"لم يعد العمر يكفي لتحمل كلّ هذه المرارة التي نعيشها. كبرت، وتجاوزت السبعين من عمري، وما زلت أبحث عمّن يكفلني ويحميني ويضمن لي الكرامة في أواخر العمر. عملت أكثر من ثلاثين عاماً في المؤسسات المختلفة عاملة بسيطة، كي أربي عائلة، وفي النهاية تقاعدت، لكنّي ما زلت أحاول الحصول على مبلغ التعويض من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي لا بدّ من أن يقدم لي عند انتهاء خدمتي ووصولي إلى سن التقاعد". هكذا تبدأ اللبنانية، جوزيفين قسطنطين المولودة عام 1948، في بلدة مغدوشة، شرقي مدينة صيدا، جنوب لبنان، كلامها إلى "العربي الجديد". هي التي تبيع الصعتر والقصعين اليوم كي تتمكن من تأمين قوت يومها.
اقــرأ أيضاً
لم تأتِ جوزيفين إلى ساحة إيليا، حيث يعتصم لبنانيون كثر ضدّ الطبقة السياسية الفاسدة، إلا لترفع الصوت عالياً، وتطالب بحقها في تعويض نهاية الخدمة من الضمان الاجتماعي، الذي ما زالت تسعى إليه منذ أكثر من خمس سنوات. تقول جوزيفين: "في معارك مغدوشة في العام 1986 (جزء من الحرب الأهلية اللبنانية) قتلت أختي وزوجها، وتوليت تربية أولادها، فعملت في مؤسسات من أجل الإنفاق عليهم. تخصصي كان في إدارة المدارس، لكنّني عملت في غير تخصصي بسبب حاجتي للعمل. انتسبت يومها إلى الضمان الاجتماعي من أجل حفظ حقوقي. مرّ أربعة وعشرون عاماً على انتسابي إلى الصندوق واسمي مدرج في الجدول. وعندما لم أعد قادرة على العمل، ارتأيت أن أسحب تعويضي من الضمان، فعملت على ذلك مع زميلة لي، وذهبنا إلى الضمان، فتقدمنا بالطلب اللازم، وبينما تمكنت زميلتي من سحب مبلغ التعويض بعد مضي ستة أشهر فقط، لم أتمكن حتى يومنا هذا من تقاضي تعويضي".
تتابع: "سألت زميلتي التي أمضت مثلي أكثر من عشرين عاماً في الخدمة الفعلية (أي أنّ مبلغ التعويض الذي تستحقه يعادل 100 في المائة من الراتب الشهري مضروباً بـ20) كيف استطاعت تحصيل المبلغ، فقالت لي إنّ لديها قريباً ساعدها في ذلك، وأنا منذ خمس سنوات أعاني ذهاباً وعودة إلى المركز الرئيس للصندوق في بيروت، حتى أحصل على حقي المهدر، ولا نتيجة".
تضيف: "كلما ذهبت إلى المركز لأقابل المسؤول في التفتيش تطردني السكرتيرة وتمنعني من الدخول. وهذا الأمر يتكرر معي كلما ذهبت لأسأل عن حقي، وأنا اليوم هنا من أجل إيصال صوتي إلى المعنيين من أجل أن يعيدوا لي حقي". تتابع: "بتّ كبيرة في السن، وليس لديّ من ينفق عليّ أو يساعدني، وفي كلّ مرة أذهب فيها إلى مركز الضمان الاجتماعي في بيروت أتكلف مبلغاً قدره عشرون ألف ليرة لبنانية (13 دولاراً أميركياً) ثمناً للمواصلات. طرقت أبواباً عديدة من أجل مساعدتي، لكن لا أحد تجاوب معي".
تضيف: "بعد محاولاتي العديدة في الدخول إلى مكتب المدير في مركز الضمان من أجل عرض شكواي، اعتدت عليّ السكرتيرة بالضرب، فعدت من بيروت إلى صيدا وأنا في حالة سيئة، واضطررت للدخول إلى المستشفى، عندها أجري تحقيق معي، وطلب المحقق مني الادعاء على السكرتيرة لدى الشرطة، فتوجهت إلى مخفر الرملة البيضاء في بيروت (يقع مركز الضمان في نطاقه) وتقدمت بشكوى ضدها، وبالطبع حفظت الشكوى في أحد الأدراج منذ خمسة أشهر. وعندما ذهبت للمراجعة، أخبروني أنّ الشكوى ما زالت قائمة، وجرى منعي من الدخول إلى مكتب المدعي العام لإطلاعه على الشكوى".
تتابع جوزيفين: "كنت قد وفرت مبلغاً صغيراً وضعته في المصرف، من أجل الإنفاق على نفسي، لكنّ الفائدة باتت ضئيلة، وهكذا بتّ بلا مدخول، فاضطررت لبيع الصعتر والقصعين، مع العلم بأنّني مريضة وأحتاج إلى أدوية دائمة".
جوزيفين حالة من حالات القهر التي تطالب بالحصول على حقها، فهي اليوم في سن التقاعد، بعد عملها الطويل. تريد أن تحصل على تعويض نهاية خدمتها كي تعيش حياة كريمة نوعاً ما، لكنّها لم تستطع أن تحصّل حقها حتى، وتحتاج إلى واسطة لا تملكها، في هذا السبيل. وحتى مع امتلاكها مبلغاً صغيراً من المال في المصرف، واضطرت لسحبه لن يكفيها غير فترة قصيرة، ما يجعلها عرضة للجوع مجدداً.
