عندما أدرك الموت حُلم "براء"!

10 سبتمبر 2015
"براء"رفيق آخر ذو طفولة محببة يذهب دون رجعة(مواقع التواصل)
+ الخط -
نحن الشباب المتعبين بأحلامنا الهاربة، وأمنياتنا المؤجلة، وثوراتنا الضائعة، لا يمرّ يوم إلّا ونشيّع رفاقنا الواحد تلو الآخر؛ رفقاء الميدان الراحلين بسلاسة وصمت، التاركين وراءهم الفاجعة تأكل قلوبنا وتلوك أكبادنا صدمةً وألماً.


جيلنا الذي كُتب عليه منذ الأزل أن يقف في طوابير وصفوف طويلة أمام مشارح بلاده ينتظر استلام جثامين رفاقه، الذين قُتلوا بأيادي القناصة تارةً أو تعذيباً في المعتقلات وأقسام الشرطة تارةً ثانية أو قهراً وكمداً من واقع بلادهم تارة أخرى، كُتب عليه أن يقف في سرادقات العزاء مودعاً ومعزياً ومتلقياً العزاء في رفاق ثورته وحلمه!

"براء أشرف" رفيق آخر ذو طفولة محببة يذهب دون رجعة، رغم الطاقة والحيوية والآمال العريضة التي تسيطر على كيانه الثلاثيني، إلّا أن الوجع أكل قلبه فتوقف، القهر والظلم أرهقاه كما يرهقاننا ألف مرة في اليوم، وحب الوطن أنهكه كما أنهك جيلنا المتمرد الحبيس..

قال "براء" في تدوينة له على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" بتاريخ 7 أغسطس/ آب المنصرم: "أنا مقهور يا مصر.. حابب بس أقولك المعلومة دي بمناسبة إنك بتفرحي النهاردة زي ما بيقولوا.. مقهور منك وبسببك، مقهور عليكي..".

"براء"، رغم انطلاقاته المتسارعة، ورغم أحلامه وطموحاته المتصارعة مع الزمن، رغم إبداعاته ونجاحاته، لم يستطع أن يتغاضى عن قبح واقعنا الذي يزداد قتامة وألماً فمات كمداً، وفي جعبته ما لم ينهه بعد، هكذا جيلنا يرحل في متوالية سريعة وأحلامه لم تكتمل بعد، تبقى معلقةً للأجيال القادمة أو للأشباح!

"براء"، رغم قهر الوطن له، عاد إليه ليموت بين ترابه وسمائه، بين اعتصاره وعدم استيعابه له، بين تناقضاته المتخمة وتشابهات أحداثه، ووسط دهشة أصدقائه وصدمتهم لهذا الرحيل المفاجئ في انتظار أن يخرج عليهم ويمازحهم بخفةٍ ومرحٍ، لكنه لم يفعل.. رحل فقط!

جيلنا الذي قررّ يوماً أن يكون حلمه المشروع حقوقه وثورته، أن يكون عدالته وكرامته وحريته، تلقّى الضربات الموجعة من كل حدبٍ وصوب لأنه تجرأ فقط على الحلم، فراح يسقط خذلاناً وحسرةً، فسقطت "زينب مهدى"، و"باسم صبري"، والآن "براء" وغيرهم سقط، وغيرهم سيسقط، وبدأ فرط عقد الجيل، ربما نسقط جميعاً كي يحيا الجيل الذي يلينا أكثر قوةً وصلابة.. ربما نسقط الآن كي تحيا الثورة غداً.

المراقب لجيلنا، ورغم ما نكابده كي نحيا بأحلامنا، يرى أننا ما زلنا نعيش على الأمل، لا زلنا نتنفسه مع كل شهقة وزفرة هواء، ما زال هو نخاعنا الشوكي للحركة والمقاومة والمثابرة، وما زال يضرب جذوره فينا رغم الإحباط واليأس اللذين يكفّنان مشاهدنا اليومية بامتياز، ربما خلق الله الإنسان من النسيان لكنه تعالى شكّله بالأمل.

لذا فإن "براء" وضع أمله وآماله الجمة في ابنتيه الصغيرتين "مليكة" و"كرمة"، كانت حواراته مع "مليكة" تُنبئ بذلك، فهما مستقبله الذي لم يعش منه سوى ثلاثين عاماً، وهما حلمه الذي يحققه باستمرارهما، وهما ثورته رغم كل شيء على أوضاع بلاد، هما التأريخ للحظات الماضية والحاضرة والآتية، هما هو بطريقة أو بأخرى مع ضحكته وطفولته وبراءته.

براء صاحب أول هتاف في الثورة "تحيا مصر" يوم 25 يناير.. رحل عن عالمنا فجأة دون سابق إنذار.

اليوم نعزي أنفسنا في كاتب من كتاب "ملحق جيل" كانت له بصمة في كتاباته.. نعزي جيلنا الذي كتب عليه منذ يناير أن يقف في طوابير الموت. جيل الحلم، يدرك الموت حلمه!

سلام عليك وإليك يا براء

راسلونا على: Jeel@alaraby.co.uk
دلالات