يبدو أن سوق الإعلام المصري، سيرفع راية الإفلاس قريباً. دلائل وشواهد على أزمات مالية متكررة في الصحف والقنوات الفضائية المصرية استشرت في الفترة الماضية، تشير إلى تغيّرات كبيرة في خارطة الإعلام خلال الفترة المقبلة. يتجه عدد من الصحف حالياً، لتخفيض أعداد العاملين فيها بحجة أزمات مالية تسيطر على سوق الإعلانات التجارية في مصر.
البداية كانت مع صحف "الشروق" و"التحرير" و"المصري اليوم"، حيث تمّ الاستغناء عن أعداد من العاملين فيها، لتقليص ميزانياتها، آخرها كان في جريدة "المصري اليوم"، التي تجري حالياً معايير إعادة هيكلة للعاملين في الجريدة، بهدف التخلص من حوالى 45 بالمائة من العاملين فيها. تأتي خطوة "المصري اليوم"، عقب قرار شؤون العاملين في الصحيفة، بفرض التخلي على جميع العاملين عن أي وظيفة أو تعاون مع وسائل إعلامية أخرى، والالتزام ببنود التعاقد مع الجريدة التي تنص على عدم العمل بأي وسيلة إعلامية أخرى.
نقابة الصحافيين المصرية أعربت عن قلقها البالغ إزاء التطورات السلبية التي تجري داخل جريدة "المصري اليوم"، والتي أدت إلى استقالة رئيس تحريرها محمود مسلم، بسبب ما أسمته إدارة الجريدة "إجراءات جديدة للهيكلة"، مؤكدة أنها ستؤدي حال تطبيقها إلى الاستغناء عن عدد كبير من الزملاء والإضرار بحقوقهم المستقرة التي يكفلها لهم القانون، والتدخل في شؤون التحرير من جانب الإدارة بالمخالفة لكل الأعراف والتقاليد.
وطالبت النقابة، في بيان سابق لها، إدارة الصحيفة، بضرورة وقف أي إجراءات أحادية الجانب، مؤكدةً رفضها التام لما يجري من ممارسات تعسفية تتخذها المؤسسة ضد الزملاء تفتقد لقواعد الشفافية واحترام القانون والدستور.
ولا تُعد تلك هي الأزمة الأولى في جريدة "المصري اليوم"، فتلك الأزمة سبقتها أخرى منذ أقل من عام، أدت إلى فصل العشرات من الصحافيين، وهي المشكلة التي ما زالت تلقي بظلالها السلبيّة على العلاقة بين النقابة وإدارة الجريدة، على الرغم من أن النقابة كانت على أتم استعداد لإصلاح هذه العلاقة بعد أن لاحت بوادر لإنهاء تلك الأزمة.
وأمس، قرر العشرات من صحافيي جريدة "المصري اليوم" إجراء توكيل لأحد المحامين، واتخاذ إجراءات تصعيدية بمقري الجريدة والنقابة، بالإضافة إلى قيامهم بإرسال شكاوى إلى النقابة ومجلس الوزراء، لحل أزمتهم مع ملاك الجريدة.
وقبل أزمة جريدة "المصري اليوم"، شهدت جريدة "التحرير" التي أعلن مالكها، رجل الأعمال المصري، أكرم قرطام، إغلاق نسختها الورقية اليومية، اعتباراً من الأول من سبتمر/أيلول الماضي، أزمةً أكبر. وعقب إغلاق الجريدة الورقيّة قدمت إدارتها عرضاً على الصحافيين غير المعينين بتسويات مادية، وتسكين الصحافيين النقابيين في الموقع الإلكتروني للجريدة، إلا أن أياً من العرضين لم يُفعّل حتى الآن.
اقرأ أيضاً: "سي بي سي" تصف قتلى إسرائيليين بالشهداء.. ثم تعتذر
وبشأن أزمة "التحرير"، أعلنت نقابة الصحافيين المصرية، في بيان لها عقب الأزمة مباشرة، أن الإجراء الذي اتخذه مالك الجريدة، رجل الأعمال، أكرم قرطام، جاء بشكل مفاجئ وفردي بالمخالفة للقانون ونصوص الدستور، التي تمنع بأي شكل إغلاق أو مصادرة الصحف، وأن اللجوء إلى إجراء التصفية كباب خلفي للإغلاق يحتاج إلى إجراءات قانونية طويلة تكون النقابة طرفاً فيها، وهو ما خالفه قرطام. وكلفت النقابة ثلاثة من أعضاء مجلس إدارتها، لتولي ملف تصفية الجريدة وتسويات العاملين فيها.
