13 نوفمبر 2024
سر النساء العظيم
في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، تعرّضَت للاعتقال بتهمة محاولة طعن جندي إسرائيلي. لم يكن أمر الاعتقال بالنسبة لها مؤلماً، لأنها قرّرت أن تسير في طريق النضال من أجل الوطن الذي تحوّل غرفة صغيرة متهالكة في واحدٍ من بيوت المخيم. ولكن ما كان يؤلمها، حسب اعترافاتها بعد قضاء مدة محكوميتها، أنها كانت تطلب من والدها وسائل الحماية النسائية، وهو الوحيد الذي كان يُسمح له بزيارتها في السجن، لأنها بلا أمّ. وقالت في ألم ممضض: لم أطلب منه هذا الطلب، وأنا خارج السجن، فقد كنت أجيد الاعتناء بنفسي جيداً منذ صغري. ولكن، حين أصبحت معتقلةً أصبح الحصول على وسيلة حمايتي الشهرية صعباً، فسرّي وسر بنات جنسي لا يعترف بظروف السجن وقلة الإمكانيات، ولا يهادننا أمام ذلّ السجان ومساوماته على أقل حقوقنا كنساء.
عاد هذا الاعتراف إلى ذاكرتي مع متابعة تقرير جريء نشرته صحافية فلسطينية عن معاناة الأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال، بسبب تعمّد إدارة السجن عدم توفير وسائل الحماية المناسبة لهن، في تلك الأيام الصعبة عليهن من الناحيتين، الجسمية والفسيولوجية. وقد ذكرت معدّة التقرير أن المعتقلات يتعرّضن للذل والسخرية في مقابل توفير وسائل الأمن والحماية، كما أن السجّان يتعمّد إجراء التحقيقات القاسية وانتزاع الاعترافات منهن في تلك الأيام، وهي الفترة التي تكون فيها المرأة في أضعف حالاتها، وتعاني من الاضطرابات الهرمونية التي تؤثر حتى على قراراتها وسلوكها في الأيام العادية، فكيف وهي تقع تحت رحمة سجّان، وتذوق عذابات المعتقل ما بين التنقل المؤلم والمرهق بين السجون والمحاكم، وبين العيش داخل الزنزانة، والدخول إلى غرف التحقيق والوقوف أمام المحققين، وفي وضع مزرٍ، تحاول فيه إخفاء علامات سرها الأعظم الذي أخفته، حياءً وخجلاً، عن والدها، وربما أخفته عن أمها ذات يوم، حين فاجأها أول مرة، وبدّلت ثيابها مرة بعد مرة، من دون أن تعرف ما أصابها، حتى نفدت ملابسها، ولم يعد لديها ملابس نظيفة، فباحت بسرها لأمها التي احتضنتها بفرح، ونقلت البشرى خلسةً وهمساً للأب أن ابنته قد بلغت مبلغ النساء، وأن أبناء العمّ سيدقّون بابها، بعد أن طاب ثمرها وأينع عودها.
للأسف، في السجون ومخيمات اللجوء حول العالم، وحيث تُمارس أبشع الانتهاكات بحق الإنسانية، يُنتهك هذا الحق بالنسبة للمعتقلات؛ فالوظائف البيولوجية لا تعترف بالسجن، وعدم توفر الاستعدادات لمجابهتها، ولا تحابيها فتتأخر أو تتأجل. ولذلك يقعن ما بين الحرج والألم، ما حدا ببعض المؤسسات الإغاثية الإنسانية إلى التنبّه لهذا الحق المسلوب من المعتقلات واللاجئات والمشرّدات في جميع أنحاء العالم، وضرورة التبرّع لتوفير ما يحتجنه من وسائل حماية ورعاية، وتوفير الأمن النفسي لهن، بتوفير متطلبات هذه الأيام التي لا تتجاوز السبعة أيام في أقصى حالاتها، لكنها تترك أثرها النفسي على المرأة طوال الشهر، وينعكس على سلوكها وتصرّفها مع مَن حولها، فأصبح عادياً أن تقرأ لافتاتٍ معلقة في الحافلات العامة في بريطانيا تطالب بالتبرع لشراء "المناديل الصحية" للنساء من ضحايا الحروب. فيما أكدت زيارات ميدانية لمخيم الزعتري عدم توفر هذا المنتج للنساء، من ضمن التبرعات التي تصل من المؤسسات الإغاثية، في حين أنهن لا يملكن المال لشراء العبوات الجاهزة، ويستبدلنها بالطرق التقليدية التي تلحق بهن الضرر الجسمي والنفسي.
