طلاب لاجئون.. سوريّون يبحثون عن مقعد دراسي في تركيا

24 مايو 2016
إصرار على الدراسة ولو في بلد اللجوء (Getty)
+ الخط -

كثيرون هم الشباب السوريّون الذين قرّروا تحدّي واقعهم ومتابعة دراستهم الجامعية في بلدان اللجوء. في تركيا، عيّنة من الذين رفضوا الاستسلام وأصرّوا على التمسّك بمستقبلهم الأكاديمي على أقلّ تقدير.

تحوّلت الجامعات التركية إلى قبلة أولى للشباب السوريين الراغبين في إكمال تحصيلهم الجامعي. ويأتي ذلك لعدد كبير من الأسباب، في مقدّمتها التسهيلات التي تمنحها الحكومة التركية للطلاب الأجانب (عموماً) الراغبين في الانضمام إلى الجامعات التركية، وكذلك على خلفيّة برنامج المنح التركية الذي تقدمه الحكومة سنوياً، بالإضافة إلى استحداث قسم باللغة العربية في جامعة غازي عنتاب يتولى التدريس فيه أساتذة سوريون. أيضاً، أعلنت الحكومة التركية أخيراً عن برنامج لمنح مساعدات مالية شهرية للطلاب السوريين في الجامعات من الحاصلين على حقّ الإقامة المؤقتة، بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي.

بحسب إدارة التعليم التركية، وصل عدد الطلاب الأجانب في الجامعات التركية للعام الدراسي 2014 - 2015 إلى 72 ألفاً، الأمر الذي يمثّل ارتفاعاً كبيراً في عدد هؤلاء الذين لم يكونوا يتجاوزون ثلاثين ألفاً في عام 2011. وتبدو سياسة القوة الناعمة واضحة في توزيع الطلاب، إذ يحتل الأذريون والتركمان بسبب اللغة المشتركة رأس قائمة الطلاب الأجانب، مع 10 آلاف و683 طالباً أذرياً وتسعة آلاف و92 تركمانياً، بينما يحتلّ السوريون المرتبة الثالثة مع خمسة آلاف و60 طالباً، يليهم الإيرانيون مع ثلاثة آلاف و672 طالباً، ومن ثمّ العراقيون مع ثلاثة آلاف و33 طالباً، واليونانيون مع 1826 طالباً، والقرغيزيون مع 1819 طالباً، والكازاخيون مع 1799 طالباً، والكوسوفيون مع 1023 طالباً.

كيف الحصول على مقعد جامعي؟

على الرغم من التسهيلات الكبيرة في تركيا، إلا أنّ التحاق الطلاب السوريين بهذه الجامعات لا يبدو سهلاً، باستثناء محظوظين استطاعوا الحصول على منحة من الحكومة التركية التي تشمل بالإضافة إلى تغطية مصاريف المعيشة والسكن، تغطية نفقات تعليم اللغة التركية لمدّة عام كامل.

يعاني الشباب السوريون من مشاكل عديدة للحصول على مقعد، في مقدّمتها شهادة الثانوية العامة، إذ يفضل العدد الأكبر من السوريين الالتحاق بالثانويات التي تعتمد الشهادة الثانوية الليبية في تركيا، على تلك التي تقدم شهادة الحكومة السورية المؤقتة التابعة للائتلاف المعارض، إذ الأولى شهادة معترف بها دولياً وكذلك في تركيا. إلى ذلك، يضطر الطالب السوري بعد تخرجه إلى تحمّل تكلفة دورات اللغة التركية (نحو مائة دولار أميركي شهرياً)، الأمر الذي يرهق كاهل العائلات اللاجئة. أيضاً، لا بدّ من الخضوع إلى امتحان الطلاب الأجانب في تركيا، "يوس"، الذي يشمل، بصورة أساسية، الرياضيات واللغة التركية، فيضطر الطالب إلى متابعة دورات تحضيراً له. وأخيراً، بعد ارتفاع حدّة المنافسة بين الطلاب السوريين على المقاعد، أصبحت بعض الجامعات، ومنها جامعة غازي عنتاب (جنوب)، تعتمد شهادة "سات" الأميركية التي تشبه "يوس" لكن باللغة الإنجليزية من ضمن معايير التفضيل في القبول.

برامج مساعدة الطلاب السوريين

تُعدّ المنح التي تقدّمها الحكومة التركية حلماً يسعى إليه كلّ طالب سوري في دول الجوار، إذ وضعت كوتا خاصة بالسوريين. وتغطي المنح أقساط الجامعة والتأمين الصحي ومصاريف تعليم اللغة التركية لمدة عام كامل، كذلك تقدّم السكن الجامعي مجاناً ومعونة شهرية بقيمة 600 ليرة تركية (210 دولارات) لطلاب البكالوريوس و850 ليرة (300 دولار) لطلاب الماجستير، و1200 ليرة (420 دولاراً) لطلاب الدكتوراه.

