عن اليوم التالي في الأردن
أوضح الملك عبد الله الثاني، بوضوح شديد وبصورة قطعية، أنّ الانتخابات النيابية ستُجرى. لكن الأسئلة التي تطرح وتشغل الجميع: متى؟ فمنذ أسابيع، ينتظر الأردنيون قراراً يحسم الجدل، في الوقت الذي تتكاثر الإشاعات والتسريبات غير المؤكّدة، تارةً عن حلّ البرلمان ورحيل الحكومة، وتارةً أخرى عن التريّث إلى حين انتهاء دورته الطبيعية، بانتظار مؤشّرات الحالة الوبائية (المرتبطة بفيروس كورونا)، أو مؤشّرات الانتخابات الرئاسية الأميركية، أو حتى سيناريو ضمّ الحكومة الإسرائيلية المستوطنات والأغوار.
ثمّة حالة ضبابية، إلى الآن، تخيّم على الأجواء السياسية في عمّان، فيما يبدو أنّ الحكومة، بطبيعة الحال، دخلت في مزاج الترقب، هي الأخرى، وأصبحت في مرحلة "انعدام الوزن"، بينما تستقر القناعة لدى أعضاء مجلس النواب الحالي بأنّهم لن يعودوا إلى قبّة البرلمان، حتى لو طال عمر المجلس، فتحولوا إلى التحضير للانتخابات منذ اليوم.
في ظل تحدّيات داخلية وخارجية كبيرة، من الضروري أن ينقشع الضباب في أقرب وقت، وأن يخرج الجميع من هذه الحالة، والأفضل في كل الأحوال عقد الانتخابات وتجديد الدماء في الدورة السياسية، لكن السؤال المطروح والمؤرّق يتجاوز الاستحقاق الدستوري (الانتخابات النيابية) إلى الاقتصادي، في ظل مخاوف حقيقية من ارتفاع معدلات البطالة، وتجذّر للأزمتين المالية والاقتصادية، وهي المهمة الأكثر صعوبةً التي تنتظر الحكومة المقبلة، في حال صدر القرار المرتقب ورحلت الحكومة الحالية.
لذلك لا يبدو سيناريو "الحكومة المؤقتة" مثالياً، لأنّ المشكلة الكبرى التي تواجه السياسات الأردنية دائماً غياب الاستقرار في التوجهات والمشروعات الحكومية، فلا يزال المراقبون يتذكّرون كيف أنّ كل حكومة جديدة تأتي بمشروعات وتصورات تغاير السابقة، وربما تعيد الجميع إلى المربع الأول، وكأنّ المواطن يعود إلى نقطة البداية، في السياسات الاقتصادية والمالية! السبب في ذلك ضعف المدارس السياسية والاقتصادية الراسخة، المفترض أن تنعكس من خلال البرامج الحزبية أو على الأقل التيارات السياسية، بل ربما الحكومة نفسها تدخل في سياسات اقتصادية ومالية ثم تنقضها، وذلك طبيعي، لأنّ الاتجاهات الشخصية والمزاجية، وحتى التجربة، تصبح سيدة الموقف.
على الطرف المقابل، لا يبدو الوضع السياسي أفضل حالاً، فلا يلبث أي مجلس نيابي أن يُنتخب ويأخذ النواب مواقعهم، حتى تبدأ علامات الضعف تظهر، ثم التراجع في ثقة الشارع، وصولاً إلى فقدانها بالكلية، وهي حالةٌ مستدامةٌ تماماً منذ أعوام طويلة، لم يجتثها تغيير الحكومات أو تبدل البرلمانات.
مثل هذا الوضع يمكن أن يطلق عليه باختصار "استدامة الأزمات"، لأنّ النظريات السائدة التقليدية في إدارة السياسات الوطنية لم تتغيّر، فمن الطبيعي أن تأتي بالنتائج نفسها. الأسوأ من ذلك أنّ هنالك استهلاكا واضحا في النخب الرسمية، وغياب لمفهوم "رجال الدولة" الذين يملكون وزناً سياسياً ثقيلاً، وتغليب الجوانب التكنوقراطية على السياسية عموماً.
سؤال المليون اليوم: ما الذي سيتغيّر في اليوم التالي للانتخابات النيابية المقبلة؟ هل ستفرز للأردنيين مجلساً نيابياً يخرج من الدور الرتيب الذي صارت إليه الحياة النيابية، ويقوم بمهماته الدستورية والرقابية، ويبتعد عن العلاقة الكارثية التي أرهقت الجميع، في تحوّله إلى برلمان خدماتي، تقوم علاقته مع الحكومات على سياسات الاسترضاء والمصالح المتبادلة؟ وهل ستأتي حكوماتٌ تحظى فعلاً بثقة البرلمان من دون تدخلات، وتحمل على عاتقها المسؤولية الكاملة عن برامجها السياسية والاقتصادية، وتكون قادرةً على أن تملأ المربعات السياسية؟
إذا كان الجواب: نعم، فما هي التصورات للوصول إلى ذلك. أمّا إذا كان لا، فلماذا نجري الانتخابات، ونغير البرلمانات والحكومات، ما دامت النتيجة هي نفسها من استدامة الأزمات والثقة المتذبذبة في الحكومات. ألم يئن الأوان لتقييم موضوعي وعميق للمعادلات الحالية، فيما إذا كانت فعلاً تخدم الاستقرار السياسي، أو كانت قادرةً على تمتين الجبهة الداخلية، لتكون سدّاً منيعاً في مواجهة التحولات الكبرى التي تحدث في المنطقة حولنا؟
وللمرة الألف ليس المطلوب قفزةً في المجهول أو مغامرة غير محسومة النتائج، لكن أن نتعلّم من الدروس الداخلية والمحيطة، كي نطوّر نظرية توافقية لإدارة المرحلة المقبلة تحجّم حالة الضبابية التي أصبحت وكأنّها الأمر الواقع.