يعود صندوق النقد الدولي إلى الأردن مجددا، الأسبوع المقبل، لمراجعة أداء الاقتصاد، وسط حالة احتقان في الشارع من القرارات الحكومية المتلاحقة التي جاءت استجابة لشروط الصندوق، بينما أثقلت كاهل كثيرين بكلف معيشية متزايدة، ما زاد من معدلات الفقر.
ويعتبر كثيرون أن برامج صندوق النقد لم تحقق تطوراً في بنية الاقتصاد، والمالية العامة للمملكة، التي لا تزال تعاني من العجز المالي والديون وتباطؤ معدلات النمو والبطالة، بينما يشير مسؤولو الصندوق إلى أن على الحكومة الأردنية تنفيذ المزيد مما يصفونها بالإصلاحات لتحقيق نتائج إيجابية.
وقال مسؤول أردني رفيع المستوى في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن بعثة من صندوق النقد ستجرى لقاءات مع كبار المسؤولين في الجهاز الحكومي واللجان الاقتصادية في البرلمان، وستطّلع على الإجراءات التي اتخذتها الحكومة مؤخراً، لزيادة الإيرادات المحلية وخفض عجز الموازنة.
وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن هذه الزيارة تأتي استكمالا لبرنامج الاستعداد الائتماني المتفق عليه بين الحكومة والصندوق في عام 2016، وتم تمديد العمل به إلى مارس/ آذار 2020، بعد أن كان يفترض انتهاؤه في أغسطس/آب الجاري.
وتابع أن "الحكومة مضطرة لاعتماد برنامج جديد للإصلاح المالي والاقتصادي، بالتعاون مع صندوق النقد، وذلك لتسهيل اقتراضها الخارجي، لتسديد عجز الموازنة العامة وتمويل تنفيذ مشاريع ذات أولوية ودفع أقساط الديون وفوائدها".
لكن المسؤول الأردني أشار إلى احتمال عدم إبرام اتفاق خلال هذه الزيارة، وخصوصاً مع "عدم قدرة الحكومة على اتخاذ قرارات جديدة لرفع الأسعار والضرائب تحسباً من ردة فعل الشارع الذي يمر بحالة احتقان".
وكانت الحكومة قد اتخذت مزيداً من الإجراءات، الأسبوع الماضي، تمثلت في إخضاع التجارة الإلكترونية للرسوم الجمركية، وعدم السماح للمسافرين القادمين إلى الأردن بإدخال أكثر من كروز دخان (صندوق يحوي 10 عبوات)، وتشديد الرقابة على السلع القادمة معهم، بينما أثارت هذه الإجراءات احتجاجات في مدينة الرمثا الحدودية مع سورية شمال الأردن.
ورغم التأكيدات الحكومية بالسيطرة على الاحتجاجات، التي تخللتها أعمال شغب وفق المسؤولين، يرى مراقبون أن الاحتجاجات على القرارات الحكومية الأخيرة المتلاحقة مرشحة للاشتعال بين الحين والآخر.
ورفعت الحكومة العام الماضي نسبة الضريبة على عدد كبير من السلع وأوصلتها إلى الحد الأعلى البالغ 16 في المائة، بعد أن كانت لا تتجاوز 8 في المائة.
كما أجرت تعديلاً على قانون ضريبة الدخل، بدأ تنفيذه بحلول العام الجاري، ليؤدي إلى زيادة الضرائب على الأفراد وتوسيع قاعدة الخاضعين لضريبة الدخل، ورفع الضريبة أيضاً على عدد من القطاعات الاقتصادية.
ورغم هذه الإجراءات التي جاءت بتوصية من صندوق النقد، إلا أن النتائج المالية للاقتصاد الأردني خلال الثلث الأول من العام الحالي، خالفت توقعات الحكومة في موازنتها لعام 2019، مع تسجيل الإيرادات الضريبية انخفاضاً واضحاً، خصوصاً في البند المتعلق بضريبة المبيعات على الخدمات والسلع والتي تشكل غالبية الإيرادات العامة في البلاد.
وتراجعت الإيرادات الضريبية 33.13 مليون دولار أو ما نسبته 1.4 في المائة مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي، لتصل إلى 2.25 مليار دولار، مشكلة بذلك ما نسبته 64.5 في المائة من إجمالي الإيرادات الإجمالية.
وكانت الحكومة قد توقعت ارتفاع عائداتها من ضريبة المبيعات بحوالي 560 مليون دولار إلى 5.09 مليارات دولار مقارنة مع 4.5 مليارات دولار في عام 2018.
لكن إيرادات الضريبة العامة على المبيعات والسلع والخدمات انخفضت بمقدار 78.25 مليون دولار أو ما نسبته 5.8 في المائة، لتبلغ 1.26 مليار دولار، مشكلة بذلك 56.1 في المائة من إجمالي الإيرادات الضريبية.
وقالت وزارة المالية إن هذا الانخفاض جاء بشكل أساسي نتيجة تراجع حصيلة ضريبة المبيعات على السلع المحلية بمقدار 24 مليون دولار، وعلى السلع المستوردة بمقدار 21.85 مليون دولار، وعلى القطاع التجاري بحوالي 15 مليون دولار، وعلى الخدمات بمقدار 7.5 ملايين دولار.
