وسادت حالة من الفوضى والتراشق بالتهم بين الكتل البرلمانية بعد أن أعاد البرلمان التصويت على فصول صادق عليها سابقا تفرض على البنوك والشركات البترولية مؤسسات الاتصالات والتأمين دفع مساهمة استثنائية من أرباحهم في حدود 1% لمصلحة صناديق المعاشات المهددة بالإفلاس.
كما تم أمس الإثنين، إضافة فصل جديد لقانون المالية 2019 يقضي بتأجيل الانطلاق في العمل بالفصل الرابع من قانون المالية لسنة 2018 إلى سنة 2020، والذي يفرض ضريبة قدرها 35% على الشركات المصدرة والمساحات الكبرى ووكلاء السيارات.
وعدت حكومة تونس منذ الشروع في إعداد قانون المالية بأن تكون سنة 2019 مخففة من كل أنواع الضرائب، وهو ما التزمت به قبل أن تتدخل كتل برلمانية بإضافة فصول جديدة فرضت مساهمات جبائية، قالت إنها ستساعد صناديق المعاشات وخزينة الدولة على ترميم عجزها المالي، ليعود البرلمان لإسقاط هذه الفصول بتدخل من الحكومة بعد أقل من 24 ساعة من التصديق عليها.
وعلى إثر مصادقة مجلس نواب الشعب ليلة الأحد على مقترح تعديل وفصل إضافي يتعلق بتوظيف ضريبة بنسبة 1% على أرباح البنوك وشركات التأمين والشركات العاملة في مجال النفط والمحروقات والاتصالات لمصلحة الصناديق الاجتماعية ابتداء من أول يناير/كانون الثاني 2019 والسنوات التالية، تقدم وزير المالية رضا شلغوم الإثنين بمقترح إلغاء هذا الفصل وتأجيل تطبيقه إلى سنة 2020.
وقال عضو البرلمان عن حركة الشعب والكتلة الديمقراطية زهير المغزاوي، إن المعارضة في البرلمان عجزت عن الدفاع عن مصالح الشعب، وعليه أن يخرج إلى الشارع للدفاع عن نفسه من حكومة تحمي مصالح رجال الأعمال على حساب الضعفاء والمواطنين.
وأكد المغزاوي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن كتل المعارضة قدمت حلولا مجدية لحل أزمة الصناديق الاجتماعية وضمان حقوق المتقاعدين، غير أن الحكومة وحزامها البرلماني اختارا حماية رأس المال ورجال الأعمال على حساب عموم الشعب، وفق قوله.
في المقابل، أكد عضو البرلمان ووزير المالية السابق سليم بسباس صعوبة تطبيق الضريبة التي اقترحت المعارضة البرلمانية فرضها على البنوك والشركات النفطية وشركات الاتصالات والتأمين، مشيرا إلى أن من اقترحوا وصادقوا على هذا الفصل لم يقوموا بدراسة جدوى مسبقة لهذا الفصل.
وأكد بسباس في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه من الصعب تطبيق فصول جبائية من دون دراسة، مضيفا أن أليات التطبيق تحتاج إلى دراسة موسعة واستشارة هياكل مهنية لتحديد القطاعات المؤهلة لتمويل عجز الصناديق الاجتماعية.
ووافق البرلمان التونسي مساء أمس الإثنين على ميزانية 2019 التي لن تفرض ضرائب جديدة على المواطنين وستخفض العبء الضريبي لبعض القطاعات، وذلك بعد سنوات من زيادات ضريبية أثارت غضبا شعبيا وفي بعض الأحيان احتجاجات عنيفة.
وتتوقع الموازنة التي جرى إقرارها بموافقة 133 صوتا من أصل 217 صوتا انخفاض العجز إلى 3.9 % من الناتج المحلي الإجمالي في 2019، مقارنة مع عجز متوقع هذا العام نسبته نحو خمسة في المائة.
ولا يحجب التزام الحكومة بعدم فرض ضرائب جديدة حالة الغضب الشعبي التي تتأجج في تونس بسبب ارتفاع الأسعار وعجز الحكومة عن تقديم حلول لمشاكل العاطلين عن العمل ونقص التنمية في المحافظات الداخلية، فضلا عن تأزم الوضع مع النقابات العمالية نتيجة قرار تجميد الأجور.
ويقول خبراء في الاقتصاد إن تونس قد تسير نحو شتاء احتجاجي ساخن بدأت مؤشراته تظهر مع أزمة مدرسي الثانوي الذي أوقفوا الدروس ودخلوا في اعتصامات مفتوحة بعد تنصل الحكومة من وعد سابق بتحسين أجورهم وظروف العمل، فضلا عن تشكل حركات احتجاجية تحت عنوان السترات الحمراء اقتداء بالسترات الصفراء في فرنسا.
السترات الحمراء
بموازاة ذلك، أعلنت حركة شبابية إطلاق حملة "السترات الحمراء"، كحركة احتجاج سلمية للمطالبة بالتغيير على غرار حملة السترات الصفراء في فرنسا.
وأصدر نشطاء "السترات الحمراء" بيانا نشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي اليوم، للإعلان رسميا عن إطلاق الحملة على طريقة السترات الصفراء في فرنسا، والشروع في تأسيس تنسيقيات محلية للحملة في الجهات.
وتأتي هذه الخطوة، وفقا للنشطاء، ردا على "الفشل والفساد وغلاء المعيشة والبطالة وسوء الإدارة والهيمنة على مفاصل الدولة واستمرار سياسات التفقير الممنهج".
وجاء في البيان "نعلن اليوم رسميا، نحن مجموعة من الشباب التونسي، تأسيس حملة السترات الحمراء لإنقاذ تونس في ظل غياب المصداقية والتصور وضبابية الرؤية لدى الطبقة السياسية الحالية، وتعمق الهوة بينها وبين الشعب التونسي- علي حد تعبيرهم.
وأوضح البيان أن حركة "السترات الحمراء" هي استمرارية لنضال الشعب التونسي وخطوة لاستعادة التونسيين لكرامتهم وحقهم في العيش الكريم الذي سلب منهم، مؤكدة "التزامها بالاحتجاج المدني السلمي في التعبير عن الرأي ورفض الواقع السائد".