حذرت منظمة "ريفيوجيز إنترناشونال" (اللاجئين الدولية)، ومقرها الولايات المتحدة، من استمرار تفاقم الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة الفلسطيني المحاصر، خصوصاً بعد تفشي فيروس كورونا الجديد حول العالم. وأصدرت المنظمة تقريراً مفصلاً اليوم الأربعاء عن الأوضاع هناك جاء في 11 صفحة، حذر من المخاطر الجسيمة لانتشار الفيروس في قطاع غزة الذي أنهكه الحصار منذ أكثر من عشر سنوات، بالإضافة إلى ثلاث حروب شنتها إسرائيل خلفت آلاف القتلى والجرحى من الفلسطينيين، ناهيك بنظامَين صحي واقتصادي شبه منهارَين. وشهد شهر أغسطس/ آب الماضي ارتفاعاً في حدة التوتر العسكري، وأحكمت إسرائيل قبضة حصارها على القطاع كما شهدت نهاية الشهر أولى الإصابات المحلية لفيروس كورونا. ويضع التقرير انتشار الإصابات محلياً في السياق الأوسع للأوضاع الكارثية التي يعيش تحتها الفلسطينيون في قطاع غزة المحاصر. ويلفت إلى النقص الحاد في المساعدات المادية والإنسانية، إذ تفاقم الوضع بشكل حاد خصوصاً بعد سحب وخفض جزء كبير من أموال مانحين كالولايات المتحدة بعد عام 2018، إذ تحاول الأخيرة تركيع الفلسطينيين لقبول خططها "للسلام" كما شددت الخناق على اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون معاناة مزدوجة.
ويعيش نحو مليوني شخص في قطاع غزة المحاصر فوق مساحة ضيقة، وجزء كبير منهم في مخيمات للاجئين تشهد اكتظاظاً كبيراً. وفي المعدل يعيش 13000 شخص في كلّ ميل مربع (2.6 كيلومتر مربع)، ما يجعل قطاع غزة أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم. وهذا يعني، كما يوضح التقرير، أنّ تلك الظروف تشكل تحدياً كبيراً في ما يخص إمكانية تفشي الفيروس كما تحدّ من إمكانية الالتزام بالإجراءات الوقائية للحدّ من تفشي الفيروس كالتباعد الاجتماعي، علماً أنّ سبعين في المائة من سكان القطاع هم من اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى وكالة "أونروا"، ويعتمدون بشكل كبير عليها وعلى شركائها، ولا سيما بعد الحصار، في توفير الغذاء والماء والمأوى والرعاية الصحية والتعليم وحتى الوظائف للسكان الذين هم في أشدّ الحاجة إليها.
ويشير التقرير إلى أنّه حتى الخامس من الشهر الجاري، جرى تسجيل أكثر من 800 إصابة للفيروس بشكل محلي رسمياً، من أصل أكثر من 3500 إصابة، بما فيها خمس وفيات، أغلبها بدأ مع إصابة الزائرين أو العائدين إلى القطاع من الخارج. وعلاوة على الصدمة الصحية، يتوقع أن تحول الصدمة الاقتصادية وتبعاتها دون حصول كثيرين في القطاع على الإمدادات الحيوية والخدمات الأساسية. ويتابع أنّ هناك فقط 78 سريراً للعناية المركزة، جميعها قيد الاستخدام حالياً. كذلك، يذكر أنّ السلطات المحلية في غزة كما منظمات المجتمع المدني و"أونروا" اتخذت عدداً من التدابير في الأشهر الأولى عندما بدأ الفيروس بالانتشار، مما ساعد على الحدّ من انتشاره. لكن، مع فتح المدارس والعودة إلى ممارسة الحياة "الطبيعية"، فإنّ القطاع يشهد في الأسابيع الأخيرة زيادة في انتشار الإصابات المحلية وينذر بخطر كبير.
وبحسب التقرير، فإنّ الأعباء الاقتصادية على الشركات الصغيرة كانت كبيرة خصوصاً في الأشهر الأولى لانتشار الفيروس والإغلاق العام. ويشير التقرير إلى أنّه وفقاً لرئيس الاتحاد العام لنقابات العمال في غزة، فقد نحو 4 آلاف شخص في غزة وظائفهم بين منتصف مارس/ آذار ومنتصف يوليو/ تموز الماضيين. كذلك، أغلق 50 مصنعاً على الأقل أبوابه، وشهد أكثر من 10 آلاف سائق سيارة أجرة انخفاضاً كبيراً في دخلهم. وزاد الوباء وتبعاته الاقتصادية العبء على العائلات الفقيرة ودفع نسبة أخرى من الغزيين إلى الفقر، لتزيد نسبة الفقر عشرة في المائة عما كانت عليه أساساً بحسب البنك الدولي. ويلفت إلى أنّ معدلات الفقر في غزة تصل حالياً إلى أكثر من 80 في المائة من بين سكان القطاع مقارنة بـ 39 في المائة عام 2011. وحتى الذين يعملون في القطاع الخاص فإنّهم بغالبيتهم يحصلون على أقل من خمسين في المائة من الحد الأدنى للأجور. كما تقدر معدلات البطالة بخمسين في المائة بين سكان القطاع وسبعين في المائة بين الشباب بحسب إحصائيات 2019. وأدت أزمة الرواتب وعدم دفع السلطة لرواتب الموظفين في القطاع إلى تفاقم الوضع.
