اتهام "حماس" إلى جانب "الإخوان المسلمين" بالمسؤولية عن اغتيال النائب العام المصري هشام بركات، جاء في سياق مختلف تماماً هذه المرة، فهو على الأقل، أتى في توقيت فُتحت فيه بعض الأبواب المغلقة بين الحركة التي تدير قطاع غزة والنظام المصري القائم. وخلال الأيام الماضية، تحدث مسؤولون في "حماس" عن رغبة في تحسين العلاقة مع مصر، يرافقها بعض الاتصالات مع جهات داخل النظام الحالي للتمهيد لزيارة وفد من الحركة إلى القاهرة، لكن الأمور كلها اختلفت الآن. وبدأ مسلسل استدعاء "حماس" مبكراً، ففي الأول من يناير/كانون الثاني 2011، تعرضت كنيسة "القديسين" للتفجير، واتهم في حينها وزير الداخلية حبيب العادلي، حركة "حماس" وجماعة "جيش الإسلام" في غزة بالمسؤولية عن الحادثة. وبعد الثورة المصرية التي أطاحت بنظام حسني مبارك، ظهرت دلائل تتهم العادلي نفسه بإصدار أمر بتنفيذ التفجير، لتهدئة احتجاجات الأقباط، وتهدئة نبرة البابا شنودة تجاه القيادة السياسية في مصر.
وعقب الثورة، اتُهمت حركة "حماس" بالمسؤولية عن اقتحام السجون وتهريب المعتقلين منها خلال أحداث الثورة الأولى، والمثير للسخرية في هذا الاتهام القضائي أنّ من بين المتهمين أشخاصا من غزة استشهدوا قبل الحادث، وأسرى فلسطينيين من ذوي الأحكام العالية. وفي 28 فبراير/شباط 2015، قضت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بإدراج حركة "حماس" ضمن "المنظمات الإرهابية"، بعد شهر واحد من تصنيف ذراعها العسكرية، "كتائب القسام" كمنظمة إرهابية، وهما الحكمان اللذان ألغيا بعد 4 أشهر.
يقول الكاتب والمحلل السياسي في غزة، حاتم أبو زايدة، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ الاتهامات المصرية الجديدة لحركة "حماس" تعكس بُعداً سياسياً بحتاً، في ظل الحديث خلال الفترة الماضية عن إمكانية إجراء حوار بين النظام المصري والحركة الإسلامية في غزة. ويوضح أبو زايدة، أنّ هناك أطرافاً في النظام المصري معنية بإبقاء حالة التوتر قائمة مع حركة "حماس" وعدم استئناف العلاقات معها، على الرغم من المواقف التي قامت بها الحركة لإثبات حسن نواياها للنظام المصري. ويشير إلى أنّ الاتهامات شكّلت مفاجأة كبرى للجهود المبذولة خلال الفترة الماضية من أجل الانفتاح بين النظام المصري وحركة "حماس"، للخروج من حالة التوتر التي بقيت قائمة منذ الانقلاب العسكري وعزل الرئيس المصري محمد مرسي.
اقرأ أيضاً: الحكومة المصرية تتهم "حماس" و"الإخوان" باغتيال بركات... و"الحركة" تنفي
ويتوقع أبو زايدة أنّ تشهد الفترة المقبلة المزيد من الضغوط السياسية والإنسانية على قطاع غزة و"حماس"، مشيراً إلى أنّ الأوضاع المعيشية في القطاع ستشهد مزيداً من التراجع والسوء في ظل حالة التصعيد التي أقدمت عليها السلطات المصرية من خلال اتهام الحركة وزجها بالشأن المصري، بالإضافة إلى التوتر الفلسطيني الداخلي القائم مع حركة "فتح" والتهديدات الأخيرة التي أطلقت ضد "حماس".
وبحسب أبو زايدة، فإنّ هناك خشية داخل أروقة حركة "حماس" في غزة من وضعها على قائمة الإرهاب العربية، كما حدث مع حزب الله اللبناني الذي وضعته المملكة العربية السعودية وعدد من الدول العربية الأخرى على القائمة. ويلفت إلى أن خطوات حركة "حماس" لمواجهة الاتهامات السياسية ستكون محدودة للخروج من الأزمة، ما بين اللعب على عامل الوقت وعدم الانجرار لأي مواقف سياسية قد يستغلها النظام المصري وبعض الأطراف الأخرى للتصعيد بشكل أكبر ضد الحركة في غزة.
ولم يستبعد أبو زايدة تورط بعض الأطراف الفلسطينية في استمرار حالة العداء القائمة بين "حماس" والنظام المصري، ومحاولة فرض مزيد من الضغوط على قطاع غزة الذي تسيطر عليه الحركة منذ عام 2007.
ويتفق مدير مركز "أبحاث المستقبل" في غزة، إبراهيم المدهون، مع أبو زايدة في وجود دور لبعض القيادات الفلسطينية باتهام حركة "حماس" باغتيال النائب العام المصري، من خلال التهديدات الأخيرة التي أُطلقت والتهديد باستعادة غزة بالقوة. ويقول المدهون، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ هناك خشية من محاولة تجريم قطاع غزة من قبل النظام المصري الحالي، وتمهيد المجال أمام شن إسرائيل عدواناً جديداً أكثر قوة من سابقه، والتعامل مع القطاع على أنه كيان معاد.
ويؤكد المدهون أنّ اتهام وزير الداخلية المصري لحركة "حماس"، محاولة من النظام المصري لتصدير الأزمات الداخلية تجاه القطاع المحاصر إسرائيلياً منذ عشر سنوات، وتبرير لحالة الأزمات التي يعيشها، لافتاً إلى أن الاتهامات الأخيرة تؤكد على وجود بعض الأقطاب داخل أروقة النظام المصري التي ترفض أية محاولة للتقارب مع حركة "حماس" في غزة، وتسعى إلى إفساد وقطع الطريق أمام تحسين العلاقات المتوترة منذ الانقلاب العسكري.
ويستبعد المدهون إمكانية إقدام الدول العربية على وضع حركة "حماس" على قائمة الإرهاب العربية على غرار ما حدث مع حزب الله، بفعل مكانة الحركة ودورها الكبير في المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وعلاقتها المميزة مع بعض الأطراف العربية المؤثرة. ويشير إلى أنّ "حماس" لن تنجر إلى تصعيد حدة الخطاب ضد السلطات المصرية بعد الاتهامات الأخيرة لها، وستبحث عن ردود ومحاولات هادئة للخروج من المأزق الحالي لتجنيب القطاع أي خطوات سياسية تعزز من الحصار المفروض عليه منذ عام 2006.
اقرأ أيضاً: تصعيد الحكومة المصرية ضد "حماس" و"الإخوان"... لقطع طريق التهدئة؟