عندما يلين الحديد بين أنامل تونسية

23 ابريل 2015
68F219DC-02B4-4095-BD1C-BC6766375F2F
+ الخط -
في شارع الورود، في حي النصر، شمالي العاصمة تونس، تنتشر محلات بيع الورود والزهور بأشكالها المتنوعة، إضافة إلى تماثيل بأسلاك حديدية لحيوانات وأشخاص وحدائق بنماذج فنية مختلفة، ونباتات وشجيرات تم تقليمها بطريقة إبداعية لتشكل صوراً متنوعة تحاكي الحياة بتفاصيلها الدقيقة.
أمام أحد هذه المحلات تستوقف المارة مجسمات حيوانات مختلفة، وتصاميم شخصيات تحتل مكانة كبيرة على المستوى الشعبي، وأخرى لشبان منتفضين "ضد الطغيان"، بعضها صمم من الأسلاك الحديدية، وبعضها الآخر من النباتات والزهور التي تم إخراجها بروح فنية، تساير واقع الحياة.

الخمسيني "عز الدين الزاير"، يمتلك أحد هذه المحلات في شارع الورود، حوّل جزءاً منه إلى ورشة يبتدع فيها أشكالاً ومجسمات لكل ما يجول بخاطره من مواضيع تحاكي الحياة، يترك ما في يده جانباً قبل أن يسترجع أنفاسه، ويقول: "اكتشفت موهبة النحت بالأسلاك الحديدية قبل ثماني سنوات، عندما قمت بصناعة أول نماذج للحيوانات، من الأسلاك الحديدية في بيتي".

مع الوقت لاحظ الزاير، أن هناك تطوراً كبيراً في الأعمال التي أنجزها، مما حفّزه على المشاركة في أحد المعارض التي نظمتها وزارة الثقافة التونسية، عقب ثورة 14 يناير/ كانون الثاني 2011 بستة أشهر، ونالت هذه الأعمال إعجاب الفنانين التشكيليين والمقربين منه.

وفي ورشته المحاطة بالورود، يصنع الزاير بالأسلاك الحديدية أشكالاً مختلفة من الحيوانات كالأسد والحصان والجمل، أما المادة الأولية التي تصنع منها النماذج، فهي الأسلاك الحديدية ذات الجودة العالية، غير القابلة للتأثر بالرطوبة.

وبحسب الزائر، فإن أول مرحلة يمر بها النموذج، هي أخذ صورة في حجمها الطبيعي للحيوان، لتصميم مجسم له بالأسلاك الحديدية، ويستغرق وقتاً حسب حجمه، فهناك بعض الأشكال دامت أكثر من عامين، بينما لم تتجاوز نماذج أخرى مدة شهر. ويتابع الزاير: "بعد الانتهاء من التصميم من المستحسن أن يُطلى النموذج بألوان تتناسب مع المادة الأولية، وتعطيها بهجة أكثر، وخصوصاً درجات اللون الفضي المختلفة".
ولا يقتصر "الزاير" في أعماله على إنجاز مجسمات وقوالب للحيوانات فحسب، فهو يعالج مواضيع تلامس جوانب عديدة من حياة المواطن التونسي والعربي، حيث يجسد دفاعه عن القضية الفلسطينية، من خلال نماذج لشبان فلسطينيين يقذفون الجنود الإسرائيليين المدججين بأسلحتهم، بالحجارة.

هذه النماذج استلهمها الزاير مما يشاهده، يوميّاً، على شاشات التلفزيون من انتهاكات في حق الفلسطينيين. وفي هذا السياق، يقول: "إن هذه النماذج بمثابة اعتراف وتقدير للشباب المنتفض في الأراضي الفلسطينية، فرغم ما يتعرضون له من إهانات من الاحتلال الصهيوني، فقد قدموا دروساً كبيرة في النضال والدفاع عن الوطن".

ومن المجسمات التي صممها الزاير، أيضاً، شخصيتا الرجل العنكبوت "سبيدرمان" والرجل الوطواط "باتمان"، اللذان يرمزان لدى الأطفال إلى السلام والخير، إضافة إلى "الدرويش التركي" الذي يبلغ طول مجسمه حوالي 1.70 متراً، واستغرق إنجازه أكثر من أربعة أشهر.

في ركن آخر من المحل يحول هذا المصمم نباتات خضراء جامدة إلى مجسمات جميلة تنبض بالحياة، على شاكلة حيوانات مختلفة كالغزال والحصان. وبحسب الزاير يكفي أن ينجح الفنان في قولبة الشكل الذي يريده، ثم وضع النبتة في القالب وتقليمها بطريقة دقيقة، يمكن بعدها ابتداع أي شكل وإعطاء النبتات حركة حياتية.

ويضيف: "لا حدود للإبداع، ويمكن للفنان بقليل من الابتكار والإلهام، الاستفادة مما حوله وعمل أشياء غاية في الروعة والدقة". ويتراوح سعر هذه المجسمات التي توضع في الفنادق أو الساحات الخاصة  بين 10 دولارات و150 دولاراً أميركياً.
المساهمون