03 يوليو 2019
طريق الخلاص من مرسي
"يد العدل مغلولة بالقوانين" يقول الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، لدى مشاركته في تشييع جنازة النائب العام هشام بركات. ثم يردف، في نبرة غضب، بدت مفتعلة، بوضوح، وفضحها البرود في عضلات الجزء الظاهر من الجسد: "هذه لحظة ما تنفعش فيها المحاكم.. هذه لحظة ما تنفعش فيها القوانين".
تشاهده يقول ما يقول، هكذا نصاً، وبالحرف، فيصير عليك البحث عن تفسير للعبارات السريالية العجيبة، في بطن قائلها نفسه، اعتمادا على ما خبرت من لجوج قوله وفعله، طوال عامين ماضيين، تولى فيهما حكم مصر، أو بتقصّي شاشات الفضاء المصري، لسماع ما يهرف به "مذيعو الوحي" الذين سبق له أن وصفهم بالأذرع الإعلامية.
وحيث تقودك الحيرة، ابتداء، إلى التساؤل عما إذا كان تاريخ البشرية عرف وسيلة أخرى، لفرض العدل، سوى القوانين، ستتعثر بالجواب المروع؛ نعم هناك، في حاضر العالم، وفي تاريخيه، الحديث والقديم، أباطرة، وملوك، وأمراء طوائف، وقادة جيوش، وزعماء عصابات، ومجرمون، ولصوص، ظنوا أنفسهم أشباه آلهة، أو حتى آلهة، في بعض من حقب جاهلية الإنسان، وصار ميزان العدل، في مرايا نرجسهم، هو ما يرون، لا ما يتوافق عليه ممثلو غالبية الناس، وباتت أيديهم، على هذا الأساس، مطلقة الحركة، تُعلي من يشاؤون، وتسخط على من يشاؤون، بغير حساب.
هل يختلف السيسي، هنا، مثلاً، ولا سيما حين يدعو إلى الإسراع في تنفيذ أحكام إعدام جماعية، وتقليص إجراءات التقاضي، عن أبي بكر البغدادي، "خليفة دولة الخلافة الإسلامية" المعروفة باسم داعش؟ ألا يتعالى كل منهما على القوانين التي تواضع عليها الناس، طريقاً لإحقاق العدل، بمعناه النسبي، ويفرض بدلاً منها، ما يعتقد، هو شخصياً، بأنها سبيل أمثل لإنجاز العدل بمعناه الإلهي؟
في مقارنة، كهذه، هناك كثير مما يستدعي الاستطراد، بدءاً بحرق الناس أحياء، في ميدان رابعة العدوية، كما في صحاري سورية والعراق، مروراً بتسخير القضاء الكاريكاتوري في خدمة هدف إبادة الخصوم، وصولاً إلى ترديد الآيات القرآنية، لتبرير جرائم القتل المنظمة.
هي مقارنة تتسع، كذلك، لآخرين سوى السيسي والبغدادي، بل ينبغي أن لا يغيب عنها معتوه ثالث يُدعى بشار الأسد، وقد اختار، قبل صاحبيه، تحقيق العدل للسوريين بطرق لم يسبقه إليها أحد، فقصفهم بالسلاح الكيماوي والبراميل المتفجرة، من دون أن يكفّ، لحظة، عن الإشادة بوقوفهم خلف قيادته الحكيمة، حتى بعدما قتل واعتقل وعذب مئات الألوف منهم، وشرّد ما يقرب من نصف عددهم في أصقاع الأرض.
لكن، ما قد يميز السيسي على البغدادي والأسد، وسواهما من طغاة بلادنا، أن معركته كلها، ومساعيه لإطلاق يديه أكثر فأكثر ضد معارضيه، تنطوي، في عمقها، على نواة صراع شخصي مع زعيم آخر. ثمة رجل وراء جدران السجن، يدعى محمد مرسي، كان المصريون قد انتخبوه رئيساً، ولا يزال، على الرغم من الانقلاب عليه، والزج به في السجن، ثم الحكم عليه بالإعدام شنقاً، يأبى التنازل عن منصبه، ويصر على أنه صاحب الحق بتولي الحكم. في حين لا يكف ناس كثر عن تحدي القبضة الأمنية، ليتظاهروا في الشوارع، رافعين صوره، مطالبين بعودته، وتلك إشارات ما انفكت تنغص على الديكتاتور الجديد، شعور التفرد بالسلطة، وربما تدفعه، في لحظات خلوته مع نفسه، إلى التحسب من عاديات الزمان، وعثراته.
لا حل، إذن، لكي يرتاح السيسي، غير التخلص من مرسي، مرة وإلى الأبد. إصدار الحكم بإعدام الرئيس المعزول، كان غير كاف، ولا صبر لدى الجنرال لانتظار مزيد من إجراءات التقاضي. "اقتلوه الآن" يقول تلميحاً، بينما يؤكدها "عواكش فضائياته" واضحة صريحة، ولا يهم، من بعد، في جهالة هؤلاء، إن فرّخ "الدواعش" على ضفاف مستنقع الدم، وتعرقنت مصر أو تسورنت.. فبراميل المتفجرات هنا ممكنة أيضاً، والمجتمع الدولي لن يكون أقل تواطؤاً.