انعكست آثار انقسامات شيوخ السلفية بالسعودية، على تيار السلفية المدخلية في ليبيا، وبات الخلاف يهدد بانشقاقات قد تطيح بجزء أساسي في قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر المتمثل في الكتائب السلفية.
ويعود أساس الخلاف إلى موقف ليبيا من مفهوم "ولي الأمر الشرعي"، ففي حين تعتبر الهيئة
العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية ودار الإفتاء، التابعتان لحكومة مجلس نواب برلمان طبرق، (من أتباع ربيع المدخلي زعيم المداخلة في السعودية)، أن رئيس مجلس نواب برلمان طبرق عقيلة صالح هو ولي الأمر الشرعي، يرى شيوخ المداخلة في المرج، وهم من أتباع محمد المدخلي، أن حفتر هو ولي الأمر باعتباره المتغلب بالقوة والمحارب بالسلاح للخوارج، وهو خلاف ديني قائم على الخلافات السياسية المتزايدة بين عقيلة وحفتر منذ أكثر من سنة.
وسبق أن اعتبرت دار الإفتاء أن التظاهر ضد صالح "محرم شرعا ودعوة للفتنة"، بل زادت حدة الانشقاقات بعد ظهور أشرف الميار، أحد أبرز قادة قوات المداخلة المتطرفين في ولائهم لحفتر، في فيديو تداولته وسائل التواصل الاجتماعي في نطاق واسع، يعلن فيه انشقاقه عن حفتر وأن عقيلة صالح "هو ولي الأمر الشرعي".
وقال الميار: "أحب أن أوضح أن الحاكم الشرعي في هذه البلاد هو مجلس النواب المتمثل في المستشار عقيلة صالح، وكل من أراد أن يخرج عن مجلس النواب، فإنه يعتبر من الخوارج ويجب قتاله"، في إشارة إلى خروج حفتر على مجلس نواب برلمان طبرق.
في مقابل ذلك نشر الشيخ أحمد بودزيرة، الذي تولى رئاسة الهيئة العامة للأوقاف في وقت سابق، قبل أن يقيله مجلس نواب برلمان طبرق، على صفحته في "فيسبوك"، كلمات وتسجيلات سابقة لمعارضي حفتر حالياً، وهم يعلنون تأييدهم له ولحربه على خصومه في بنغازي باعتبارهم "خوارج يتوجب قتالهم".
كما ظهر القيادي السلفي بقوات حفتر في بنغازي، عبد الفتاح بن غلبون، في تسجيل مصور متداول، أكد فيه "تأييد حفتر"، معتبراً أن تهم أشرف الميار "لا تمثل التيار السلفي، وتتوفر على مغالطات شرعية".
وشكّل التيار المدخلي قسماً كبيراً من قوات حفتر التي كانت قاتلت في مدينة بنغازي منذ مطلع العام 2015، بعدما آثر اللواء حفتر تقريب عدد من العسكريين ذوي الخلفيات السلفية منه، وإيلاءهم مناصب قيادية في عددٍ من كتائبه، مثل محمود الورفلي، قائد الإعدامات، وأشرف الميار، أحد أبرز قادة قوات "الصاعقة"، وميلود الزوي، المتحدث باسم "الصاعقة".
وإثر فتاوى الداعية السعودي البارز ربيع المدخلي بضرورة تأييد حفتر والقتال في صفوفه، تدافع عدد كبير من السلفيين لينضموا إلى "كتيبة 210"، التي عُرفت محلياً باسم "كتيبة التوحيد".
وعُرف عن قادة التيار المدخلي تنفيذهم لعددٍ من عمليات الانتقام من خصوم حفتر، وأشهرهم محمود الورفلي، قائد الإعدامات، وقجة الفاجري، المسؤول عن مذبحة الأبيار التي راح ضحيتها 36 مدنياً في أكتوبر/تشرين الأول 2017.
وحسب مصادر برلمانية تحدثت لـ"العربي الجديد" في وقت سابق، فإن عقيلة صالح بدأ باستغلال الولاء السلفي له، من أجل "خلق قلاقل لحفتر، ومحاولة إزعاجه، وإرغامه على العودة إلى بيت الطاعة"، مؤكدة أن صالح "دعم تأسيس فصائل عسكرية ستعمل تحت مسمى سرايا الدعوة والإرشاد لمكافحة الفساد، وهي تجمع المختلفين مع حفتر من أتباع التيار المدخلي".
وأشارت المصادر إلى انحسار تأييد حفتر من قبل المداخلة، في شخصيات مقربة منه في المرج وبنغازي فقط، مؤكداً مطالبة عددٍ من قيادات السلفيين لحفتر بتحديد موقفه من "ولي الأمر الشرعي"، ممثلاً في عقيلة صالح.
ووصل الخلاف داخل التيار أخيراً إلى إلقاء جهاز أمني تابع للهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية بحكومة مجلس نواب برلمان طبرق، التي يسيطر عليها المداخلة، القبض على الشيخ أحمد بودزيرة، وهو ما نفته الهيئة في منشور رسمي لها الخميس الماضي.
وحذرت الهيئة، في منشورها، الشيخ أسامة بن عطايا العتيبي، الذي يعد أحد أبرز أتباع الشيخ ربيع المدخلي قبل أن ينشق عنه، من الاستمرار في نشر "إشاعات مغرضة" يتهم فيها الهيئة بأنها "تتلقى إملاءاتٍ من وراء الحدود"، معتبرة أن كلام العتيبي "تهديد للأمن القومي".
وأكدت الهيئة أنها ستلاحق العتيبي قضائيا في السعودية على خلفية نشره لـ"افتراء وكذب" وما نشره حول احتجاز الهيئة لأحد أعضاء اللجنة العليا للإفتاء وهو الشيخ أحمد بودزيرة وإيداعه السجن بواسطة جهاز الأمن الداخلي.
Facebook Post |
وكان العتيبي قد نشر على صفحته اتهاما لمشايخ لجنة الإفتاء التابعة للهيئة بشأن تبعية أعضائها لجهات خارج البلاد، وقال العتيبي "ليبيا دولة مستقلة، وإداراتها الحكومية تابعة لولاة أمرها، ويأخذ الإداري أوامره من الجهات المسؤولة في الدولة، فالرجوع في أوامرك وقراراتك لجهات خارجية، وبخلاف توجيهات بلادك هو نوع من الخيانة للدين، والخيانة لولاة الأمر، وهو جزء من منظومة الفساد الإداري والأخلاقي".
Facebook Post |
ودرج العتيبي على وصف أعضاء لجنة الإفتاء والهيئة بـ"الصعافقة" وهو توصيف يطلقه أتباع الشيخ ربيع المدخلي على أتباع السلفية من أتباع الشيخ محمد المدخلي، ويطلق أتباع الأخير على أتباع ربيع المدخلي وصف "المتصعفقة"، وتشير تعليقات الطرفين إلى أن الوصفين يعنى بهما الخروج عن منهج السلفية المدخلية.
وتعكس الاتهامات المتبادلة بين مداخلة ليبيا والعتيبي ارتهان أتباع التيار إلى شيوخ المذهب بالسعودية، وإمكانية أن تصل حدة الخلاف إلى انشقاقات قد تطيح بجزء أصيل في قوات اللواء حفتر المتمثل في الكتائب السلفية، وإمكانية أن ترفع سلاحها في وجهه مشكلة جبهة معارضة تزيد من صعوبة أوضاعه الداخلية، سيما في شرق البلاد.