وبدا الركود وانكماش السيولة بحديهما الأقصى، بعد تراجع القدرة الشرائية وتوجه أغلب الإنفاق الاستهلاكي للمواد الغذائية، والذي سيزيد خلال شهر الصوم، بعد ارتفاع الأسعار نحو 35%، وتراجع سعر صرف الليرة إلى نحو 1300 ليرة للدولار، ما أوصل تكاليف المعيشة لأسرة مكونة من خمسة أفراد، ووفق دراسة من دمشق، لنحو 600 ألف ليرة، في حين أن متوسط الرواتب والأجور، لا يزيد عن 50 ألف ليرة.
يبدو أننا عدنا لمؤشرات الاقتصاد بدولة منفلتة تفتقر إلى أية ضوابط أو حتى مؤشرات جديّة، يمكن الركون إليها لاستشفاف قدرة السوريين على العيش أو التنبؤ بانهيار نظام الأسد من بوابة الأسواق، لذا سنأتي على مؤشر ومثال، ربما فيه ومنه ما يختصر ويوضح الحال لمن يسعى لمعرفة حال "الدولة" بسورية وإلى أي مستوى وصل الفساد وملامح الانهيار.
يقول الخبر، تم تفريغ حمولة خمسة آلاف طن من البطاطا قبل أسبوعين من ميناء طرطوس الساحلي، ودخولها الأسواق السورية، رغم مخالفتها للمواصفات ووصولها مرحلة التعفن.
وتتمة الخبر، أن اتحاد فلاحي طرطوس والجهات المحلية، فوجئوا بتفريع كمية الخمسة آلاف طن من البطاطا في المرفأ، وذلك بعد ورودها منذ 31 مارس/آذار، ورفض تفريغها، لأنها مخالفة لقرار اللجنة الاقتصادية، ورفض مؤسسة "السورية للتجارة" الكمية بشكل نهائي، بعد مصادرة تأمينات المورّد ورفعت دعوى قضائية عليه واتخاذ جميع الإجراءات القانونية لتحصيل حقوقها.
ربما، ليس من المنطق، بدولة كما سورية الأسد، البحث بمصير البطاطا أو صحة من استهلكها، لأنه وببالغ الوجع، استمرأ تجار الحرب بدولة "البطاطا" استيراد سلع مخالفة واستغلال فقر وحاجة السوريين، حتى للبقاء على قيد الحياة وإن استهلكوا مواد منتهية الصلاحية أو متعفنة أو حتى مسرطنة.
بل الأجدى البحث في أمرين، الأول كيف وصلت سورية التي كانت تنتج نحو 700 ألف طن بطاطا، إلى الاستيراد بعد أن وصل سعر الكيلو إلى ألف ليرة، وبالتالي، كيف بدّل نظام الأسد، عبر الأب والابن، من ملامح سورية الزراعية، بعد أن كانت الحرفة الأولى للسكان، وتشكل مصدر دخل لحوالي مليون عامل من أصل خمسة ملايين، وهم حجم القوى العاملة في القطاعين العام والخاص، ويشكل العاملون في الزراعة 17% من إجمالي القوى العاملة، وتشكل الزراعة 25% من الناتج المحلي الإجمالي المسجّل 60 مليار دولار العام 2010.
والأمر الثاني، ما هو السر بأن تستورد سورية الأسد بطاطا من مصر السيسي، وتهرب بالوقت نفسه البطاطا السورية إلى لبنان، ومن يقوم بهندسة هذه المعادلة الرابحة؟!
نهاية القول: مرة أخرى، من العبثية ربما، البحث في أسباب الفساد وآلياته ورجاله، بدولة تنافس منذ أعوام، بل وتصدرت المركز قبل الأخير هذا العام، في قائمة التقرير السنوي لمؤشرات "مدركات الفساد" الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية، والذي يرصد حالتي الشفافية والفساد، في 180 دولة حول العالم.
كما من الترف، التحليل بعلمية لأي مؤشر اقتصادي ببلد يزيد استهلاك شعبه 12 ضعفاً عن دخلهم، سوى التسليم بقدرات السوريين الذين يعيشون أقسى ظروف العيش، على أمل انهيار "دولة البطاطا" الذي بدأت ملامحه بالتجلي والظهور.