خلال زيارته إلى أوكرانيا، أخيراً، جدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رفض أنقرة الاعتراف بشرعية ضم روسيا شبه جزيرة القرم، وأعلن عن تقديم دعم عسكري لكييف بقيمة 50 مليون دولار. ومع إعرابه عن أمله في تطوير العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، في المجالات السياسية والاقتصادية، ورفع التبادل التجاري إلى 10 مليارات دولار من نحو 4.8 مليارات دولار في 2019، فقد أشار أردوغان إلى تطور كبير في تعاون البلدين في مجال الصناعات الدفاعية. وسائل الإعلام الروسية ركزت على "إهانة" وجّهها أردوغان لروسيا بترديده عبارة "المجد لأوكرانيا"، فيما لم يتطرق معظمها إلى التعاون العسكري بين أنقرة وكييف، خصوصاً في مجال الطائرات من دون طيار، وانعكاسات ذلك على الحرب في حوض دونباس، الذي يضمّ إقليمي لوغانسك ودونيتسك الانفصاليين المدعومين من قبل موسكو.
ومعلوم أن كييف كانت أولى الدول المستوردة لطائرات "بيرقدار"، وهي تملك حالياً 6 طائرات من هذا الطراز، استلمتها على دفعتين، في يناير/كانون الثاني وأكتوبر/تشرين الأول العام الماضي. وكشفت الصحافة الأوكرانية عن تعاون وثيق بين البلدين في تطوير "بيرقدار" وإنتاج طائرة مسيرة جديدة مشتركة تحت اسم "أقينجي"، تم اختبارها أخيراً في أوكرانيا.
ولا تخفي روسيا قلقها وامتعاضها من التقارب التركي-الأوكراني، خصوصاً في المجال العسكري. وبعد استلام الدفعة الأولى من الطائرات المسيرة التركية، شددت وزارة الخارجية الروسية على أن "توريد الأسلحة يجب ألا يكون عاملاً يؤدي إلى تفاقم الأزمة في أوكرانيا". وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، في هذا الصدد، إن "التعاون العسكري – التقني الثنائي، من حق الدول ذات السيادة. (لكن) المشكلة تكمن في أن أوكرانيا تعاني من نزاع مسلح داخلي. في الواقع حرب أهلية. هذه الأزمة الداخلية لها بعد دولي، حيث يعمل عدد من الدول والمنظمات الدولية كوسيط في التسوية".
وإضافة إلى تطوير "بيرقدار"، تتعاون أنقرة مع كييف على تطوير طراز آخر من الطائرات المسيرة، يحمل اسم "أقينجي"، بإمكانها التحليق على ارتفاع يصل إلى 40 ألف قدم، والطيران لمدة 24 ساعة متواصلة، وحمل أوزان تصل إلى 1350 كيلوغراماً. كما أنها مجهزة بأحدث أنواع الأجهزة الإلكترونية والاتصالات، ويمكنها توجيه قذائف على أهداف أرضية، إلى جانب إمكانية تزويدها بصواريخ جو-جو. وفي 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، اجتازت "أقينجي" الاختبارات الأرضية الأولى، إذ سارت لمسافة قصيرة على المدرج.
وفي نهاية أغسطس/آب الماضي، وقعت "أوكر سبيتس إكسبورت"، المعنية بالصادرات العسكرية الأوكرانية، و"بايكار ديفينس" التركية، اتفاقية للتعاون في مجال صناعة الأسلحة عالية الدقة وتقنيات الصناعات الفضائية، وشكلتا مؤسسة مشتركة "لتطوير جيل جديد من الطائرات المسيّرة، القادرة على إجراء طلعات استكشافية تفصيلية وقضاء ساعات طيران طويلة، وشن هجمات بأسلحة عالية الدقة". وأكّدت لجنة الدفاع والأمن الوطنية الأوكرانية، في بيان وقتها، أن "تركيا وأوكرانيا تمتلكان القدرة والخبرة اللازمة في المجال التكنولوجي لإجراء تعاون وثيق وفعال".
وفي مطلع فبراير الماضي، أعلن السفير الأوكراني لدى تركيا أندريه سيبيهو أن كييف وأنقرة تنفذان أكثر من 50 مشروعاً مشتركاً في إطار التعاون العسكري التقني بين البلدين. وقال سيبيهو، في مقابلة مع وكالة "أوكر إنفورم" الأوكرانية، إن تعاون البلدين في هذا المجال يعتبر دليلاً واضحاً على حقيقة الشراكة الاستراتيجية بين أوكرانيا وتركيا، مؤكداً أن مشروع الطائرات المسيرة يُعد أحد أهم المشاريع المشتركة بين البلدين. وأوضح أن التعاون لم يعد يقتصر على عمليات البيع والشراء، وإنما أصبح يتمثل في التصميم والإنتاج بشكل مشترك أيضاً. واعتبر أن من شأن التعاون العسكري المتبادل أن يعزز القدرات الدفاعية للجيشين، الأوكراني والتركي، وزيادة التعاون الثنائي في مجال تصنيع الطائرات. ونشر الموقع الرسمي لوزارة الدفاع الأوكرانية، في 4 مارس/آذار الحالي، بياناً لوزير الدفاع أندريه زاغورودنيوك، حول خطط لإنتاج أوكراني تركي مشترك لطائرات من دون طيار. وقال: "نحن نعمل مع ممثلي تركيا على وضع خطط لإنتاج طائرات من دون طيار في أوكرانيا".
وبعيداً عن التعاون في مجال الطائرات المسيرة، ورغم التفوق الواضح للبحرية الروسية في البحر الأسود، فإن إعلان تركيا وأوكرانيا زيادة التعاون بينهما يثير قلق موسكو، التي تخشى أيضاً إمكانية حصول أنقرة على معلومات تقنية عسكرية، قد تُسبب الكثير من الضرر لمنظومات الدفاع الروسية. يشار إلى أنه وحتى عام 2014، كانت المصانع الأوكرانية تزود روسيا بالكثير من معدات الاتصال والمكونات المهمة في الصناعات الصاروخية والفضائية. كما تملك كييف خبرة كبيرة في إنتاج الطائرات ومحركاتها؛ إذ تم، خلال العهد السوفييتي وبعد انهياره، إنتاج طائرات "أنطونوف" العسكرية الأكبر في العالم على أراضيها.
ورغم أن أنقرة وموسكو تصفان علاقاتهما بأنها استراتيجية في مجالَي الاقتصاد والطاقة، وتواصلان التنسيق على أعلى المستويات، إلا أن البلدين يصطفان في خندقين متقابلين في سورية وليبيا وأوكرانيا، ما يثير مخاوف من دخولهما في صراع مباشر، وعدم قدرتهما على الاستمرار في السياسة البراغماتية وفصل الملفات، خصوصاً عندما يتعلق الخلاف بقضايا تخص الأمن القومي، مثل إدلب وشمال سورية، أو القرم وشرق أوكرانيا.