اقــرأ أيضاً
جوزيفين تشكر الله أنّ أهلها تركوا لها بيتهم القديم في بلدتها مغدوشة حتى تعيش فيه. على الأقل، لن تكون الأرصفة سريرها كما كثيرين من المشردين الذين فقدوا المأوى كما فقدوا الحيلة في الحصول على المال في بلد لا يقدم شيئاً مجانياً، بل يأكل حقوق أبنائه. وهكذا تجد جوزيفين نفسها، تستنجد بالمعنيين للحصول على حقها، وليس أكثر من ذلك.
لم تأتِ جوزيفين إلى ساحة إيليا، حيث يعتصم لبنانيون كثر ضدّ الطبقة السياسية الفاسدة، إلا لترفع الصوت عالياً، وتطالب بحقها في تعويض نهاية الخدمة من الضمان الاجتماعي، الذي ما زالت تسعى إليه منذ أكثر من خمس سنوات. تقول جوزيفين: "في معارك مغدوشة في العام 1986 (جزء من الحرب الأهلية اللبنانية) قتلت أختي وزوجها، وتوليت تربية أولادها، فعملت في مؤسسات من أجل الإنفاق عليهم. تخصصي كان في إدارة المدارس، لكنّني عملت في غير تخصصي بسبب حاجتي للعمل. انتسبت يومها إلى الضمان الاجتماعي من أجل حفظ حقوقي. مرّ أربعة وعشرون عاماً على انتسابي إلى الصندوق واسمي مدرج في الجدول. وعندما لم أعد قادرة على العمل، ارتأيت أن أسحب تعويضي من الضمان، فعملت على ذلك مع زميلة لي، وذهبنا إلى الضمان، فتقدمنا بالطلب اللازم، وبينما تمكنت زميلتي من سحب مبلغ التعويض بعد مضي ستة أشهر فقط، لم أتمكن حتى يومنا هذا من تقاضي تعويضي".
تتابع: "سألت زميلتي التي أمضت مثلي أكثر من عشرين عاماً في الخدمة الفعلية (أي أنّ مبلغ التعويض الذي تستحقه يعادل 100 في المائة من الراتب الشهري مضروباً بـ20) كيف استطاعت تحصيل المبلغ، فقالت لي إنّ لديها قريباً ساعدها في ذلك، وأنا منذ خمس سنوات أعاني ذهاباً وعودة إلى المركز الرئيس للصندوق في بيروت، حتى أحصل على حقي المهدر، ولا نتيجة".
تضيف: "كلما ذهبت إلى المركز لأقابل المسؤول في التفتيش تطردني السكرتيرة وتمنعني من الدخول. وهذا الأمر يتكرر معي كلما ذهبت لأسأل عن حقي، وأنا اليوم هنا من أجل إيصال صوتي إلى المعنيين من أجل أن يعيدوا لي حقي". تتابع: "بتّ كبيرة في السن، وليس لديّ من ينفق عليّ أو يساعدني، وفي كلّ مرة أذهب فيها إلى مركز الضمان الاجتماعي في بيروت أتكلف مبلغاً قدره عشرون ألف ليرة لبنانية (13 دولاراً أميركياً) ثمناً للمواصلات. طرقت أبواباً عديدة من أجل مساعدتي، لكن لا أحد تجاوب معي".
تضيف: "بعد محاولاتي العديدة في الدخول إلى مكتب المدير في مركز الضمان من أجل عرض شكواي، اعتدت عليّ السكرتيرة بالضرب، فعدت من بيروت إلى صيدا وأنا في حالة سيئة، واضطررت للدخول إلى المستشفى، عندها أجري تحقيق معي، وطلب المحقق مني الادعاء على السكرتيرة لدى الشرطة، فتوجهت إلى مخفر الرملة البيضاء في بيروت (يقع مركز الضمان في نطاقه) وتقدمت بشكوى ضدها، وبالطبع حفظت الشكوى في أحد الأدراج منذ خمسة أشهر. وعندما ذهبت للمراجعة، أخبروني أنّ الشكوى ما زالت قائمة، وجرى منعي من الدخول إلى مكتب المدعي العام لإطلاعه على الشكوى".
تتابع جوزيفين: "كنت قد وفرت مبلغاً صغيراً وضعته في المصرف، من أجل الإنفاق على نفسي، لكنّ الفائدة باتت ضئيلة، وهكذا بتّ بلا مدخول، فاضطررت لبيع الصعتر والقصعين، مع العلم بأنّني مريضة وأحتاج إلى أدوية دائمة".
جوزيفين حالة من حالات القهر التي تطالب بالحصول على حقها، فهي اليوم في سن التقاعد، بعد عملها الطويل. تريد أن تحصل على تعويض نهاية خدمتها كي تعيش حياة كريمة نوعاً ما، لكنّها لم تستطع أن تحصّل حقها حتى، وتحتاج إلى واسطة لا تملكها، في هذا السبيل. وحتى مع امتلاكها مبلغاً صغيراً من المال في المصرف، واضطرت لسحبه لن يكفيها غير فترة قصيرة، ما يجعلها عرضة للجوع مجدداً.
جوزيفين تشكر الله أنّ أهلها تركوا لها بيتهم القديم في بلدتها مغدوشة حتى تعيش فيه. على الأقل، لن تكون الأرصفة سريرها كما كثيرين من المشردين الذين فقدوا المأوى كما فقدوا الحيلة في الحصول على المال في بلد لا يقدم شيئاً مجانياً، بل يأكل حقوق أبنائه. وهكذا تجد جوزيفين نفسها، تستنجد بالمعنيين للحصول على حقها، وليس أكثر من ذلك.