هذه الأيام الحرجة من حياة النساء والفتيات حدت بشركة بريطانية، مقرّها بريستول، لتفعيل "إجازة الدورة الشهرية"، والتي سُمح بمقتضاها للمرأة العاملة في الشركة بالعودة إلى المنزل، ولكن ليس على سبيل الإجازة المرضية، ولكن مراعاة لحالة الخمول والوهن التي تصيب المرأة في تلك الفترة. وليست هذه الشركة هي السباقة في هذا المجال، فقد سبقتها دول أخرى (اليابان مثلاً). وسبقها الإسلام بقرون، فأولى العناية بالمرأة والترفّق بها في هذه الفترة، إلى درجة أن الشرع أقرّ عدم وقوع الطلاق في حال حيض المرأة، لأن الحالة النفسية للزوجين تتأثر وتتزعزع، بسبب سر النساء العظيم.
عاد هذا الاعتراف إلى ذاكرتي مع متابعة تقرير جريء نشرته صحافية فلسطينية عن معاناة الأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال، بسبب تعمّد إدارة السجن عدم توفير وسائل الحماية المناسبة لهن، في تلك الأيام الصعبة عليهن من الناحيتين، الجسمية والفسيولوجية. وقد ذكرت معدّة التقرير أن المعتقلات يتعرّضن للذل والسخرية في مقابل توفير وسائل الأمن والحماية، كما أن السجّان يتعمّد إجراء التحقيقات القاسية وانتزاع الاعترافات منهن في تلك الأيام، وهي الفترة التي تكون فيها المرأة في أضعف حالاتها، وتعاني من الاضطرابات الهرمونية التي تؤثر حتى على قراراتها وسلوكها في الأيام العادية، فكيف وهي تقع تحت رحمة سجّان، وتذوق عذابات المعتقل ما بين التنقل المؤلم والمرهق بين السجون والمحاكم، وبين العيش داخل الزنزانة، والدخول إلى غرف التحقيق والوقوف أمام المحققين، وفي وضع مزرٍ، تحاول فيه إخفاء علامات سرها الأعظم الذي أخفته، حياءً وخجلاً، عن والدها، وربما أخفته عن أمها ذات يوم، حين فاجأها أول مرة، وبدّلت ثيابها مرة بعد مرة، من دون أن تعرف ما أصابها، حتى نفدت ملابسها، ولم يعد لديها ملابس نظيفة، فباحت بسرها لأمها التي احتضنتها بفرح، ونقلت البشرى خلسةً وهمساً للأب أن ابنته قد بلغت مبلغ النساء، وأن أبناء العمّ سيدقّون بابها، بعد أن طاب ثمرها وأينع عودها.
للأسف، في السجون ومخيمات اللجوء حول العالم، وحيث تُمارس أبشع الانتهاكات بحق الإنسانية، يُنتهك هذا الحق بالنسبة للمعتقلات؛ فالوظائف البيولوجية لا تعترف بالسجن، وعدم توفر الاستعدادات لمجابهتها، ولا تحابيها فتتأخر أو تتأجل. ولذلك يقعن ما بين الحرج والألم، ما حدا ببعض المؤسسات الإغاثية الإنسانية إلى التنبّه لهذا الحق المسلوب من المعتقلات واللاجئات والمشرّدات في جميع أنحاء العالم، وضرورة التبرّع لتوفير ما يحتجنه من وسائل حماية ورعاية، وتوفير الأمن النفسي لهن، بتوفير متطلبات هذه الأيام التي لا تتجاوز السبعة أيام في أقصى حالاتها، لكنها تترك أثرها النفسي على المرأة طوال الشهر، وينعكس على سلوكها وتصرّفها مع مَن حولها، فأصبح عادياً أن تقرأ لافتاتٍ معلقة في الحافلات العامة في بريطانيا تطالب بالتبرع لشراء "المناديل الصحية" للنساء من ضحايا الحروب. فيما أكدت زيارات ميدانية لمخيم الزعتري عدم توفر هذا المنتج للنساء، من ضمن التبرعات التي تصل من المؤسسات الإغاثية، في حين أنهن لا يملكن المال لشراء العبوات الجاهزة، ويستبدلنها بالطرق التقليدية التي تلحق بهن الضرر الجسمي والنفسي.
هذه الأيام الحرجة من حياة النساء والفتيات حدت بشركة بريطانية، مقرّها بريستول، لتفعيل "إجازة الدورة الشهرية"، والتي سُمح بمقتضاها للمرأة العاملة في الشركة بالعودة إلى المنزل، ولكن ليس على سبيل الإجازة المرضية، ولكن مراعاة لحالة الخمول والوهن التي تصيب المرأة في تلك الفترة. وليست هذه الشركة هي السباقة في هذا المجال، فقد سبقتها دول أخرى (اليابان مثلاً). وسبقها الإسلام بقرون، فأولى العناية بالمرأة والترفّق بها في هذه الفترة، إلى درجة أن الشرع أقرّ عدم وقوع الطلاق في حال حيض المرأة، لأن الحالة النفسية للزوجين تتأثر وتتزعزع، بسبب سر النساء العظيم.