18 أكتوبر 2024
ترويع لفرض السكوت ورشاوى لشراء الصمت
حينما يكون النظام الانقلابي في حالة تسوّل لشرعيته، وحينما يفقد أصل شرعيته بانقلابه، ويتسول من كل طريق أي مسلك لشرعنته، إنها طبيعة النظام الانقلابي فاقد الشرعية، يحاول فرض حالة شرعنته في الداخل، بالترهيب والترويع والتخويف والتهديد، بينما يتسّول النظام نفسه شرعنته من الخارج والدول المختلفة. الاستبداد يمارس لغة البطش في الداخل، لفرض شرعنته، إنه لا يطيق أن يصدَع أحد في وجهه بـ "لا" من أي مقامٍ صدرت، ولو وصل الأمر إلى القتل بالتصفية الجسدية المباشرة، أو القتل تحت التعذيب، أو القتل بعد اختفاء قسري، بالخطأ تارة ينكشف، وبالاختراق تارة أخرى يفتضح، وبممارسة تنكيلٍ وتعذيبٍ اعتاد عليه باستهانة، إنها الحالة الانقلابية.
هذه أولاً الحالة المصرية، استباحة للنفوس من دون أدنى حرمةٍ في حالة مصر الوطن. المواطنون في حالة استباحةٍ كاملة من مطاردة واعتقال، وتصل في ذروتها إلى حالة انتهاكٍ صارخةٍ وفاضحةٍ، تمثل مجازر ميداني رابعة العدوية والنهضة الذروة فيها، تسبقها مجازر وتتلوها أخرى، تمثل حالات الانتهاك للحق التأسيسي في الحياة، الاختفاء القسري والتصفية الجسدية والقتل تحت التعذيب، عمليات بعضها من بعض في قاموس النظام الانقلابي الباطش الذي احترف القمع والترويع، بعد التعذيب والقتل وقبلهما الاختفاء، حمل النظام الباطش ممثلاً في أجهزته الأمنية رسالة واحدة إلى كل مواطن وذويه، "تعال خد جثة ابنك"، في صمتٍ مفروضٍ رهيبٍ يقوم على الترويع والترهيب، الصمت مقابل السماح لذويه بأخذ الجثة لدفنها في معادلةٍ مريبةٍ، قبول القتل مقابل المن على الأهل بحق الدفن. هذه هي حالة مصر الوطن ومواطنيها، "حق الدفن"، وبأوامر مقرونة بالتهديد، ملفوفة بالصمت إلى الأبد، لا كلام "وإلا"، مهما كانت أمارات التعذيب قبل القتل واضحة فاضحة.
أما الحالة المكسيكية فقد أجرى وزير خارجية الانقلاب اتصالاً هاتفياً بوزيرة خارجية المكسيك، حيث كشف لها ملابسات حادث مقتل السياح المكسيكيين في الصحراء الغربية في أثناء عملية مطاردة من قوات الجيش والشرطة المصرية لعناصر إرهابية وإجرامية. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية إن وزير الانقلاب شرح في الاتصال الملابسات الخاصة بالحادث، موضحاً أن السائحين المكسيكيين وجدوا في منطقة عمليات محظورة، تزامناً مع عملية مطاردة تقوم بها قوات الجيش والشرطة لعناصر متطرفة، تستخدم سيارات دفع رباعي مشابهة للتي يستخدمها السائحون، ما أدى إلى تعرضهم لنيران القوات. وذكر أن وزارة الداخلية أكدت قيامها بالتحقيقات اللازمة للوقوف على الأسباب الكاملة للحادث. شهدت هذه الحادثة حالة قتل روّج فيها مقولة ورسالة القتل الخطأ، ثم القول ما الذي أتى بهم في هذا المكان المحظور، ثم شراء الصمت بغرض التعويض المغري للمكسيكيين دون المصريين، صرّح المدعي العام (النائب العام) المكسيكي بأن مصر قدمت تسوية في حادث مقتل 12 سائحاً مكسيكياً في الصحراء الغربية بالخطأ، حيث تم تعويض الضحايا بشكل مشرّف، وحصل أهل كل ضحية على 10 ملايين دولار، تعويضاً من الحكومة المصرية تم دفعها بالفعل، لا بأس بمطالبة على استحياء بالتحقيق، إلا أن الأمر آل، في النهاية، إلى شراء السكوت وفرض الصمت وإغلاق الملف.
أما بشأن تفجير طائرة الركاب الروسية، فقد رجحت مصادر أن يكون من جرّاء فعل إرهابي.
