تونس: دور ثانٍ للعرب

25 نوفمبر 2014
جرّب التونسيون في سنوات ثورتهم الأربع كل شيء (الأناضول)
+ الخط -
لا تحمل ذاكرتنا العربية الديمقراطية القصيرة جداً، قصة مماثلة للمسار الذي تعرفه تونس هذه الأيام. رئيس لا يفوز من الدور الأول وتنافس مشوّق أرجأ التونسيون التصريح بحكمه إلى دورٍ ثانٍ، للإمعان في التجربة، وتمديد التثبت من النوايا والتعمق في فهم المشروع والسيرة الذاتية للمترشحيْن الاثنين اللذيْن اختارهما للدور الثاني، الذي سيحدد أول رئيس تونسي ينتخبه الشعب مباشرة بعد الثورة.

لقد جرّب التونسيون في سنوات ثورتهم الأربع كل شيء: الانتخابات والاٍرهاب وصعوبة الحياة والأحزاب بالعشرات والمنابر الإعلامية بالمئات. جربوا الاختلاف والخلاف أحياناً، وذهبوا مشتتين الى مراكز الانتخاب، ولكنهم كانوا يعودون مجتمعين في كل مرة. لكن التونسيين اختاروا دائماً (بعكس ما يعلنون في الشوارع) كل الطرق الصعبة، بوعيٍ، عكس رغبتهم القديمة جداً في التأني، واجتياز المراحل خطوة خطوة: مجلس تأسيسي فدستور وهيئات دستورية وتعديلية ثم انتخابات تشريعية، فرئاسية أولى تليها ثانية. كما فرض التونسيون ثورتهم على نخبهم، فقد عادوا في تجربة الانتخابات التشريعية والرئاسية ليفرضوا مرة أخرى على كل نخبهم أن يحكموا مجتمعين وألا يتفرّد طرف بالحُكْم.

وجاءت التجربة التونسية الوليدة، مساء الأحد، بشهادة جديدة تضاف الى نخبتها السياسية، التي خرجت لتقبل بالنتائج وتهنئ شعبها، برغم مرارة هزيمة المنهزمين، وأمل فوز المختاريْن، وتدعو الفريقين الى دورٍ ثانٍ يكون في مستوى ما قدمه الشعب من دروس عميقة. التونسيون أعادوا تشكيل المشهد السياسي بوضوح في انتخابات يوم الأحد 23 نوفمبر/تشرين الثاني، وطرحوا جدول أعمال مختلف عما كانت تبشر به الأحزاب، فأبعدوا شخصيات ومشاريع، وقرّبوا أخرى ونبهوا إلى درجةِ رقيّ في العمل السياسي تثبت للعالم أن العرب جديرون بالديمقراطية، وتدعو العرب بالخصوص الى دورٍ ثانٍ هو فرصتهم للاقتراب من رغبة شعوبهم في انتخابات حرّةٍ ممكنة ومتاحة، لو سنحت لهم الفرصة.
المساهمون