11 ابريل 2024
حربٌ تركيّة على عفرين أم مجرّد رسائل؟
يبدو أن تركيا نجحت، إلى درجة ما، في الدخول عبر شقوق الخلافات الروسية - الأميركية في سورية، ذلك أنها بدأت، قبل أيام، في قصف مواقع تابعة لـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد) الحليفة للولايات المتحدة، بالمدفعية الثقيلة بعيدة المدى، وذلك تزامناً، وفي توقيت حرج، حيث بات التحالف الدولي يتقدّم داخل أزقة مدينة الرقة وأحيائها عبر مقاتلي "قسد".
كان من المفترض أن يتمكن الوجود الروسي من منع القوات التركية والفصائل السورية المسلّحة المتحالفة مع أنقرة من ملامسة الحدود الجنوبية لتركيا في الداخل السوري، لا سيما نواحي عفرين، أو ما يعرف محليّاً بـ(كرداغ )، وأن انتشار القوات الروسية هناك قد يكون كفيلاً بتثبيط أي تقدّم تركي محتمل غرب مناطق انتشاره في الداخل السوري غربي الفرات، بيد أن الوقائع على الأرض، ونمط التحالف الأميركي وقوات سورية الديمقراطية، منح الأتراك فرصةً ملائمة للتقرّب من الروس على هدي جلسات "أستانة" التي قرّبت وجهات النظر التركية والروسية إلى مستوياتٍ متقدّمة، إضافة إلى رغبة روسيا في الضغط على الأميركان المتفردين في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، والتي حاولت روسيا مراراً الدخول على خط محاربة التنظيم، كسباً للمصداقية الدولية والرأي العام الروسي المحلّي.
لا ترمي الهجمة التركية على عفرين إلى مضايقة قوات "قسد" العاملة في الرقة، فالقوات الموجودة هناك ليست على صلةٍ جغرافية أو مباشرة بالموجودة في عفرين، أي أن ما يشاع عن أن محاولة تركيا تهدف إلى منع "قسد" من التقدم داخل الرقة مجرّد وجهة نظر غير واقعية، بينما يكون التحليل أقرب إلى الصواب عندما نقرأ الضربات التركية على عفرين التي تحتفظ
بقدراتٍ عسكريةٍ لا تقل أهمية عن قوتها في منطقة شرق الفرات؛ فمن زاوية أخرى: قد تكون الغاية من هذه الضربة التركية الاستباقية على عفرين الحد من قوّة (وفعاليّة) "قسد" التي قد تكون مرشحةً للتحالف مجدّداً مع الأميركان، أو ربما الروس، لأجل القيام بحملةٍ بريةٍ تستهدف الفصائل الإسلامية في إدلب ومحيطها، في مشهدٍ شبيه بذلك القائم في الرقة الآن، الأمر الذي سيخرج تركيا من الدور المناط بها، أي بسط سيطرتها الفعلية على إدلب ومحيطها، ويضايق حلفاءها في الكتائب المسلحة المعارضة، وقد تكون الضربات التركية أيضاً رسالة للحد من التوسع الذي كانت ترمي إليه "قسد"، والحديث عن الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، والذي قد يؤدي إلى قطع الطريق الموصلة بين تركيا وإدلب، أي مناطق سيطرة المعارضة المسلحة، إضافةً إلى أسباب عديدة، مثل رغبة الحكومة التركية بإقناع الرأي العام التركي بأن الحكومة لم تدّخر جهداً في التصدّي "للخطر" الذي تمثله قوات سورية الديمقراطية على حدودها الجنوبية، واستمالة الرأي العام في الداخل التركي، ولا سيما أن الأوضاع في الداخل التركي تزداد تعقيداً على ضوء "مسيرة العدالة" التي أطلقتها أكبر الأحزاب المناوئة لحزب العدالة والتنمية (الشعب الجمهوري). لذا قد تكون الحرب على عفرين من الأسباب القادرة على لجم أنشطة المعارضة، والتقليل من مخاطرها على الحزب الحاكم، ودائماً عبر شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة".
