بعد إعلان نتائج الثانوية العامة في جميع الأراضي الفلسطينية في 11 يوليو/ تموز الماضي، بدأ المتفوقون في اختيار التخصصات العلمية والطبية والتقنية التي يرغبون بدراستها، وكان توجه الغالبية نحو كلية الطب، وهي من أكثر التخصصات التي يحتاج إليها المجتمع الغزي. وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة للعائلات، تضاف إليها أزمة كورونا، تبدو أحلام الطلاب مهددة.
يتطلّب التسجيل في كلية الطب هذا العام نحو ثلاثة آلاف دولار في الفصل الأول، ما دفع العائلات الفقيرة إلى مناشدة المعنيين، فيما ينتظر آخرون الإعلان عن منح. لكن في ظل تفشي فيروس كورونا، يسيطر القلق على الأهالي، وهم على يقين من أن أولويات الدول المانحة قد تغيّرت.
تُفيد بيانات وزارة التربية والتعليم العالي في غزة بأن معدلات نحو ألفي طالب تجاوزت التسعين في المائة، ويرغب ربعهم في الالتحاق بكليات الطب من خلال الحصول على منح. في المقابل، لم تعلن أي من الدول العربية أو غيرها من الدول الأجنبية عن أي منح دراسية للتخصصات الطبية موجهة إلى طلاب غزة.
في ما يتعلق بالواقع الطبي، يقول مدير عام مستشفيات قطاع غزة في وزارة الصحة عبد اللطيف الحاج، لـ"العربي الجديد"، إن "قطاع غزة يحتاج إلى أطباء بمختلف التخصصات، في ظل النقص الكبير في الكوادر الطبية وارتفاع التعداد السكاني في محافظات قطاع غزة".
في هذا السياق، يقول إياد أبو زبيدة، وهو والد ريهام، وهي من الطالبات المتفوقات والحاصلة على معدل 99.3 في المائة في الفرع العلمي، والتي احتلّت المركز الثاني في محافظة رفح، إنها تستحق أن تحصل على منحة في كلية الطب في غزة بعد كل هذا الجهد الذي بذلته.
يضيف: "تريد أن تحقق حلمها وتصير طبيبة. لا يعقل أن يحصل الأشخاص الذين كانت معدّلاتهم أقل منها على منح في وقت أنها تنتظر رحمة الله للحصول على منحة. للمرة العاشرة، أناشد المسؤولين وأصحاب القرار بإعطاء ابنتي ريهام حقها في منحة في كلية الطب في غزة. إنّه لأمر مؤلم أن أرى ابنتي تبكي أمامي فيما أنا عاجز عن تحقيق ما تصبو إليه".
لاقى أبو زبيدة تعاطفاً كبيراً من الغزيين، وما زال ينتظر الفرج لأن ظروفه الاقتصادية لا تسمح له بتوفير حتى الرسوم الجامعية في كليات أخرى غير الطب. الأمر نفسه ينسحب على أحمد خضر، الحاصل على معدل 98.4 في المائة. وعلى مدى يومين، فرح خضر بتهاني الأقارب والجيران والهدايا التي حصل عليها. أما اليوم، فيعيش صراعاً نفسياً وقلقاً كبيراً.
والد خضر عاطل من العمل منذ عامين، وقد احتاج ابنه لدروس خصوصية في الرياضيات، لكنّه لم يستطع تأمين نحو 13 دولاراً أميركياً لخمس حصص. ومنذ كان طفلاً، يرغب خضر في أن يصير طبيب أمراض جلدية لأن والدته تعاني من مرض الصدفية منذ عشر سنوات.
ويقول خضر لـ"العربي الجديد": "ما زال لدي أمل بالحصول على منحة للدراسة في الخارج أو في غزة. لكن المشكلة للأسف هي كيفية تأمين الرسوم الجامعية. ماذا عن المصاريف الجامعية الأخرى والكتب وغيرها؟ هناك معوقات أكبر من صبرنا وتحملنا وساعات الدراسة المتواصلة التي نقضيها".
وتُقدّم الجامعات امتيازات للطلاب المتفوقين والمقبلين على دراسة الطب. مثلاً، تتولى الجامعة الإسلامية دفع رسوم الفصل الأول من التسجيل من خلال تأمين منحة 50 في المائة للطالب إذا كان حافظاً للقرآن، أو منحة إخوة ما بين 15 و30 في المائة بحسب عدد الإخوة المسجلين في الجامعة نفسها. وفي حال حصول الطالب على امتياز بتقدير 90 في المائة، يحصل على منحة امتياز بنسبة 35 في المائة، بينما تكتفي الجامعات الأخرى بتقديم منحة الإخوة والامتياز فقط.
حصلت الطالبة إيمان الدباغ على معدل 96 في المائة، وترى أن الجامعات التي لديها كليات الطب، وهي ثلاث في قطاع غزة، لا تقدم منحاً جيدة تلائم الظروف العامة، وتقول: "صُدمتُ عندما توجهت إلى ثلاث جامعات للبحث عما إذا كانت هناك بعض الامتيازات. وتشترط الجامعات الثلاث دفع قسط أول فصل بالكامل، ويمكن التقسيط في وقت لاحق".