في موقف فرنسي متماهٍ مع السياسة الأميركية في العراق حيال الأزمة السياسية والأمنية التي تعصف بالبلاد، طالب وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، بتشكيل حكومة جديدة في البلاد يشعر جميع العراقيين أنّهم ممثَلون فيها.
وأجرى وزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس زيارة سريعة، صباح اليوم الأحد، إلى بغداد، استغرقت ثلاث ساعات، على رأس وفد رفيع ضم مسؤولين عسكريين وأمنيين وممثلي منظمات إغاثة إنسانية فرنسية، بالتزامن مع انعقاد جلسة البرلمان الخاصة بتسمية رئيس جديد للحكومة. والتقى فابيوس خلال محطته في بغداد، رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي، إضافة إلى عدد من القادة السياسيين والمسؤولين الحكوميين.
وجدّد الضيف الفرنسي خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نائب رئيس الوزراء حسين الشهرستاني، عقب لقائه المالكي، التأكيد على حاجة العراق إلى تشكيل حكومة وطنية جديدة للبلاد. وأوضح فابيوس أنّ "فرنسا ترى أن العراق بحاجة إلى حكومة وحدة وطنية تشمل جميع مكوّناته، ويشعر جميع العراقيين أنّهم ممثَلون في تلك الحكومة، ولا تقصي أحداً، وأنها تمثلهم بشكل حقيقي، وتقف على متطلبات الجميع".
وأضاف فابيوس أنّ "العراق يواجه أزمة أمنية، وعلى المجتمع الدولي الإسراع في تقديم مساعدات له، خاصة وأنّ الأقليات في شمالي البلاد تعاني من ظروف صعبة"، معللاً سبب زيارته إلى العراق بالقول، "سأشرف على توزيع المساعدات على النازحين في إقليم كردستان، وسألتقي المسؤولين الكرد هناك". وبيّن أنّ "فرنسا اقترحت على مجلس الأمن الدولي عقد جلسة طارئة بشأن الأوضاع الإنسانية والأمنية في العراق، وقد وافق على ذلك".
واستدرك الضيف الفرنسي "لا أريد التدخل في الشؤون الداخلية العراقية، لكن العراق الآن بحاجة ماسة إلى حكومة وحدة واسعة جداً، لتخطي الأوضاع التي يمرّ بها حالياً، وتفادي خطر الإرهاب".
وأنهى نائب رئيس الوزراء العراقي، حسين الشهرستاني، المؤتمر بالاعتذار من الصحافيين عن عدم إمكانية الإجابة على أسئلة الصحافيين، لارتباط الوزير الفرنسي بالتوجّه إلى أماكن النازحين في مناطق شمالي العراق.
وصاحبت زيارة فابيوس إجراءات أمنية مشدّدة، وقطع غالبية الطرق المؤدية إلى المنطقة الخضراء، فيما شوهد انتشار كثيف لقوات الجيش وتحليق مكثف لمروحيات تابعة لسلاح الجوّ العراقي. وقالت وزارة الخارجية الفرنسية إن "فابيوس يزور أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، للقاء رئيس الإقليم مسعود بارزاني"، مؤكدة أنّ "فرنسا ستقدم شحنات أولى من المساعدات لتلبية الاحتياجات الأساسية للنازحين".
وذكر مصدر رفيع في وزارة الخارجية العراقية لـ"العربي الجديد"، أن "فابيوس التقى عدداً من القادة العراقيين، وفي مقدّمتهم المالكي، فيما وجه رسائل خطية لآخرين لم يسهم الوقت في لقائهم".
وأضاف المصدر الذي رفض الكشف عن هويته، أنّ "فابيوس أبلغ المالكي خلال الاجتماع الذي عُقد بين الجانبين في مقرّ الأخير، في المنطقة الخضراء، بضرورة تشكيل حكومة وطنية جديدة، تحظى بقبول الأكراد والعرب السنة، وتنهي الأزمة السياسية كي يتمكن العالم من مساعدة العراق في أزمته الأمنية". وأشار إلى أنّ فابيوس أبلغ المالكي أن "فرنسا تتفق مع الموقف الأميركي حيال أزمة العراق".
وأكّد فابيوس للمالكي، بحسب المصدر نفسه، أنّ العراق يحتاج إلى "حكومة وطنية جديدة، يكون السنة والأكراد داعمين لها، كي يحظى بمساعدة عسكرية سريعة كفيلة بالتصدّي لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)".
وشدّد فابيوس على أنّ "أزمة العراق الأمنية جزء منها سياسي بحت، ولا يمكن معالجة الإرهاب الحالي، إلا بحكومة مكتملة الشروط"، في إشارة إلى مسلّحي العشائر والفصائل المسلّحة المعارضة للمالكي.
من جهته، اعتبر القيادي في التيار الصدري، حسين البصري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "القوى الغربية تجد في المالكي حجر عثرة في الساحة العراقية، خاصة في مجال تدخلها للقضاء على التنظيم المتطرّف".
وأوضح البصري أنّ "الغرب يشعر بقلق كبير من تنامي تنظيم "الدولة الإسلامية"، لكنّه يعتبر أن تدخله حالياً، بوجود المالكي، غير مجدٍ، في ظل الرفض الشعبي له، واتساع رقعة حمل السلاح ضدّه في شمال وغرب العراق".
وأضاف أنّ "المالكي وصلته الرسالة جيداً، وفهمها، وسيكون عليه إثبات انتمائه إلى الوطن بتركه المنصب سريعاً، أو أنه سيرضى باستمرار نزيف الدم في البلاد، خاصة وأنه لم ينجح حتى الآن في تحقيق أي إنجاز أمني رغم الدعم الذي تلقاه أخيراً من المراجع الدينية والأطراف السياسية في حربه ضدّ (داعش)"، على حدّ وصفه.