احتفلت جميع الشعوب القديمة بقدوم الربيع، وكان المصريون من أقدم تلك الشعوب، حيث لا يزالون في عيدهم المسمى "شم النسيم" يخرجون مبكراً من منازلهم نحو الحدائق والمتنزهات، يحملون طعامهم وشرابهم، ليقضوا يوماً مميزاً بعيداً عن ضغوط الحياة الشاقة، وفيه تتعدد مظاهر الاحتفال والبهجة، ويكثر اللهو واللعب والرقص والطرب.
يرجع البدء في الاحتفال بشم النسيم إلى حوالي 5 آلاف سنة، حين اعتبره الفراعنة بمثابة عيد بدء الخلق، ويبدو أنه كان احتفالاً رسمياً وشعبياً يشارك فيه الحكام وكبار رجال الدولة مع عامة الشعب، كان العيد يتزامن أولا مع الانقلاب الربيعي الذي يتساوى فيه الليل والنهار وقت حلول الشمس في برج الحمل، وكان يصادف أواخر شهر برمهات من كل عام، قبيل هبوب رياح الخماسين.
ويكشف المؤرخ الإغريقي سترابون، الذي عاش في منتصف القرن الأول قبل الميلاد، عن عادات الفراعنة في ذلك اليوم، ومنها الاستيقاظ مبكرا، والذهاب إلى النيل للشرب منه، وجلب الماء لغسل أرضيات بيوتهم، وتزيين الجدران بالزهور. ثم إنهم ينطلقون إلى الحدائق للنزهة، بعدها يتناولون طعامهم المخصص لذلك اليوم.
وكان من أشهر أطعمة المصريين، ولا تزال، الأسماك المملحة (الفسيخ) التي اشتهرت به قديما مدينة كانوس (أبو قير حاليا)، وكانوا يفضلون نوعاً معيناً لتمليحه وحفظه للعيد، أطلقوا عليه اسم (بور). كما كانوا يأكلون بعض الخضروات مثل الملوخية والملانة والخس، كما كانت لهم عناية خاصة بالبصل الذي يتبرّكون به، فكانوا يقولون: إن امرأة تخرج من النيل في ليلة شم النسيم يدعونها "ندَّاهة" تأخذ الأطفال من البيوت وتُغرقهم، لكنها لا تستطيع أن تدخل بيتا يُعلق عليه البصل.
وشاعت أسطورة أخرى تربط بين الربيع والبصل، فقيل إن أحد أبناء الفراعنة أصيب بمرض شديد أقعده عن الحركة وألزمه الفراش لسنوات، وحار الطب في علاجه، إلى أن دخل على الطفل المريض ذات يوم كاهنٌ نوبي عليم، قدم القرابين لإله الموت (سكر) كي يعفو عن الطفل، ثم جاء ببصلة وأمر بوضعها قرب أنفه؛ فشفي المريض. ولما كان ذلك في بداية الربيع، فإن الأهالي احتفلوا بنجاة الطفل، وخرجوا في مسيرات وقد وضعوا أكاليل من البصل على أعناقهم واتجهوا إلى معابد الإله سكر يطوفون حولها.
أما البيض، فكان يرمز عند الفراعنة إلى خلق الحياة، وكانوا ينقشون عليه الدعوات والأمنيات ويعلقونه على فروع الأشجار حتى تتلقى بركات نور الإله عند شروقه، فيستجاب لدعواتهم. وعن تلوين البيض؛ فيقال إن فكرته تعود إلى فلسطين، حين اقترح أحد القديسين أن يحتفل المسيحيون بذكرى المسيح وقيامه، على أن يصبغوا البيض باللون الأحمر حداداً على المسيح. ثم انتقلت عادة تلوين البيض إلى مصر فروما، وتعددت الألوان التي أصبحت سمة مميزة للبيض في أعياد الربيع.
وكان لبعض البيض الملون الذي يتهادى به الناس شهرة تاريخية، ويذكر بعض الباحثين أن من أشهرها بيضة هنري الثاني التي أرسلها إلى ديانادي بواتييه، وكانت عبارة عن علبة من الصدف على هيئة بيضة وضع بداخلها عقداً من اللؤلؤ. وهناك بيضة لويس الرابع عشر للآنسة دي لا فاليير، وكانت هي الأخرى علبة على هيئة بيضة بداخلها صليب. كما أهدى لويس الخامس عشر خطيبته مدام دي باري بيضة دجاج حقيقية مكسوة بطبقة رقيقة من الذهب.
وفي العصر القبطي، أصبح عيد القيامة مرتبطاً زمنياً بشم النسيم، إذ تقع احتفالات المصريين بشم النسيم في اليوم التالي لعيد القيامة، الذي يوافق أول يوم أحد بعد أول بدر يقع في الاعتدال الربيعي، لذا فشم النسيم يوافق دائما يوم الإثنين.