وبهدف تخفيف الأعباء المالية عن الطلاب السوريين اللاجئين، والذين يضطرون إلى العمل بالتزامن مع الدراسة، أعلنت وزارة المجتمعات التركية والأقارب في المهجر في بداية العام الحالي، عن منحة للطلاب السوريين الحاصلين على مقاعد في الجامعات التركية الحكومية والملتزمين بالدوام النهاري فقط. تغطّي الحكومية التركية 15% من قيمة المنحة فيما التزم الاتحاد الأوروبي بنسبة 85%. ويبلغ مجموع المساعدات الأوروبية ستة مليارات يورو خلال السنوات الثلاث المقبلة، في إطار الاتفاق التركي الأوروبي لوقف تدفّق المهاجرين.

تُجدَّد المنحة سنوياً، ويُخصص للحاصل عليها مبلغ 600 ليرة شهرياً كمصاريف معيشة و600 أخرى كبدل سكن وذلك لعام واحد لا تشمل العطلة الصيفية من يوليو/ تموز إلى سبتمبر/ أيلول. وتبدو شروط المنحة مخففة للغاية، إذ يكفي للمتقدّم أن يكون سورياً يحمل بطاقة كمليك ( بطاقة الحماية المؤقتة التي تمنح للاجئيين السوريين إلى تركيا) وأن يكون معدّله في الجامعة أكثر من 50%، وألا يكون حاصلاً على أية منحة أخرى.

بعدما تحوّلت مدينة غازي عنتاب إلى ما يشبه عاصمة للاجئيين السوريين إلى تركيا الفارين في شمال سورية، قرّرت جامعتها خلال العام الدراسي 2015 - 2016 فتح قسم لفروع الهندسة والعلوم الاجتماعية وعدد من المعاهد المتوسطة باللغة العربية، على أن يتولى التدريس فيها أكاديميون سوريون لاجئون. في هذا الإطار، يوضح جلال الدين الخانجي، وهو أستاذ مادة الرسم الهندسي في كلية الهندسة المدنية وكلية هندسة التغذية، أنّ الشهادات التي تمنح هي شهادات نظامية. يقول: "بعد جهود كبيرة، وافقت الحكومة التركية وجامعة غازي عنتاب على فتح قسم عربي، لتجاوز عقبة اللغة التركية ومساعدة الطلاب السوريين الذين لا تسمح لهم ظروفهم المادية بتعلم اللغة التركية أو الإنجليزية، وأيضاً لتعزيز فكرة العودة إلى البلاد بالنسبة إلى الشباب وإبعاد فكرة الهجرة عنهم. وشمل ذلك كليات الهندسة المدنية وهندسة التغذية وهندسة الكهرباء والميكانيك، التي تضمّ نحو 150 طالباً. ومن المنتظر تخفيض الرسوم خلال الأعوام المقبلة، عبر الحصول على منح خارجية. ونسعى إلى نشر هذه التجربة في الجامعات الحدودية الأخرى". يُذكر أنّ وزارة الخارجية الهولندية قدّمت منحاً للطلاب السوريين في هذه الجامعة.




تكاليف الدراسة

ما زالت تغطية تكاليف الأقساط الجامعية من أبرز المشاكل التي تواجه الطلاب السوريين، الأمر الذي يضطرهم إلى العمل أثناء الدراسة، بالتالي ينعكس سلباً على تحصيلهم العلمي. وقد يضطرهم في أحيان كثيرة إلى تعليق انتسابهم إلى الجامعة، لعدم قدرتهم على تسديد هذه الأقساط التي تُعَدّ باهظة بالنسبة إلى أكثرية الطلاب وفقاً لأوضاعهم المادية الصعبة.

آية محمد طالبة في قسم الكيمياء في جامعة غازي عنتاب، تخبر أنّها استطاعت الحصول على مقعد "وأنا الآن في السنة التحضيرية التي تشمل اللغة التركية. لم أتمكّن من تسديد قسط الفصل الأول وقيمته 1281 ليرة (450 دولاراً) حتى الأسابيع الأخيرة منه". هي تشعر "بقلق كبير، إذ لا أعرف إن كانت عائلتي قادرة على تأمين قسط الفصل الثاني. قد يبدو المبلغ بسيطاً، لكن في ظل وضعنا المادي والأعباء المالية الكبيرة المفروضة على عاتق والدي، فإنّ هذا المبلغ كبير للغاية". وتأمل آية أن "يُعفى الطلاب السوريون من دفع الأقساط أو تخفيضها".

