10 نوفمبر 2018
ثقافة الفيسبوك
يونس كحال (المغرب)
أصبحت كل أخبارنا ومعلوماتنا نستقيها من العالم الأزرق، ونظرا للكم الهائل من المعلومات والأخبار التي تتداول فيه على مرّ الثواني، أضحى معيناً لا ينضب، لكل باحث، كلّ حسب طلبه، وحسب ميوله.
هذا مهتم بالدين، كل دقيقة يتلقى أحاديث كثيرة مرفوقة بصور الورود وصور الدعاة مختومة بـ"انشرها ولك الأجر"، أو إذا أعجبك الحديث أو الدعاء فاضغط "لايك"، وهذا على النقيض من الفئة الأولى، فأيّ لا ديني لديه أصدقاء وصفحات كثيرة ترسل له صور كاريكاتورية عن المتدينين، وأحاديث تسخر من الدين، ومن أتباعه وتصوّرهم كقطيع من الخرفان، لا حظ لهم من العلوم واستعمال العقل، وأنه هو، ومن على شاكلته، من استطاع أن يخرج من دائرة التبعية، وتمرد على سلطة الدين والمجتمع.
الأحزاب السياسية، هي الأخرى، وجدت ضالتها في العالم الأزرق، وجنّدت أتباعها ومناضليها وعبأتهم بنشر كل الأخبار والصور الحقيقية والمفبركة عن خصومها. في هذا العالم الافتراضي، استطاع المعارض أن يجهر بآرائه السياسية المخالفة للسلطة الموجودة، واستطاع الملحد أن يعبّر بحرية عن معتقده وسط مجتمعه، وتمكّن أشخاص من ذوي الثقافة البسيطة أن يراكموا كماً لا بأس به من المعلومات التي حرموا منها في صفوف الدراسة، وهو يشكل متنفساً حقيقياً للتعبير، وتنفيس الغضب عن فئات الشعب الغاضبة من قرارات حكوماتها. وفوق هذا كله، كان الانطلاقة الحقيقية لشرارات انتفاضات، وقعت هنا وهناك.
لكن، ما يلاحظ أنه على الرغم من كل المزايا، أمسى هذا العالم الأزرق مصدراً لمشكلاتٍ كثيرة، بل وبات المصدر الوحيد للمعلومة لدى فئة معتبرة من الشعوب التي لا تتوفر على "فلاتر" لفلترة الكم الهائل من المعلومات المنشورة بدون التأكد من مصدرها، ومن مصداقيتها وصدقيتها. فكم من الأحاديث غير الصحيحة المتداولة، والمشاركة بين صفحة وأخرى، تدور بين يدي رواد "فيسبوك" من دون الإشارة إلى مصدرها وسندها، وكم من الأدعية التي تجلب الرزق، وتطرد الحسّاد، وتزوّج الشباب تتدحرج بين صفحة وأخرى، وكم من صفحات الأخبار المفبركة التي تفبرك المعلومة، وتقدّمها بعناوين غريبة، وجالبة لقراء متعطشين لأخبار، تؤكد نظرية المؤامرة، وتزيد من شحنة التذمّر عندهم، وعند انقشاع غيمة الكذبة لا يستطيع أيٌّ كان أن ينشر اعتذارا أو بيان حقيقة، كما هو جار به العمل في العمل الصحفي، لرد الاعتبار للجهة المتضررة، بل ينتقل إلى خبر آخر من أجل تحقيق أكبر عدد من الإعجابات، ولو على حساب سمعة الأشخاص. تنشط الكتائب الإلكترونية التابعة للأحزاب كثيرا هي الأخرى، وتدور بينها وبين أطراف أخرى حرب ضروس من التعليقات، وكلّ يتعصب لحزبه، وتضيع مصلحة الوطن بين أصابع هؤلاء وأولئك.
"فيسبوك" عالم جميل، لو أحسنّا استعماله والتعامل معه، بعيدا عن نشر معلوماتٍ غير متأكد منها، أو لأنها وافقت مصلحةً في أنفسنا، هو عالم لتبادل المعلومات واقتسام لحظات جميلة مع الأصدقاء والأحباب، أفسدناه بنشر خطابات الكراهية والتعصب، أفسدناه بكثرة السب والشتم لمن يخالفنا الآراء، أفسدناه بنشر أي شيء من دون التأكد من صحته، أفسدناه بنرجسيتنا التي تصوّر لنا بأن كل ما ننشره هو الحقيقة المطلقة، وغير ذلك هو مجرد كذب وبهتان.
كل صفحة في "فيسبوك" تخفي جزءا من حقيقتنا، هي صفحتنا وصحيفتنا، حبذا لو رجع كل واحد منا إلى صفحته منذ سنوات خلت، وراجع ما كتبه ليرى ما فيها، هل لازال مقتنعا بما كتبه أو نشره مرة؟ أم أن الأفكار وحتى المعلومات تتغير مع مرور الزمن؟
دعونا نتقاسم اللحظات الجميلة، عوض الصور المؤلمة، والسباب المتبادل، والأخبار المفبركة. دعوا ثقافتنا الفيسبوكية تكون راقية.
