حليم جرداق.. رحيل عن عين الرضا

21 يوليو 2020
(1927 - 2020)
+ الخط -

يعدّ الفنان اللبناني حليم جرداق (1927 – 2020)، الذي رحل أمس الإثنين في بيروت أحد أبرز وجوه الحداثة الفنية في بلاده، حيث كان مشغولاً بالتجريب على مستوى المواد والتقنيات وجريئاً في اختبار كلّ جديد، مكرّساً مقولته الأساسية "أنا ألوّن إذن أنا موجود".

بعد دراسته في "الجامعة الأميركية" بالعاصمة اللبنانية وعمله لفترة في شركة نفط عراقية بطرابلس، التحق الراحل بالأكاديمية اللبنانيّة للفنون الجميلة (ألبا)، لينتقل بعد تخرّجه إلى باريس وينضمّ إلى "المدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة" ثم أكاديمة "لا غراند شوميير" ومحترف أندريه لوت، وهناك سيشتري أول كتاب عن فن بول كلي، ويتأثر بأعماله ذات المناخات الشرقة.

منذ تلك الفترة، بدأ جرداق اكتشاف تجارب عديدة منها تجارب جورج براك وفاسيلي كاندينسكي، وسيجعله ذلك أكثر انفتاحاً ورغبة في التعرّف على معظم التيارات والمدارس الواقعية والتكعيبية والرمزية والانطباعية والتعبيرية، وكان معنياً بالتعلّم والمحاكاة ثم اجتراح أسلوبه الخاص.

من أعمال جورد جرداق

عاد إلى بيروت حيث أسس محترفاً في نقش النحاس في كلية الآداب في "الجامعة اللبنانية"، متشعباً في خياراته حيث بدت الطبيعة ثيمة أساسية في معظم أعماله الأولى، كما وظّف العديد من الفنون الهامشية مثل رسومات الأطفال والفن الشعبي في لوحاته، وتوجّه في النحت إلى المواد التقليدية والخامات المهملة، كما قدّم أعمالاً نحتية مصنوعة من المعادن التي يستعملها في الحفر الطباعي مثل النحاس والزنك.

يقول في كتابه ""عين الرضا" إنه "عندما أرسم وأرسم، لا أقول أنني أضع بقعة لون هنا وأرسم تحولاً أو هناك خط في مكان ما على هذه المساحة البيضاء الفارغة، لكنني أقول إنني أتحرك وأذهب بين الكائنات الحية، الرصينة الحية التي تميز وتنوع وتختلف في آثارها واقتراحاتها، مما يجعل ردي عليهم ومشاعري تجاههم مختلفة وتميز حسب الاتجاه الذي أتجه أنا أو أنا فيه بين كائنات النزوح والتلوين هذه".

تعدّدت مساحاته التي يشتغل فيها، بين أعمال حفر تعكس العزلة والخوف من الآخر، ورسوم ذات ألوان فاقعة وتجريدية فوضوية ضمن أعمال تمزج بين التشخيص والتجريد حيث نسج عوالمه العجائبية التي جمعت متنافضات عديدة، والتي عبّر عنها بقوة ألوانه العميقة والحارّة.

ومنذ الخمسينيات، لم يغادر الكولاج أعماله الفنية لكن بتمثلات مختلفة حيث تظهر أبعاد ثلاثية في لوحته، وفيها تتداخل الأجساد وتنفصل في آن، مفضياً إلى احتمالات تعبيرية مدهشة ولافتة من خلال تركيب الأشياء لتحيل إلى تراكم الأزمنة وعبورها في المكان.

أصدر جرداق كتابين، الأول "صورة ذاتية: تحولات الخط واللون" و"عين الرضا"، وفيهما يحاول إضاءة تحوّلات تجربته بمراحلها المختلفة، والهاجس النفسي العميق وراء تحرّك الصيغ التي تتمظهر فيها اليوم المغامرة الفنية، وتأثير العديد من الفنانين والسياقات الاجتماعية والثقافية التي عاشوا فيها على فهمه للفن، إلى جانب تنظيره حول الحضور النوعي للألوان والخطوط في لوحته.

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون