04 نوفمبر 2024
شارلستون عريض وجينز ممزق
يجمع أصحاب الذوق الرفيع من خبراء الأزياء على تصنيف فترة السبعينيات المرحلة الفجة، الأكثر رداءة وقبحاً، بألوانها وتصاميمها المتطرفة، والصادمة في أحيان كثيرة، إذ تميزت تلك الحقبة بتسريحات الشعر الطويل المتمرد، بألوانه الحادة والصارخة، بما يذكر بفلول الهيبيين من أتباع البيتلز وعشاق ألفيس بريسلي، حيث اقتدت أجيال كاملة من الشباب بمظهره المختلف، وكان مألوفا جدا تقليعة الشعر الطويل للشباب، والسوالف الكثة المتروكة على جانبي الوجه، من دون مناسبة، لعل المطرب موفق بهجت كان مثالاً كلاسيكياً لمظهر شاب السبعينيات، شديد التميز، ليس بالمعنى الجمالي حتماً.
كذلك طغى "الشارلستون"، بتصاميمه الشاسعة العرض والطول، بحيث تكنس حوافه الشوارع بكل سهولة ويسر، يعلوه قميص بالغ الزركشة.
لم يكن من السهل، آنذاك، تمييز النساء عن الرجال للتقارب الشديد في المظهر، ويكفي أن يطالع أيٌّ من هؤلاء صوره القديمة من تلك المرحلة المثيرة للحرج، غير الذهبية في تاريخ الأزياء، حتى يعتريهم الارتباك، وربما يبادرون إلى السخرية من أنفسهم، قبل أن يتندر الأولاد بذوق ذويهم المتردّي. وقد تعدّى التطرف والمبالغة آنذاك حقل الأزياء، ليطغى على كل مفردات الحياة والفنون والثقافة والموسيقى الثورية المعبرة عن حالة تمرد وسخط ورفض.
أولئك "الخنافس" من الصبايا والشباب الذين رفضهم مجتمعهم وقتها، ونظر إليهم، على الرغم من ميولهم اليسارية الناجمة عن وعي وثقافة عميقة، باستخفاف شديد، واعتبرهم "جيلا تافها" مقلداً بشكل سطحي صرعات الغرب، ضائعاً وبعيداً عن قضايا أمته. الآن هم أنفسهم أصبحوا آباء وأجداداً. وللمفارقة الصادمة، فإنهم يتعاملون مع الجيل الصاعد، ومع مفردات ثقافته من مظهر وسلوك بالفوقية والاستعلاء نفسيهما اللذين مورسا بحقهم ذات شباب، غالبا ما نجد الأم والأب مغتاظين من جينز ابنتهم الممزق شر تمزيق، على الرغم من ثمنه الباهظ، وكذلك من ثياب ابنهم الرثة المتهدلة غير المتناسقة التي تشي بالاستهتار وقلة الاحترام. هذه حالة جديرة بالتأمل، كونها تؤكد أن ظاهرة صراع الأجيال واحدة من حقائق الحياة غير المشرقة.
وعلى الرغم من كل ما قد يُقال عن جماليات الخريف من رشاوى شعرية، لا تنطلي على أحد، فإن قلة قليلة من البشر يمكن اعتبارها محظوظة جداً، أو مضللة جداً! تنظر إلى الخريف بشكل إيجابي، وتعتبره أجمل الفصول قاطبة.
وتبقى، في كل الأحوال، السطوة والغلبة للربيع المرادف لتفتح الأشياء ونضارتها، ولا بد من الإقرار، في هذا السياق، بالدوافع النفسية الخفية، من غيرة كامنة، وحسد دفين يكنه الكهول فطرياً للشباب المندفع غير المكترث بهم.
وهي مسألة طبيعية جداً، علينا أن نتعامل معها بتسامح، لأنها من مظاهر الضعف الإنساني، فالأصل أن تظل أيام الصبا والشباب في الأذهان المنطقة المشتهاة دوماً، وإليها يكون الحنين، كونها الأجمل والأكثر حيوية وتألقا وعطاء، وهي العصر الذهبي في مراحل العمر، حيث كل الأحلام والتوقعات والآمال تبدو ممكنة التحقق، وهي ما تبرر مزايا الاندفاع والنزق وحس المغامرة والتجريب، وتجعل منها مزايا إيجابية، تستحق الإطراء.
وكذلك يبدو الجسد في أحسن حالاته، وفي عز فتوته حاملاً روحاً لا تقل شباباً وعنفواناً مهما ارتدى من مقترحات الموضة، وهي المرحلة التي تستدعي الحسرة لمن غادرها مكرهاً، وتظل دوما الفردوس المفقود الذي يلفظنا، كي ينتقل إلى مرحلة النضج والحكمة والأزياء ذات الخطوط الرصينة المملة بألوانها الغامقة، مقيما أحيانا في التأسي على ما فات، ويحاول بعض الكهول، نساءً ورجالاً، التشبث بمظاهر الشباب، من حيث إنكار متطلبات واستحقاقات الخريف والتصرف بتصابٍ منفر، لكي لا نقول مضحكٍ، سواء من حيث المظهر أو السلوك، وحين يخفقون في مجاراة إيقاع العصر السريع والصاخب يصبون جام غضبهم على هذا الجيل الضحل الطائش، المندفع غير المقدر للمسؤولية سيئ الذوق، عديم الإدراك غير المثقف، وهكذا.
