة بأسرع ما يمكن، كونها تعمل على إعداد قوة كبيرة باسم الجيش الحرّ مكوّنة من 15 ألف مقاتل، من ضمنهم كتائب تركمانية، لنشرها في المنطقة التي ستُسمّى: منطقة خالية من داعش". وتابع: "ستعمل تركيا على تزويد هذه القوة بدفاعات جوية متطوّرة، إضافة إلى تأمين حماية جوية لها ضد أية هجمات قد تتعرض لها من أي جهة كانت. كما سيتم تكثيف العمليات العسكرية في المنطقة واستهداف منطقتي الباب ومنبج، الواقعتين تحت سيطرة داعش، وتحريرهما من التنظيم لضمّهما إلى المنطقة الآمنة".
وأوضح أيوب أن "جبهة النصرة انسحبت من المنطقة بعد إشارات تركية لها، وكذلك سيفعل تنظيم جند الأقصى، الذي يوصف بأنه تنظيم متطرّف". وأوضح أنه "طُلب من حركة أحرار الشام إعادة التموضع بما يتلاءم مع الوضع الجديد، بحيث تكون قواتها على تخوم المنطقة لا في داخلها".
ولفت إلى "وجود تفاهمات ضمنية بين الإدارة الأميركية والنظام السوري، تقضي بعدم اقتراب قوات الأخير من هذه المنطقة، التي سيكون هدفها العسكري المعلن محاربة داعش أولاً، إضافة إلى منع أية محاولات تمدّد قد تقوم بها القوات الكردية. على أن يتمّ العمل في مرحلة لاحقة، بعد تأمين المنطقة، للتوجه نحو فتح معركة حلب، بغية توسيع حدود المنطقة الآمنة وفرض آليات حل سياسي بناءً على هذه المعطيات الجديدة".
من جهتها، أصدرت حركة "أحرار الشام" بياناً رحّبت فيه بنية تركيا إقامة المنطقة الآمنة، معتبرةً أن "في ذلك مصلحة مشتركة للبلدين". وسبق أن أيدت قوى أخرى، ومنها "جيش الإسلام"، قيام تلك المنطقة. أما رئيس "المجلس التركماني السوري" عبد الرحمن مصطفى، فاعتبر أنه "رغم الدور البارز الذي من المقرر أن يقوم به تركمان سورية في تثبيت أركان المنطقة الآمنة شمالي سورية، إلا انه ليس لدى التركمان أية نيات لإقامة كانتون خاص بهم، على غرار ما يخطط الآخرون، تحديداً الأكراد". وأكد في تصريحات صحافية أن "التركمان ضد تقسيم سورية"، مشيراً إلى أن "معظم سكان المنطقة الآمنة هم من العرب والتركمان مع قلة قليلة من الأكراد".
اقرأ أيضاً سورية: عين "داعش" على مارع لإفشال المنطقة الخالية