في مايو/أيار من العام الجاري، أصدرت جريدة "الشروق"، قراراً بفصل عدد من الصحافيين النقابيين وغير النقابيين، لتقليل النفقات وتخفيف حدة الأزمة المالية التي تعاني منها الجريدة، كغيرها من باقي الصحف المصرية ووسائل الإعلام بشكل عام. وتدخلت نقابة الصحافيين أيضاً في أزمة فصل صحافيي جريدة "الشروق" المعلقة إلى الآن.
إن كشف الصحف المتعثرة مالياً والتي لجأت لتسريح العاملين فيها، يمتد على مدار الأعوام القليلة الماضية، ليشمل مؤسسة "الأهرام"، عقب إصدارها قراراً بفصل 160 صحافياً، بحجة "تقليل النفقات" أيضاً، وجريدة "اليوم السابع"، التي فصلت 134 صحافياً دون إبداء أسباب، لتعود مرّة أخرى وتبرر موقفها، بأنهم "متدربون"، وكذلك موقع "دوت مصر"، الذي فصل 76 صحافياً دون سابق إنذار، ولجأت إدارة الموقع لمساومة المفصولين على حقوقهم المادية لإثنائهم عن المطالبة بحقوقهم المشروعة. وجريدة الدستور التي فصلت 30 صحافياً وكذلك جريدة "الصباح"، فصلت نفس العدد المشار إليه.
ورغم أن قانون العمل ينظم العلاقة بين المالك والعامل ويؤكد على فكرة الإخطار للمفصول قبلها بشهرين، فإن هذا لم يحدث مع أي من تلك المؤسسات الصحافية، وتنص المادة 122، على "إذا أنهى أحد الطرفين العقد دون مبرر مشروع وكافٍ، التزم بأن يعوض الطرف الآخر عن الضرر الذي يصيبه من جراء هذا الإنهاء، وإذا كان الإنهاء بدون مبرر صادر من جانب صاحب العمل، فلا يجوز أن يقل التعويض المستحق للعامل عن أجر شهرين من الأجر الشامل عن كل سنة من سنوات الخدمة".
يذكر في المادة 111، من نفس القانون أنه "يجب أن يتم الإخطار قبل الإنهاء بشهرين إذا لم تتجاوز مدة الخدمة المتصلة للعامل لدى صاحب العمل عشر سنوات وقبل الإنهاء بثلاثة أشهر إذا زادت هذه المدة على عشر سنوات".
يُبدي عضو مجلس نقابة الصحافيين المصرية، الذي فضل عدم ذكر اسمه، استياءه من توقف دور النقابة عند حد إصدار بيانات شديدة اللهجة، وتشكيل لجان لحل الأزمة، دون مردود فعلي على الأرض الواقع، "فالأزمات تتراكم ومسلسل الانتهاكات ضد الصحافيين والحريات بشكل عام مستمر". ولكنه يرى أن اللجان المشكلة لدراسة أزمة كل صحيفة على حدة، لم تنهِ عملها بعد، لذا من غير المنصف الحكم عليها، خاصة أن أعضاء المجلس يسعون دائبين إلى حل تلك الخلافات عن كثب.
وعن مستقبل الصحافة والحريات بشكل عام في مصر، وصفه عضو المجلس بالخطير جداً، خاصة مع "الهجمة الشرسة لرجال الأعمال على الصحافيين في عدد من الصحف المصرية من جهة، ومن جهة أخرى على الناحية الأمنية وإلقاء القبض على عدد كبير من الصحافيين، والذي يبلغ عددهم حالياً 32 صحافياً مصرياً خلف القضبان، في قضايا متنوعة ولكنها تمس عملهم والحريات بشكل كبير".
الهجمة الشرسة التي تعاني منها الصحافة المصرية أيضاً، تكمن في القوانين والتشريعات الصادرة حديثاً، مثل قانونيّ التظاهر والإرهاب. وجاءت المادة 29 من قانون الإرهاب لتتضمن "فرض عقوبة بالسجن المشدد لمدة لا تقل عن 5 سنوات لكل من أنشأ أو استخدم موقعاً إلكترونياً، بغرض الترويج للأفكار أو المعتقدات الداعية إلى ارتكاب أعمال إرهابية"، وشمل أيضاً "فرض عقوبات مادية تصل إلى 500 ألف جنيه لمن ينشر معلومات غير حقيقية عن الاعتداءات أو العمليات ضد المتشددين".
أما بشأن القانون الموحد للصحافة والإعلام، فأعلن عضو المجلس رضا النقابة بشكل مجمل عنه، رغم الخلافات البسيطة على بعض بنوده.
اقرأ أيضاً: هكذا غطت الصحف أخبار "حرب أكتوبر"