كذلك طغى "الشارلستون"، بتصاميمه الشاسعة العرض والطول، بحيث تكنس حوافه الشوارع بكل سهولة ويسر، يعلوه قميص بالغ الزركشة.
لم يكن من السهل، آنذاك، تمييز النساء عن الرجال للتقارب الشديد في المظهر، ويكفي أن يطالع أيٌّ من هؤلاء صوره القديمة من تلك المرحلة المثيرة للحرج، غير الذهبية في تاريخ الأزياء، حتى يعتريهم الارتباك، وربما يبادرون إلى السخرية من أنفسهم، قبل أن يتندر الأولاد بذوق ذويهم المتردّي. وقد تعدّى التطرف والمبالغة آنذاك حقل الأزياء، ليطغى على كل مفردات الحياة والفنون والثقافة والموسيقى الثورية المعبرة عن حالة تمرد وسخط ورفض.
أولئك "الخنافس" من الصبايا والشباب الذين رفضهم مجتمعهم وقتها، ونظر إليهم، على الرغم من ميولهم اليسارية الناجمة عن وعي وثقافة عميقة، باستخفاف شديد، واعتبرهم "جيلا تافها" مقلداً بشكل سطحي صرعات الغرب، ضائعاً وبعيداً عن قضايا أمته. الآن هم أنفسهم أصبحوا آباء وأجداداً. وللمفارقة الصادمة، فإنهم يتعاملون مع الجيل الصاعد، ومع مفردات ثقافته من مظهر وسلوك بالفوقية والاستعلاء نفسيهما اللذين مورسا بحقهم ذات شباب، غالبا ما نجد الأم والأب مغتاظين من جينز ابنتهم الممزق شر تمزيق، على الرغم من ثمنه الباهظ، وكذلك من ثياب ابنهم الرثة المتهدلة غير المتناسقة التي تشي بالاستهتار وقلة الاحترام. هذه حالة جديرة بالتأمل، كونها تؤكد أن ظاهرة صراع الأجيال واحدة من حقائق الحياة غير المشرقة.
وعلى الرغم من كل ما قد يُقال عن جماليات الخريف من رشاوى شعرية، لا تنطلي على أحد، فإن قلة قليلة من البشر يمكن اعتبارها محظوظة جداً، أو مضللة جداً! تنظر إلى الخريف بشكل إيجابي، وتعتبره أجمل الفصول قاطبة.
وتبقى، في كل الأحوال، السطوة والغلبة للربيع المرادف لتفتح الأشياء ونضارتها، ولا بد من الإقرار، في هذا السياق، بالدوافع النفسية الخفية، من غيرة كامنة، وحسد دفين يكنه الكهول فطرياً للشباب المندفع غير المكترث بهم.
وهي مسألة طبيعية جداً، علينا أن نتعامل معها بتسامح، لأنها من مظاهر الضعف الإنساني، فالأصل أن تظل أيام الصبا والشباب في الأذهان المنطقة المشتهاة دوماً، وإليها يكون الحنين، كونها الأجمل والأكثر حيوية وتألقا وعطاء، وهي العصر الذهبي في مراحل العمر، حيث كل الأحلام والتوقعات والآمال تبدو ممكنة التحقق، وهي ما تبرر مزايا الاندفاع والنزق وحس المغامرة والتجريب، وتجعل منها مزايا إيجابية، تستحق الإطراء.
وكذلك يبدو الجسد في أحسن حالاته، وفي عز فتوته حاملاً روحاً لا تقل شباباً وعنفواناً مهما ارتدى من مقترحات الموضة، وهي المرحلة التي تستدعي الحسرة لمن غادرها مكرهاً، وتظل دوما الفردوس المفقود الذي يلفظنا، كي ينتقل إلى مرحلة النضج والحكمة والأزياء ذات الخطوط الرصينة المملة بألوانها الغامقة، مقيما أحيانا في التأسي على ما فات، ويحاول بعض الكهول، نساءً ورجالاً، التشبث بمظاهر الشباب، من حيث إنكار متطلبات واستحقاقات الخريف والتصرف بتصابٍ منفر، لكي لا نقول مضحكٍ، سواء من حيث المظهر أو السلوك، وحين يخفقون في مجاراة إيقاع العصر السريع والصاخب يصبون جام غضبهم على هذا الجيل الضحل الطائش، المندفع غير المقدر للمسؤولية سيئ الذوق، عديم الإدراك غير المثقف، وهكذا.