هذا مهتم بالدين، كل دقيقة يتلقى أحاديث كثيرة مرفوقة بصور الورود وصور الدعاة مختومة بـ"انشرها ولك الأجر"، أو إذا أعجبك الحديث أو الدعاء فاضغط "لايك"، وهذا على النقيض من الفئة الأولى، فأيّ لا ديني لديه أصدقاء وصفحات كثيرة ترسل له صور كاريكاتورية عن المتدينين، وأحاديث تسخر من الدين، ومن أتباعه وتصوّرهم كقطيع من الخرفان، لا حظ لهم من العلوم واستعمال العقل، وأنه هو، ومن على شاكلته، من استطاع أن يخرج من دائرة التبعية، وتمرد على سلطة الدين والمجتمع.
الأحزاب السياسية، هي الأخرى، وجدت ضالتها في العالم الأزرق، وجنّدت أتباعها ومناضليها وعبأتهم بنشر كل الأخبار والصور الحقيقية والمفبركة عن خصومها. في هذا العالم الافتراضي، استطاع المعارض أن يجهر بآرائه السياسية المخالفة للسلطة الموجودة، واستطاع الملحد أن يعبّر بحرية عن معتقده وسط مجتمعه، وتمكّن أشخاص من ذوي الثقافة البسيطة أن يراكموا كماً لا بأس به من المعلومات التي حرموا منها في صفوف الدراسة، وهو يشكل متنفساً حقيقياً للتعبير، وتنفيس الغضب عن فئات الشعب الغاضبة من قرارات حكوماتها. وفوق هذا كله، كان الانطلاقة الحقيقية لشرارات انتفاضات، وقعت هنا وهناك.
لكن، ما يلاحظ أنه على الرغم من كل المزايا، أمسى هذا العالم الأزرق مصدراً لمشكلاتٍ كثيرة، بل وبات المصدر الوحيد للمعلومة لدى فئة معتبرة من الشعوب التي لا تتوفر على "فلاتر" لفلترة الكم الهائل من المعلومات المنشورة بدون التأكد من مصدرها، ومن مصداقيتها وصدقيتها. فكم من الأحاديث غير الصحيحة المتداولة، والمشاركة بين صفحة وأخرى، تدور بين يدي رواد "فيسبوك" من دون الإشارة إلى مصدرها وسندها، وكم من الأدعية التي تجلب الرزق، وتطرد الحسّاد، وتزوّج الشباب تتدحرج بين صفحة وأخرى، وكم من صفحات الأخبار المفبركة التي تفبرك المعلومة، وتقدّمها بعناوين غريبة، وجالبة لقراء متعطشين لأخبار، تؤكد نظرية المؤامرة، وتزيد من شحنة التذمّر عندهم، وعند انقشاع غيمة الكذبة لا يستطيع أيٌّ كان أن ينشر اعتذارا أو بيان حقيقة، كما هو جار به العمل في العمل الصحفي، لرد الاعتبار للجهة المتضررة، بل ينتقل إلى خبر آخر من أجل تحقيق أكبر عدد من الإعجابات، ولو على حساب سمعة الأشخاص. تنشط الكتائب الإلكترونية التابعة للأحزاب كثيرا هي الأخرى، وتدور بينها وبين أطراف أخرى حرب ضروس من التعليقات، وكلّ يتعصب لحزبه، وتضيع مصلحة الوطن بين أصابع هؤلاء وأولئك.
"فيسبوك" عالم جميل، لو أحسنّا استعماله والتعامل معه، بعيدا عن نشر معلوماتٍ غير متأكد منها، أو لأنها وافقت مصلحةً في أنفسنا، هو عالم لتبادل المعلومات واقتسام لحظات جميلة مع الأصدقاء والأحباب، أفسدناه بنشر خطابات الكراهية والتعصب، أفسدناه بكثرة السب والشتم لمن يخالفنا الآراء، أفسدناه بنشر أي شيء من دون التأكد من صحته، أفسدناه بنرجسيتنا التي تصوّر لنا بأن كل ما ننشره هو الحقيقة المطلقة، وغير ذلك هو مجرد كذب وبهتان.
كل صفحة في "فيسبوك" تخفي جزءا من حقيقتنا، هي صفحتنا وصحيفتنا، حبذا لو رجع كل واحد منا إلى صفحته منذ سنوات خلت، وراجع ما كتبه ليرى ما فيها، هل لازال مقتنعا بما كتبه أو نشره مرة؟ أم أن الأفكار وحتى المعلومات تتغير مع مرور الزمن؟
دعونا نتقاسم اللحظات الجميلة، عوض الصور المؤلمة، والسباب المتبادل، والأخبار المفبركة. دعوا ثقافتنا الفيسبوكية تكون راقية.
مقالات أخرى
28 يناير 2018
09 نوفمبر 2017
29 أكتوبر 2017