من جهته، يشير رياض، وهو طالب علم نفس في جامعة أنقرة، إلى أنّه بات يفكّر جدياً في وقف الدراسة. ويقول: "أشعر بضغط كبير. عائلتي كبيرة ولا أحد يعمل في المنزل سوى أخي وأنا. وإلى جانب تأمين القسط الجامعي، بات العمل في هذه الظروف بالتزامن مع الدراسة عبئاً كبيراً عليّ". يضيف: "لم أعرف بأمر المنحة الأوروبية التركية الجديدة إلا متأخراً، وأتمنى الحصول عليها في العام المقبل".

عقبة اللغة التركية

تبقى اللغة التركية عقبة كبيرة بالنسبة إلى الطلاب السوريين، وهذا ما يؤكده علي، وهو طالب هندسة مدنية في القسم العربي في جامعة عنتاب. يقول إنّه اختار هذا القسم لأنه رأى صعوبة كبيرة في تعلم اللغة التركية، موضحاً أنّها "مختلفة عن العربية. لها منطق مختلف تماماً، وجدت صعوبة كبيرة في استيعابه على الرغم من محاولاتي العديدة. اليوم، أستطيع التحدّث بها في الشارع بالحدّ الأدنى، لكنّ الدراسة أمر مختلف. لذلك اخترتها باللغة العربية على الرغم من أنّ التكاليف أعلى". يضيف: "لا أخفي قلقي من مستقبل شهادتي، خصوصاً أنّ الهجرة إلى أوروبا باتت أمراً مستحيلاً وأنا لم أرغب فيها منذ البداية. وفي حال استمرت الحرب في سورية إلى حين تخرجي، أظنّ أنني سوف أعاني من مشاكل كبيرة في إيجاد فرصة عمل في تركيا".

من جهته، يقول منذر وهو طالب في كلية الاقتصاد في جامعة إسطنبول، إنّه يعيش في إسطنبول منذ عامَين ونصف العام تقريباً ويتحدّث التركية بطلاقة اليوم، "لكنّ السنة الدراسية الأولى كانت كارثية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى".

تمييز عنصري

يجمع أكثر الطلاب السوريين، الذين التقتهم "العربي الجديد"، على أنّ التمييز العنصري هو ممارسة شائعة من قبل الطلاب الآخرين وعدد كبير من الأساتذة الجامعيين الأتراك. يقول هلال وهو طالب في جامعة غازي عنتاب: "لم أستطع تعديل موادي، واضطرت إلى دراسة الاقتصاد منذ البداية بعدما كنت في سنتي الأخيرة في جامعة حلب". يضيف: "عندما كنّا ندرس اللغة التركية في الجامعة، قدّمنا شكاوى عدّة للجامعة، حول عدم قدرتنا على فهم مدرّسة اللغة، من دون أيّة استجابة. وعندما توقفنا عن دخول الفصل، عيّنت الإدارة خريجاً جديداً لتعليمنا، كان أسوأ من المدرّسة السابقة". ويتابع: "يتعاملون معنا أحياناً من منظور فوقي، كأنّ ما نحصل عيه هو إحسان منهم. أنا أسدّد أقساطي الجامعية، ولم أتلقّ أيّة مساعدة مالية من أحد. ربما عدم معرفتنا باللغة التركية هو الحاجز في التواصل". يقاطعه عبد الوهاب، زميله في الكلية، قائلاً: "لا أظنّ ذلك. أنا أتحدّث التركية بطلاقة، مذ كنت في السنة الثانية في كلية الهندسة. لكننا نعاني من أزمات في التعامل مع الطلاب الأتراك. لديهم فكرة بأننا نسرق مقاعدهم الدراسية، على الرغم من أنّ هذا ليس حقيقياً. نحن لا ننافسهم، لكلّ منا مفاضلته الخاصة". أمّا محمد، وهو طالب إعلام في جامعة مرسين، فيقول: "تختلف العنصرية تجاه السوريين باختلاف الخلفية المذهبية والدينية والسياسية للطالب التركي. نجد ترحيباً كبيراً من قبل أنصار حزب العدالة والتنمية والمتديّنين عموماً، لكننا نواجه تمييزاً من قبل بعض الطلاب والأساتذة المنتمين إلى أحزاب المعارضة التركية أو إلى الأقليات المذهبية والقومية في تركيا". ويستدرك أنّ "التعميم أمر خاطئ، الأمور تختلف من شخص إلى آخر"، مضيفاً "كلما أتقن السوري اللغة التركية، لاقى ترحاباً أكبر، وهذا ما يغفله سوريون كثر".