يتابع مئات السجناء في تونس، للسنة الرابعة أفلام "أيام قرطاج السينمائية" في دورتها التاسعة والعشرين، حيث وافق عدد من المخرجين العرب والتونسيين على عرض أعمالهم خلف القضبان ليكون السجناء أول المتفرجين والناقدين عبر أسئلة خلال النقاشات التي تلي العروض.
كان "العربي الجديد" في زيارة إلى "سجن مرناق" بالضاحية الجنوبية للعاصمة التونسية، كانت الساعة تشير إلى السابعة مساء، وعند الباب الخارجي كانت عشرات العائلات تنتظر انتهاء الإجراءات الإدارية لخروج أبنائها وأقربائها ممن أفرج عنهم القضاء.
بمجرد المرور من الباب الرئيسي للسجن، ظهرت سجادة حمراء فرشت لاستقبال المخرجين والممثلين، كما زينت قاعة كبيرة لاحتضان العروض، وامتلأت المقاعد بنحو مائتين من المسجونين. بدت الأجواء شبيهة إلى حد كبير بقاعات السينما العادية، وقبل بدء العروض تم التأكد من سلامة أجهزة الصوت والصورة.
وتأتي هذه العروض التي يتم تنظيمها في 6 سجون تونسية، ضمن مبادرة مشتركة بين وزارة العدل التونسية والمنظمة الدولية لمناهضة التعذيب وإدارة أيام قرطاج السينمائية.
وقال السجين عمر لـ"العربي الجديد"، إن "هذه المبادرة أسعدتنا كثيرا، وهي خطوة هامة من إدارة السجن مكنتنا من متابعة ما يحصل في العالم الخارجي، ومن شأن هذه العروض أن تساعد السجين على الاندماج في المجتمع، فضلا عن الاطلاع على حضارات وثقافات أخرى، ومراجعة بعض الأخطاء التي ارتكبها وقادته إلى السجن".
قضى عمر 14 شهرا في سجن مرناق عقابا على اختلاسه أموالا من مصرف كان يعمل به، وهو يؤكد أنه تعلم الكثير من تجربته، خاصة أنه لم يتخيل يوما أن ينتهي به المطاف وراء القضبان. "السجن يضم جميع الفئات، وعلى المرء أن يكون حذرا في التعامل مع المحيطين، ولولا دعم العائلة لكانت التجربة أكثر قسوة".
وأشار إلى أن ما يخفف عنه وطأة السجن هو وجود أنشطة ترفيهية، حيث يوجد ناد للرسم والمسرح والموسيقى، "الأشخاص الذين يمتلكون مواهب تمكنهم تنميتها، وفي السجن سجناء مغرمون بالغناء، وآخرون بالأنشطة الرياضية، والكل يحاول استغلال أوقات الفراغ في نشاط ما".
وأكد السجين طارق الذي قاده حادث سير مميت إلى السجن، أن "المبادرة مهمة للسجناء، إذ تمنحهم فرصة لمواكبة الأفلام التي تعرض خارج السجن"، مضيفا لـ"العربي الجديد"، أن "السينما ثقافة وأفكار، وبقطع النظر عن محتوى الفيلم الذي عرض اليوم، إلا أنها كانت فرصة ليستمتع السجناء بالعرض، وبفسحة من الحرية ترفه عنهم وتخفف عبء السجن".
وقال إن محتوى الفيلم الذي شاهده مقبول، رغم أنه لم ينل إعجاب كثير من السجناء، إما لعدم فهمهم لهجة أبطاله، أو لأنه كان يدور داخل مقبرة، "كانوا يأملون مشاهدة فيلم تونسي اليوم بعد أن أعجبهم فيلم (في عينيا) لنجيب بلقاضي".
وأكد مدير سجن مرناق، العقيد صلاح الدين البدروني، لـ"العربي الجديد"، أنّه بالتوازي مع عروض أيام قرطاج السينمائية، فإن السجن احتضن للعام الثالث على التوالي عرضا سينمائيا لمخرجة جزائرية، مبينا أن الهدف من المبادرة هو "تمكين السجين التونسي من حقه في الثقافة والسينما، وإدماجه في المجتمع ليكون عنصرا صالحا".
وأكد أن أغلب السجناء سعداء بهذه المبادرة، وعبروا عن رغبتهم في حضور العروض، وسيتم أيضا تسجيل الأفلام لعرضها عبر الشبكة الداخلية داخل الغرف لمن فاته العرض.
وقالت منسقة برامج المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، يُعاد بن رجب، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المبادرة مهمة لنزلاء السجون التونسية، فنحن نعول على تغيير العقليات بالثقافة والسينما إيمانا بأهمية الثقافة وقدرتها على إحداث تأثير. العروض عادة تكون ساعة أو ساعتين، إلا أنها تمثل هامشا من الحرية للسجين، وعادة يسافر بخياله إلى العالم الخارجي رغم بقائه خلف الأسوار. إنها فسحة من الأمل".
وبينت أهمية أن يعبر السجين عن رأيه ويتحاور مع أشخاص من خارج السجن، ويناقش الممثل أو المخرج لتكون المبادرة مساحة للنقاش الحر، "الأفلام عادة يتم اختيارها بحسب الموضوع الذي تطرحه والقيم التي تروج لها، وهي مسائل يتم التأكيد عليها خلال النقاش".