بدأت العملية العسكرية للواء المتقاعد خليفة حفتر في جنوب ليبيا التي أطلقها في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، تصطدم بعقبات عدة ترجّح فشلها، لا سيما بعد استعادة حكومة الوفاق الوطني زمام المبادرة، واتخاذ مجموعة متلاحقة من الإجراءات العسكرية والسياسية لتطويق مخططات حفتر. فبعد المواجهة المسلحة التي لم يتوقعها اللواء المتقاعد من مجموعات قبلية، على رأسها قبيلة التبو في مناطق غدوة ومرزق، انضمت مجموعات قبلية أخرى، أغلبها من الطوارق ضمن مسلحي الكتيبة 30 المسيطرة على حقل الشرارة، إلى معارضي حفتر عندما رفضوا تسليمه الحقل، لتتخذ تلك المعارضة صفة رسمية بتعيين حكومة الوفاق لعلي كنه، آمراً لمنطقة سبها العسكرية، مع الاتجاه للتصعيد دولياً هذه المرة.
في آخر إجراءات حكومة الوفاق، أعلنت البعثة الليبية التابعة لها الوفاق بالأمم المتحدة، أن "رئيسها، المهدي المجبري، تقدم بشكوى رسمية على حكومة الوفاق إلى مجلس الأمن بشأن الغارة التي شنتها مقاتلات تابعة لحفتر على مهبط حقل الفيل، ثاني أهم الحقول النفطية بالجنوب بعد حقل الشرارة، مساء السبت". وفي إيضاح لشكواه، قال المجربي، إن "طائرة حربية تابعة للقيادة العامة بالمنطقة الشرقية (قوات حفتر) قامت بغارة جوية على أحد المهابط بحقل الفيل النفطي، في الوقت الذي كانت فيه طائرة مدنية تابعة للخطوط الليبية تحمل عددا من الجرحى للعلاج في طرابلس". وطالب مجلس الأمن بـ"ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف مثل هذه الأعمال وبشكل فوري وإلزام كافة الأطراف الليبية بتنفيذ جميع قرارات مجلس الأمن، ووقف أي هجوم يعرض مؤسسات الدولة للخطر".
وكانت الحكومة قد استنكرت قيام طيران حفتر بقصف المهبط، واصفة العمل بـ"الارهابي الذي لا تسمح بارتكابه كافة القوانين والمعاهدات الدولية وتعتبره جريمة ضد الإنسانية"، مؤكدة أن "رئيس الحكومة، فائز السراج، أعطى توجيهاته لوزارة الخارجية بعرض هذا التجاوز الخطير، الذي اعتبره يستهدف حياة المدنيين على مجلس الأمن الدولي".
تحرك حكومة السراج دولياً، وباستخدام مفردات جديدة كـ"تهديد حياة المدنيين"، ووصف عمل حفتر بـ"الإرهابي"، يشير إلى اعتمادها على دعم دولي قوي، جاء بالتزامن مع تأكيدات دبلوماسي ليبي تحدث لـ"العربي الجديد"، قائلاً إن "دولاً كبرى دخلت على خط أزمة الحقل، وأرسلت تحذيرات لقوات حفتر من الاقتراب من مواقع النفط، وذلك بطلب من رئيس الحكومة، فائز السراج، الذي أجرى زيارة عاجلة للنمسا، الدولة التي تمتلك أكبر الحصص النفطية في حقل الشرارة النفطي عبر شركة أو إم في".
ويبدو أن محاولة حفتر قصف مهبط حقل الفيل التي جاءت بالتزامن مع التحذيرات الدولية، كانت بمثابة الفرصة الجيدة لحكومة السراج لنقل القضية إلى مجالها الدولي، وتحديداً في ساحة مجلس الأمن، كورقة للضغط على دول تدعم حفتر وعلى رأسها فرنسا العضو الدائم بالمجلس".
وعلى الرغم من تفاؤل المحلل السياسي الليبي، الجيلاني أزهيمة، بخطوات حكومة الوفاق دولياً، وإمكانية نجاحها في إبعاد خطر حفتر عن حقول النفط، إلا أنه اعتبر في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "إجراءات مجلس الأمن لن تتعدى تحذير حفتر من السيطرة على حقول النفط". في إشارة إلى أن الخيار المتاح أمام مجلس الأمن هو التشديد على قراراته السابقة التي حددت خضوع مواقع النفط للمؤسسة الوطنية للنفط التابعة لحكومة الوفاق، وبواسطة حرس المنشآت النفطية التابع لها. مع العلم أن مجلس الأمن الدولي اكتفى في تطورات سابقة مشابهة ببيانات تطالب بوقف التصعيد العسكري، تحديداً بعد ما جرى منطقة الهلال النفطي إثر هجوم قوات إبراهيم الجضران في سبتمبر/أيلول 2017 ومارس/آذار ويوليو/تموز 2018. كما نبّه إلى أن "المشكلة قد تتضاعف محلياً"، منوهاً إلى أن "حفتر لعب على ورقة القبائل وتركيبتها المعقدة ذات الخلافات التاريخية العميقة".
وقال أزهيمة، إن "مهمة علي كنه صعبة للغاية فهو ينتمي لطيف قبلي له علاقات طيبة مع أطياف قبلية أخرى، لكن قبيلته على خلافات عميقة مع أقوى وأكثر القبائل عدداً بالجنوب، وهي قبيلة التبو. وتتمثل استضافة هذه القبيلة لمسلحي المعارضة التشادية في مناطقها أساس الخلاف مع الطوارق التي ينتمي لها كنه".
واعتبر أزهيمة أن "تصعيداً مسلحاً مرتقب لا محالة، إذ ليس الطوارق هم من يعارض وجود مسلحين أجانب في الجنوب، بل قبائل الزوية والحساونة والمحاميد أيضاً، وهم جزء كبير من قوات حفتر التي تقاتل إلى جانبه حالياً". وأشار إلى أن "تمكن حفتر من سبها بشكل كلي وإدارتها من قبل حكومة مجلس النواب مع ما ينطوي عليه ذلك من رفضها لسيطرة أَي جهة تابعة لحكومة الوفاق بما فيها علي كنه، سيصعب عملية استقرار الجنوب إلى حد كبير، فالمدينة تتوفر على عوامل مؤثرة في كامل الجنوب ومن خلالها يمكن لحفتر زعزعة الاستقرار في أي وقت". وختم أزهيمة قائلاً إن "سلطة حكومة الوفاق من خلال الفريق علي كنه ستبقى ضعيفة ما دام يعمل من خارج سبها ولا سيطرة له عليها".