ويتخوف الشارع الأردني من إقدام الحكومة على مزيد من الإجراءات، ما يؤدي إلى موجات جديدة من الغلاء وتراجع القدرات الشرائية لكثيرين.
كان مسؤول أردني قد قال لـ"العربي الجديد" في يوليو/ تموز الماضي، إن صندوق النقد يضغط بقوة لاتخاذ إجراءات جديدة تتمثل في رفع أسعار الكهرباء والمياه مجدداً، إضافة إلى زيادة الإيرادات الضريبية.
ويشدد صندوق النقد على أهمية معالجة المشاكل المالية الناتجة عن دعم المياه عبر بيعها بسعر التكلفة، وأن قيمة الدعم الحكومي للمياه تبلغ نحو 420 مليون دولار سنوياً.
لكن الخبير الاقتصادي مازن مرجي قال لـ"العربي الجديد" إن "صندوق النقد كالعادة في جعبته اشتراطات، لكن تطبيقها سيؤدي الى رفع الأسعار والضرائب، ما يدفع بعودة الاحتجاجات مجدداً إلى الشارع".
وأضاف مرجي أن "الحكومة أقرت بأن زيادة الضرائب كانت لها نتائج عكسية على الإيرادات، وإذا وافقت على شروط صندوق النقد فإنها تجازف ببقائها لفترة أطول، ذلك أن الشارع مهيأ للاحتجاج بقوة ضدها على غرار الاحتجاجات التي حدثت لرئيس الحكومة السابق هاني الملقي، الذي اضطر للاستقالة في نهاية مايو/ أيار من العام الماضي".
وبمقتضى البرنامج الاقتصادي الحالي، وافق صندوق النقد على قرض بقيمة 723 مليون دولار يُصرف على ثلاث سنوات، لكن هناك دفعات لا تزال عالقة ولم تحول إلى الأردن.
ورغم الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لزيادة ضريبة الدخل وإلغاء دعم الخبز وزيادة ضرائب المبيعات، إلا أن بيانات وزارة المالية أكدت أن العجز المالي في الموازنة العامة ارتفع إلى 682 مليون دولار حتى نهاية مايو/ أيار من العام الحالي مقارنة مع عجز قدره 614 مليون دولار للفترة ذاتها لعام 2018.
كما يعاني الأردن من مديونية تجاوزت 41 مليار دولار، وبطالة بلغت نسبتها 19 في المائة خلال الربع الأول من العام الجاري، وفق تقرير أصدرته دائرة الإحصاءات العامة الحكومية في يونيو/ حزيران الماضي.
وزادت معدلات الفقر إلى 15.7 في المائة، بحسب تصريحات لرئيس الوزراء عمر الرزاز أخيراً، مقابل 14 في المائة في 2010 ونحو 13.3 في المائة في 2008.
وأقرت الحكومة الأردنية ضمناً بإخفاقها في ضبط النفقات وتحقيق وفر مالي من العديد من القرارات، لا سيما إلغاء دعم الخبز، إذ قال نائب رئيس الوزراء الأردني رجائي المعشر، في تصريحات أخيراً، إن الحكومة تقدم 241 مليون دولار سنويا دعما للمواطنين لقاء رفع الدعم عن الخبز، إضافة إلى تحمل الخزينة 141 مليون دولار فروقات ارتفاع كلف إنتاج الخبز وأسعار الطحين عالميا.
واعتبر المعشر هذا العبء خللا واضحا يشير إلى عدم دقة التقديرات المالية عند إعداد الموازنة العامة للدولة. وكانت الحكومة قد قررت منذ يناير/ كانون الثاني 2018 رفع الدعم عن الخبز وصرف دعم نقدي مباشر للفئات الفقيرة ومتدنية الدخل، فارتفعت الأسعار بنسبة تجاوزت 100% لبعض الأصناف.
في المقابل، اعتبر رئيس بعثة صندوق النقد للأردن مارتن سيريسولا، في مقابلة مع وكالة الأنباء الأردنية "بترا" في مايو/ أيار الماضي، أنه "رغم مواجهة الأردن ظروفا صعبة وتحديات ضاغطة، إلا أن هناك إشارات عديدة على التحسن في الأداء الاقتصادي تبعث على التفاؤل، لذلك تحتاج الحكومة لمواصلة الإجراءات الإصلاحية ليلمس أثرها المواطنون".
وأشار سيريسولا إلى أهمية إعطاء الأولوية لتدابير الحد من التهرب الضريبي، وتخفيض تكلفة توظيف الأردنيين وزيادة فرص العمل، وتنفيذ خريطة الطريق لإصلاح شركة الكهرباء الوطنية (نبكو) لتخفيض تكاليف الكهرباء المرتفعة على الشركات، مشددا على أهمية استكمال الإصلاحات ببرنامج حماية اجتماعي جيد يكون موجها لحماية الطبقات الدنيا والمتوسطة.