ويورد التقرير عدداً من الإحصائيات المخيفة حول تفشي الفقر والمعاناة في غزة والتي يعود أغلبها لما بعد الحصار الإسرائيلي البري والبحري والجوي على القطاع، كما استمرار إغلاق مصر حدودها، مع بعض الاستثناءات. وحول الإغلاق تحسباً من انتشار كورونا في الأشهر الأولى وتأثيره على التعليم، يلفت التقرير إلى عدد من القضايا وهي أنّ بقاء المدارس والجامعات مغلقة لعدة أشهر بسبب كورونا وانقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة تصل إلى عشرين ساعة في اليوم أحياناً، جعلا إمكانية ممارسة التعليم الافتراضي صعبة، إن لم تكن مستحيلة، إذ يصعب الوصول إلى الإنترنت في ظل انقطاع الكهرباء المستمر. وكلّ هذا زاد من الضغط على البنية التحتية في غزة وأدى إلى عدم دفع طلاب جامعيين أقساط التعليم، ما أدى بدوره إلى نسبة عالية من التسرب بين طلاب الجامعات وصلت إلى ثلاثين في المائة في جامعة "غزة"، ما أدى إلى عجز الجامعة عن دفع رواتب الموظفين أو في الأحسن الأحوال اضطرت إلى تخفيضها، كما لم يحصل بعض معلمي المدارس على رواتبهم خلال الأشهر الستة الماضية بسبب نقص في التمويل كذلك.
ولاحظ التقرير زيادة ملحوظة في المشاكل الاجتماعية، ومن بينها العنف عموماً والعنف الجندري والأسري خصوصاً، فضلاً عن زيادة في حالات الاكتئاب وتعاطي المخدرات وزيادة في حالات الانتحار بحسب تقارير لعاملين في المجال الإنساني في القطاع. ويزيد النقص الحاد في التمويل من قبل المانحين لصناديق الصحة النفسية والدعم الاجتماعي من المعاناة، على الرغم من الحاجة الماسة إليها. ومولت الدول المانحة فقط عشرة في المائة من الصندوق المخصص للاستجابة للصحة النفسية في الضفة وغزة، والذي تصل ميزانيته إلى قرابة ستة ملايين دولار.
ويتوقف التقرير كذلك عند التبعات الصحية والاقتصادية للحصار المفروض على قطاع غزة منذ 13 عاماً. وقد ساهم نقص التمويل والحروب التي شنت على غزة في إنهاك البنية التحتية الطبية، ونقص الأدوية والمعدات والإمدادات والموظفين. ويشير كذلك إلى إغلاق عدد من العيادات والمستشفيات عام 2018، بسبب نقص في التمويل وانقطاع مستمر للكهرباء. كذلك، زاد القرار الأميركي بقطع التمويل عن "أونروا" من معاناة أهل غزة، وإضعاف نظام الرعاية الصحية حتى قبل تفشي الوباء. كما أدى الحصار والحروب إلى نزوح أعداد كبيرة من الأطباء. أما الذين بقوا فإنّ أعداداً كبيرة منهم تفتقر إلى فرص التخصص والتطور في اختصاصهم، ومواكبة الأبحاث والاختراعات الأخيرة.
ويقدم التقرير عدداً من التوصيات أهمها أن تعود السلطات في غزة لفرض وتطبيق متطلبات الصحة المتعلقة بمكافحة انتشار الوباء، بما فيها الحفاظ على التباعد الجسدي ووضع الأقنعة وغيرها. كما يؤكد على ضرورة زيادة المساعدات الطبية من منظمات إنسانية ومنظمة الصحة العالمية، وتوفير عدد إضافي من أجهزة التنفس الاصطناعي ومعدات الوقاية كالكمامات وغيرها. كما ينصح التقرير بتسهيل الحركة من القطاع وإليه. ويؤكد على ضرورة أن تقدم الدول الأوروبية والخليجية ودول أخرى غنية دعماً لـ"أونروا" وغيرها من المنظمات الإنسانية قبل أن يشهد القطاع انهياراً تاماً.