وخلال مؤتمر صحافي عقد في أديس أبابا مساء أول من أمس الأربعاء، وصف وزير المياه الإثيوبي سيلشي بيكيلي المقترح المصري بأنه "غير مناسب"، قائلاً إن مصر تقدمت بالاقتراح من وجهة نظر واحدة، ولم تأخذ بعين الاعتبار الاتفاقيات السابقة، معلناً رفضه أن يسيطر الخبراء المصريون على سدّ النهضة.
ووفقاً للرؤية الإثيوبية المعلنة، فإن المرحلة الأولى من المراحل الخمس لملء السد ستستغرق عامين، وفي نهاية المطاف سيتم ملء خزان السد في إثيوبيا إلى 595 متراً، وستصبح جميع توربينات الطاقة الكهرومائية في السدّ جاهزة للعمل.وإذا تحقق ذلك، فإن منسوب المياه في بحيرة ناصر جنوب السدّ العالي سوف يتناقص بشكل كبير، خصوصاً إذا انخفض منسوب الفيضان في العامين المقبلين، ليقل عن مستوى 170 متراً. ويعني ذلك خسارة 12 ألف فدان من الأراضي القابلة للزراعة في الدلتا والصعيد كمرحلة أولى، من إجمالي 200 ألف فدان تتوقع وزارة الموارد المائية والري المصرية خروجها نتيجة المدة الإجمالية للملء.
وقالت مصادر دبلوماسية لـ"العربي الجديد" إن استباق إثيوبيا جولة التفاوض المقبلة المقررة نهاية الشهر الحالي في السودان بتصريحات وزير المياه الأخيرة يعتبر محاولةً مبكرة لإجهاضها.
وكشفت المصادر أن الوفد الإثيوبي خلال جولة المفاوضات الأخيرة التي عقدت في أحد الفنادق الكبرى في مدينة نصر شرق القاهرة كان واضحاً وصريحاً من البداية في رفض المقترحين المصريين. وبحسب المصادر، فإن الرهان هو على أن مصر لن تستطيع وقف العمل بالسد، موضحة أن "هناك بعض الاستفزازات اللفظية صدرت من الجانب الإثيوبي، فضلاً عن إهدار الوقت، وخروج بعض أعضاء الوفد من الاجتماعات مراراً لأسباب واهية، وبحجة التواصل مع أديس أبابا، ما أدى إلى إفقاد المفاوضات جديتها المفترضة".
وأضافت المصادر أنه على الرغم من التشاؤم المصري، فإن القاهرة استطاعت استمالة الخرطوم لرأيها بضرورة عقد اجتماع عاجل للمجموعة العلمية المستقلة في الخرطوم خلال الفترة من 30 سبتمبر/ أيلول الحالي إلى 3 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، لبحث المقترح المصري لقواعد ملء وتشغيل سدّ النهضة، وكذلك مقترحات إثيوبيا والسودان، على أن يعقبه مباشرة اجتماع لوزراء المياه في الدول الثلاث يومي 4 و5 من الشهر المقبل.
وسبق أن كشفت المصادر لـ"العربي الجديد" سعي مصر إلى إعادة تفعيل ما يسمى بـ"المجموعة الوطنية المستقلة للدراسات العلمية" التي شكلت بصورة سرية من 15 عضواً، بواقع خمسة ممثلين لكل دولة، لتقديم تقرير جديد يتضمن توصيات علمية لتقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث حول عملية ملء الخزان، واستغلال الموارد المائية المشتركة في تنمية الدول الثلاث وفق معايير عادلة، والتأكد من عدم انعكاس عملية ملء الخزان بالضرر على أي طرف. يذكر أنه لم يتم حتى الآن البت في الملاحظات التي أبدتها الدول الثلاث على توضيحات الاستشاري الفرنسي في تقريره بشأن الآثار الاجتماعية والاقتصادية على دولتي المصب.
وبحسب المصادر، فإنه لا يمكن الرهان على المخرجات الخاصة بهذه المجموعة لإيقاف التقدم الإنشائي الإثيوبي، ولكن مصر ترغب في الحصول على تقارير فنية وعلمية متماسكة يمكن استخدامها في الترويج الدبلوماسي الذي تقوم به الخارجية المصرية حالياً لانتزاع تعاطف أوروبي مع قضيتها، وللضغط على إثيوبيا لإبداء مزيدٍ من المرونة.
وأشارت المصادر إلى أن الدول الغربية التي دُعي سفراؤها إلى اجتماع مع مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون الأفريقية حمدي لوزا الأسبوع الماضي لإطلاعهم على موقف المفاوضات المتعثر "لم تبد حتى الآن مواقف واضحة بشأن الضغط على أديس أبابا". ولبعض الدول، مثل إيطاليا وفرنسا، مصالح مباشرة في استمرار العمل بوتيرة متسارعة في السدّ بمشاركة بعض مستثمريها، بينما تنظر دول أخرى إلى إثيوبيا كدولة واعدة بنظام سياسي حديث يمكن الرهان عليه والتعاون معه والاستثمار فيه.
وذكرت المصادر أنه لا توجد في الأفق أي بادرة للقاء حاسم بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، نظراً لاتساع الفجوة بين الواقع العملي والتصريحات التي يدلي بها الأخير في المناسبات المختلفة. وبحسب المصادر، فإن "خبراء الري يرون أن المعالجة السياسية للقضية منذ توقيع الاتفاق الثلاثي في مارس/ آذار 2015 لا تسير بشكل صحيح، لأنها تركز على الخطابات الدعائية، لا على الأرقام والإحصائيات"، وأن حل القضية حالياً يتطلب "تغييراً جذرياً في سياسة مصر" ويتطلب أيضاً "حلاً سياسياً بالدرجة الأولى".
وفي الآونة الأخيرة، عبّرت مصر عن تفاقم مخاوفها بسبب عدم التوصل إلى حل بعد سنوات من التفاوض، واعترف الرئيس المصري خلال المؤتمر الثامن للشباب الذي عُقد يوم السبت الماضي بصعوبة الموقف، ملقياً باللائمة على ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011 بأنها تسببت في إسراع إثيوبيا في إنشاء السد.
وكان السيسي قد صرح مطلع عام 2018 بأنه "لم تكن هناك أزمة من الأساس حول سدّ النهضة"، بعد اجتماع في أديس أبابا مع نظيره السوداني عمر البشير ورئيس الوزراء الإثيوبي السابق هايله ميريام ديسالين، على هامش حضورهم قمة الاتحاد الأفريقي. وخالف السيسي بذلك كل التصريحات الرسمية المصرية التي أبدى فيها المسؤولون قلقهم وغضبهم من انسداد المسار التفاوضي، وميل الخرطوم إلى مواقف أديس أبابا، وعدم مراعاتهما المخاوف المصرية من تفاقم الفقر المائي. لكن الحكومة المصرية عادت الشهر الماضي لتعرب عن مخاوفها من إطالة فترة التفاوض بحجة عدم الاستقرار السياسي في السودان.