خرافات خاصة جدّاً

11 مارس 2015
+ الخط -

تم، أخيراً، صرف المعونات النقدية من وزارة الشؤون الاجتماعية الفلسطينية، والتي تستفيد منها شريحة عريضة من الفقراء والمرضى العاجزين عن العمل والمطلقات والأرامل معدومات الدخل، بعد تأخر صرفها شهرين عن الموعد المعتاد، حيث يتم صرفها مرة كل ثلاثة أشهر. ولذلك، كنت ألتقي بمن يسألني عن موعد صرفها في كل مكان، سواء في السوق أو سيارة الأجرة، كأن تميل علي امرأة عجوز، وهي تتوسم من هيئتي اطلاعي على الأخبار، ووجدت أن السؤال: امتى موعد استلام "شيك الشؤون" المسيطر، وطغى على السؤال عن المنخفض الجوي المتوقع. وكنت دائماً أرد بأسف يقطر حزناً بأنني لا أعرف، وأردد عبارة أبي لمن يسألني من هؤلاء المعوزين: ما في شي بيضيع عند الحكومة، بس الحكومة حبالها طويلة.
التقيت إحدى صويحبات أمي، حيث قالت لي بصوتها الذي بدا واهناً ومستبشراً: منذ أيام وأنا أحك باطن كفي الأيمن بأصابع يدي اليسرى. ومعنى ذلك أنني سأمسك أوراقاً نقدية بيدي، هل حان موعد استلام "شيك الشؤون"؟
 تخيلت فرحتها بمبلغ بسيط تحصل عليه، 750 شيقلاً إسرائيليّاً (190 دولاراً)، وستنفق منه ثلاثة أشهر، فهي بلا مورد رزق، عدا معونة عينية متباعدة من "أونروا" لا تزيد عن كيس من الطحين وكيلوغرامات قليلة من السكر والأرز.
لمعت في مخيلتي صورتها، وهي تحك باطن كفها، ولمعت فيها، في الوقت نفسه، صورة بائعة اللبن التي كانت تحلم بشراء أشياء كثيرة، وهي في طريقها لبيع لبنها الذي تحمله في جرة فوق رأسها.
عندما التقيتها، أخبرتني، بيقين كثير نابع من بساطتها، أن حدسها لا يخيب بالنسبة لحكها كف يدها، والذي يتوافق مرة كل ثلاثة أشهر، وقد توارثت هذا الاعتقاد، أبا عن جد، لكنه يخيب حين تنهش قطتها أطراف حصير غرفتها البالي، فهذا السلوك ينبئ بأن ضيوفاً سوف يدقون بابها، لكنه لم يتحقق إطلاقاً، خصوصاً أنها تتوقع أن تزورها لجنة من موظفي "أونروا" لتقييم وضعها المعيشي، وقد وعدوها بذلك منذ زمن، لكي يقرروا إصلاح بيتها المنهار السقف والمشقق الجدران، لكن قطها حين يحك ما وراء أذنه اليسرى فمعنى ذلك أن جارة ثرية سترسل لها طبقاً بما تبقى من طعام غداء أسرتها في النهار الفائت.
وصدمتني مصففة الشعر، هي الأخرى، بخرافة جديدة، قالت، إن كثيرات يقدمن إلى "صالون التجميل"، ويطلبن منها بقايا شعر نساء ثريات ليعلقنه في بيوتهن، عسى أن يدق الحظ أبوابهن، وينزاح شبح الفقر عن حياتهن، وقالت لي امرأة أخرى، وهي تضحك بمرارة: ابني يتمنى أن يموت والده، فالأب عاطل عن العمل، والطفل يحلم بلعبة، وقد جاءني قائلاً: متى يموت أبي، لأن الجمعيات الخيرية توزع دراجات هوائية على الأطفال الأيتام فقط، وأنا أريد دراجة لألهو بها، وأبي لا يستطيع أن يشتريها لي. تجرعت مرارة ضحكتها، ثم قالت: كل يوم ألبس أطفالي ملابسهم بالمقلوب، لأن أمي كانت تقول، إن ارتداء الملابس بالمقلوب يجلب الرزق، هل تعتقدين أن أحداً سيدق بابنا، ويقدم لنا مبلغاً لأشتري دراجة لابني الصغير؟
مما روته جدتي أن أحد أبناء المخيم كان يقف على مدخله، حاملاً هراوته، لأنه يعتقد أن الفقر رجل يجوب البيوت ليلاً. ولذلك، الفقر ينتشر أينما وطأت قدماه، وهو يتوعد هذا الرجل بالضرب حتى الموت، إن ظفر به ليريح أهل المخيم من شره.
في ساعات المساء الذي قابلت فيه صويحبة أمي، اختليت بنفسي، وتساءلت: تُرى، حين تحك قطتي الصغيرة ما وراء أذنيها الاثنتين بالتناوب، ما تفسير ذلك إذا كان حك القطط ما وراء أذن واحدة من أذنيها يجلب المال لصاحبها. ليتني سألتها هذا السؤال؟


 

سما حسن
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.