الإنكار في البداية هو التصريح الأول من كل أجهزة الإعلام وكل المسؤولين المصريين، قبل أي إجراءات تحقيق أو تدقيق. نفي المسؤولية الرسالة التي أراد النظام أن يصدّرها للجميع. سارت الأمور في طريق الفرضية التي رجّحت التفجير الناتج عن عمل إرهابي، ومن ثم المسؤولية من السلطات المصرية اختراقاً أو إهمالاً. والنتيجة واحدة: أن مصر غير آمنة، وبدت الأمور تسير في طريق تصعيد روسيا، ومنع الطيران إلى مصر وإجلاء السياح الروس. مرّة أخرى، بدت دورة شراء الصمت بالتعويضات، وبحزمة رشاوى اقتصادية، مشروع الضبعة النووي. تكلم بعضهم، فخرج النائب العام بعد لقائه مع عبد الفتاح السيسي المنقلب بمنع الحديث والنشر حول مشروع الضبعة. صمتت روسيا في صفقة شراء الصمت، لا بأس ببعض تصريحاتٍ ذرّاً للرماد في العيون من بوتين، لكنها لا تؤثر على إغلاق الملف. نظام الانقلاب نجح في إغلاق الملف، بتعويضات ورشاوى اقتصادية ضمن سياسات الترغيب للتغطية والإغلاق.
وأخيراً، تأتي الحالة الإيطالية، على الرغم من أنها تتعلق بفرد هو طالب الدكتوراة، جوليو ريجيني، على الرغم من أن المكسيكيين قاربوا العشرة، وحادث الطائرة الروسية فاق المئتين، إلا أن ملف ريجيني استعصى على الإغلاق حتى الآن. تورّط النظام الانقلابي، كما لم يتورط من قبل. أدلى المسؤولون في إيطاليا بالتصريح تلو التصريح يتمسكون فيه بالحقيقة، رأي عام وجماعات ضاغطة وأحزاب سياسية وبرلمانيون في البرلمان الإيطالي، فضلا عن البرلمان الأوربي الذي ندّد بالملف الحقوقي في مصر. ريجيني اختطف قسرياً، وعذّب تعذيباً فادحاً، ثم قتل ورميت جثته على طريق الإسكندرية الصحراوي. لا تستطيع السلطات أن تقول لأهل ريجيني "تعالوا خدوا جثة ابنكم"، كما تفعل مع المصريين. الأمر مختلف، المسألة لم تعد محصورة في تعويض شراء للسكوت والصمت، أو رشاوى اقتصادية يلوح بها النظام، بل إن شركة إيني، والتي اكتشفت حقول غاز، هدّدت بالانسحاب وبيع حصتها. في هذه المرة لم يستطع النظام الانقلابي شراء الصمت، ترغيبا بالتعويض أو بالرشاوى الاقتصادية.
بعد تصريحات وزير الخارجية الإيطالي أمام برلمان دولته بأن حكومته ستتخذ الإجراءات الفورية والمناسبة، إذا ما تقاعست مصر وسلطاتها، أو راوغت في كشف حقيقة مقتل ريجيني، بدا النظام الانقلابي تحت ضغطٍ رهيبٍ، لا يستطيع منه فكاكاً. في هذه المرة، لم يستطع شراء السكوت أو الصمت، الأمر خارج إطار السيطرة، ومنظومة الانقلاب لم تستطع، هذه المرة، أن تحكم دائرة الصمت على القتلة الذين يحمون القاتل من أجهزتهم الأمنية، أن يخرجوا القاتل من بينهم.
هذه أولاً الحالة المصرية، استباحة للنفوس من دون أدنى حرمةٍ في حالة مصر الوطن. المواطنون في حالة استباحةٍ كاملة من مطاردة واعتقال، وتصل في ذروتها إلى حالة انتهاكٍ صارخةٍ وفاضحةٍ، تمثل مجازر ميداني رابعة العدوية والنهضة الذروة فيها، تسبقها مجازر وتتلوها أخرى، تمثل حالات الانتهاك للحق التأسيسي في الحياة، الاختفاء القسري والتصفية الجسدية والقتل تحت التعذيب، عمليات بعضها من بعض في قاموس النظام الانقلابي الباطش الذي احترف القمع والترويع، بعد التعذيب والقتل وقبلهما الاختفاء، حمل النظام الباطش ممثلاً في أجهزته الأمنية رسالة واحدة إلى كل مواطن وذويه، "تعال خد جثة ابنك"، في صمتٍ مفروضٍ رهيبٍ يقوم على الترويع والترهيب، الصمت مقابل السماح لذويه بأخذ الجثة لدفنها في معادلةٍ مريبةٍ، قبول القتل مقابل المن على الأهل بحق الدفن. هذه هي حالة مصر الوطن ومواطنيها، "حق الدفن"، وبأوامر مقرونة بالتهديد، ملفوفة بالصمت إلى الأبد، لا كلام "وإلا"، مهما كانت أمارات التعذيب قبل القتل واضحة فاضحة.
أما الحالة المكسيكية فقد أجرى وزير خارجية الانقلاب اتصالاً هاتفياً بوزيرة خارجية المكسيك، حيث كشف لها ملابسات حادث مقتل السياح المكسيكيين في الصحراء الغربية في أثناء عملية مطاردة من قوات الجيش والشرطة المصرية لعناصر إرهابية وإجرامية. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية إن وزير الانقلاب شرح في الاتصال الملابسات الخاصة بالحادث، موضحاً أن السائحين المكسيكيين وجدوا في منطقة عمليات محظورة، تزامناً مع عملية مطاردة تقوم بها قوات الجيش والشرطة لعناصر متطرفة، تستخدم سيارات دفع رباعي مشابهة للتي يستخدمها السائحون، ما أدى إلى تعرضهم لنيران القوات. وذكر أن وزارة الداخلية أكدت قيامها بالتحقيقات اللازمة للوقوف على الأسباب الكاملة للحادث. شهدت هذه الحادثة حالة قتل روّج فيها مقولة ورسالة القتل الخطأ، ثم القول ما الذي أتى بهم في هذا المكان المحظور، ثم شراء الصمت بغرض التعويض المغري للمكسيكيين دون المصريين، صرّح المدعي العام (النائب العام) المكسيكي بأن مصر قدمت تسوية في حادث مقتل 12 سائحاً مكسيكياً في الصحراء الغربية بالخطأ، حيث تم تعويض الضحايا بشكل مشرّف، وحصل أهل كل ضحية على 10 ملايين دولار، تعويضاً من الحكومة المصرية تم دفعها بالفعل، لا بأس بمطالبة على استحياء بالتحقيق، إلا أن الأمر آل، في النهاية، إلى شراء السكوت وفرض الصمت وإغلاق الملف.
أما بشأن تفجير طائرة الركاب الروسية، فقد رجحت مصادر أن يكون من جرّاء فعل إرهابي.
وأخيراً، تأتي الحالة الإيطالية، على الرغم من أنها تتعلق بفرد هو طالب الدكتوراة، جوليو ريجيني، على الرغم من أن المكسيكيين قاربوا العشرة، وحادث الطائرة الروسية فاق المئتين، إلا أن ملف ريجيني استعصى على الإغلاق حتى الآن. تورّط النظام الانقلابي، كما لم يتورط من قبل. أدلى المسؤولون في إيطاليا بالتصريح تلو التصريح يتمسكون فيه بالحقيقة، رأي عام وجماعات ضاغطة وأحزاب سياسية وبرلمانيون في البرلمان الإيطالي، فضلا عن البرلمان الأوربي الذي ندّد بالملف الحقوقي في مصر. ريجيني اختطف قسرياً، وعذّب تعذيباً فادحاً، ثم قتل ورميت جثته على طريق الإسكندرية الصحراوي. لا تستطيع السلطات أن تقول لأهل ريجيني "تعالوا خدوا جثة ابنكم"، كما تفعل مع المصريين. الأمر مختلف، المسألة لم تعد محصورة في تعويض شراء للسكوت والصمت، أو رشاوى اقتصادية يلوح بها النظام، بل إن شركة إيني، والتي اكتشفت حقول غاز، هدّدت بالانسحاب وبيع حصتها. في هذه المرة لم يستطع النظام الانقلابي شراء الصمت، ترغيبا بالتعويض أو بالرشاوى الاقتصادية.
بعد تصريحات وزير الخارجية الإيطالي أمام برلمان دولته بأن حكومته ستتخذ الإجراءات الفورية والمناسبة، إذا ما تقاعست مصر وسلطاتها، أو راوغت في كشف حقيقة مقتل ريجيني، بدا النظام الانقلابي تحت ضغطٍ رهيبٍ، لا يستطيع منه فكاكاً. في هذه المرة، لم يستطع شراء السكوت أو الصمت، الأمر خارج إطار السيطرة، ومنظومة الانقلاب لم تستطع، هذه المرة، أن تحكم دائرة الصمت على القتلة الذين يحمون القاتل من أجهزتهم الأمنية، أن يخرجوا القاتل من بينهم.