تعتبر عفرين، من وجهة نظر الأتراك، أهم البقاع التي تهدّد سيطرتها وحلفائها في الداخل
السوري، على ما تحمله من أهميةٍ جغرافيةٍ، وما تستطيع "قسد" فعله عبر تمركزها في هذه المنطقة الاستراتيجية، خصوصا بعد أن فقدت تركيا وقوات المعارضة السورية أراضٍ كثيرة شرق الفرات وغربه. وبالتالي، ستحاول تركيا المستطاع، لأجل التأثير على عفرين ومحيطها، إلى درجة إلحاق أضرار بالغة بالمدينة وقراها وبنيتها العسكرية وقواعد "قسد" فيها، لكن، في مقابل هذه التصورات، فإن "قسد" ستعمل جاهدةً على عدم خسارتها هذه المعركة، مهما كلّفها الأمر، فالمنطقة هي من الخزانات البشرية التي تزوّدها بالمقاتلين والمقاتلات، علاوةً على أهمية المنطقة في ميزان إعاقة الأدوار التركية داخل سورية.
قد تتفاقم الاشتباكات والقصف الصاروخي التركي على مواقع "قسد"، لتؤدي إلى حربٍ مفتوحةٍ بين الجانبين، وقد تتراجع هذه الحدّة والنفير، حال تدخل القوتين الكبريين في سورية أو إحداهما (أميركا وروسيا) لصالح وقف المعارك في عفرين، على نحو ما حصل حين همّت تركيا في قصف مواقع عائدة لـ"قسد" في قره جوخ (أقصى الشمال الشرقي في سورية). لكن، في مطلق الأحوال، لا تمتلك تركيا وغريمتها "قسد" رفاهية التراخي وعدم الاستعداد لمواجهاتٍ لاحقة لا أحد يعلم متى تقع. وعليه، هل سيكون القصف التركي بداية حربٍ مفتوحة أم مجرّد رسائل يتوجب قراءتها بتمعّن؟
كان من المفترض أن يتمكن الوجود الروسي من منع القوات التركية والفصائل السورية المسلّحة المتحالفة مع أنقرة من ملامسة الحدود الجنوبية لتركيا في الداخل السوري، لا سيما نواحي عفرين، أو ما يعرف محليّاً بـ(كرداغ )، وأن انتشار القوات الروسية هناك قد يكون كفيلاً بتثبيط أي تقدّم تركي محتمل غرب مناطق انتشاره في الداخل السوري غربي الفرات، بيد أن الوقائع على الأرض، ونمط التحالف الأميركي وقوات سورية الديمقراطية، منح الأتراك فرصةً ملائمة للتقرّب من الروس على هدي جلسات "أستانة" التي قرّبت وجهات النظر التركية والروسية إلى مستوياتٍ متقدّمة، إضافة إلى رغبة روسيا في الضغط على الأميركان المتفردين في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، والتي حاولت روسيا مراراً الدخول على خط محاربة التنظيم، كسباً للمصداقية الدولية والرأي العام الروسي المحلّي.
لا ترمي الهجمة التركية على عفرين إلى مضايقة قوات "قسد" العاملة في الرقة، فالقوات الموجودة هناك ليست على صلةٍ جغرافية أو مباشرة بالموجودة في عفرين، أي أن ما يشاع عن أن محاولة تركيا تهدف إلى منع "قسد" من التقدم داخل الرقة مجرّد وجهة نظر غير واقعية، بينما يكون التحليل أقرب إلى الصواب عندما نقرأ الضربات التركية على عفرين التي تحتفظ
تعتبر عفرين، من وجهة نظر الأتراك، أهم البقاع التي تهدّد سيطرتها وحلفائها في الداخل
قد تتفاقم الاشتباكات والقصف الصاروخي التركي على مواقع "قسد"، لتؤدي إلى حربٍ مفتوحةٍ بين الجانبين، وقد تتراجع هذه الحدّة والنفير، حال تدخل القوتين الكبريين في سورية أو إحداهما (أميركا وروسيا) لصالح وقف المعارك في عفرين، على نحو ما حصل حين همّت تركيا في قصف مواقع عائدة لـ"قسد" في قره جوخ (أقصى الشمال الشرقي في سورية). لكن، في مطلق الأحوال، لا تمتلك تركيا وغريمتها "قسد" رفاهية التراخي وعدم الاستعداد لمواجهاتٍ لاحقة لا أحد يعلم متى تقع. وعليه، هل سيكون القصف التركي بداية حربٍ مفتوحة أم مجرّد رسائل يتوجب قراءتها بتمعّن؟
مقالات أخرى
19 فبراير 2023
10 ابريل 2022
17 فبراير 2022