19 أكتوبر 2019
فرونتاكس وحماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي
اتفقت الدول الأوروبية على إلغاء الحدود الداخلية، مقابل تدعيم حماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي ومراقبتها. وتبنت جملة من التدابير، عُرفت بالإجراءات التعويضية، في إطار فضاء شينغن للتنقل الحر للأشخاص داخل الأراضي الأوروبية. وبذلك، اكتملت عملية التنقل داخل الاتحاد، من خلال ما صار يُعرف بالحريات الأربع: حرية تنقل البضائع، حرية الخدمات، حرية رؤوس الأموال وحرية تنقل الأشخاص. وتهدف الإجراءات التعويضية إلى تشديد المراقبة على الحدود الخارجية، حفاظاً على السلامة والأمن في "فضاء الحرية والأمن والعدالة" (أراضي الاتحاد الأوروبي). واعتبرت الدول الأعضاء استراتيجية الاتحاد الأوروبي المندمجة لتسيير تدفقات المهاجرين ملازماً أساسياً لحرية تنقل الأشخاص في الأراضي الأوروبية، بمعنى تأمين هذا التنقل مكسباً أساسياً من مكاسب شينغن الذي يقتضي حماية محكمة للحدود الخارجية في مواجهة المهاجرين، لاسيما غير الشرعيين.
وتهدف الاستراتيجية الأوروبية المندمجة لتسيير الحدود إلى الإدارة المحكمة والفعالة لعبور الحدود الخارجية للاتحاد، حتى تواجه تحديات الهجرة والتهديدات المحتملة العابرة للحدود، وبالتالي ضمان حدٍّ أعلى من الأمن الداخلي في الاتحاد الأوروبي. ولتنفيذ هذه الاستراتيجية، أنشأ الاتحاد الأوروبي عدة وكالات متخصصة، منها فرونتاكس (الوكالة الأوروبية للتسيير العملياتي للحدود الخارجية)، والتي تم إنشاؤها عام 2004. مهمتها تنسيق التعاون بين دول الاتحاد في مجال حماية الحدود الخارجية ومراقبتها ومحاربة الهجرة، وذلك بتقديم الدعم التقني والعملياتي للدول الأعضاء، وبتنسيق عملياتها على الحدود، أو بتنظيم وقيادة عمليات على الحدود (عمليات حماية الحدود في وجه تدفق المهاجرين). وقد نسقت فرونتاكس و/أو نظمت وقادت عملياتٍ عديدة لحماية الحدود ومحاربة الهجرة بعضها على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، وبعضها في المياه الدولية، وبعضها الآخر في المياه الإقليمية لدول غير أعضاء في الاتحاد الأوروبي، هي مصدر و/أو منطقة عبور للمهاجرين، تربطها اتفاقات ثنائية مع دول أوروبية أو "اتفاقات عمل" مع فرونتاكس.
تم تعديل القانون الـتأسيسي لفرونتاكس أكثر من مرة، استجابة لتطورات الهجرة في المنطقة،
لاسيما في سياق أحداث الربيع العربي، وضرورات تدعيم عملها وأدائها لحماية الحدود الأوروبية الخارجية، إلا أن أهم تعديل لمهامها تم في سبتمبر/ أيلول 2016، لما قرّر الاتحاد الأوروبي توسيع صلاحياتها، ودعم قدراتها المالية، والبعد الخاص بالحقوق الأساسية لتدعيم أدائها، بعد أن شهد الاتحاد الأوروبي أكبر أزمة هجرة ولجوء منذ تأسيسه، من حيث عدد المهاجرين واللاجئين الذي عبروا حدوده، وفي ظرف زمني قياسي، بسبب الحرب في السورية بالأساس.
ويندرج عمل فرونتاكس ضمن إستراتيجيةٍ أوروبيةٍ تقوم على مكافحة الهجرة عن بعد، تفادياً لوصول المهاجرين واللاجئين إلى الأراضي الأوروبية، وذلك بنقل آليات التحكم فيها ومراقبتها إلى تراب دول أخرى (غير أعضاء)، وجعل الأخيرة تتحمل جزءاً، إن لم نقل كل المسؤولية في هذا المجال، بانخراطها في عملية مناولة أمنية لصالح الاتحاد الأوروبي، مقابل مساعدات مالية واتفاقات شراكة اقتصادية. وتقوم الإستراتيجية الأوروبية على فرضيةٍ، مفادها بأن الذين يصلون إلى الأراضي الأوروبية يصعب ترحيلهم إلى أوطانهم، بينما الذين يبقون في الدول المجاورة لبلدانهم، أو في دول العبور، تكون إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية سهلة. لذا، يدعم الاتحاد الأوروبي فرونتاكس لأداء مهامها على المستويات الثلاثة، لاسيما الثاني (محاربة الهجرة في المياه الدولية باعتراض قوارب المهاجرين، قبل دخول المياه الإقليمية الدولية) والثالث (اعتراض القوارب ذاتها في المياه الإقليمية للدول الأخرى). ويندرج هذان المستويان ضمن حماية الحدود عن بعد، أي بعيداً عن الحدود الجغرافية للاتحاد الأوروبي. لذا، كثيراً ما تُستخدم عبارة جهاز التحكم عن بعد، لتوصيف الإستراتيجية الأوروبية لمراقبة الحدود وحمايتها. وإذا كانت هذه الإستراتيجية تهدف إلى تطبيق القانون الأوروبي في مجال العبور غير القانوني للحدود، فإنها تهدف عملياً في مجال اللجوء إلى عدم تطبيق القانون الأوروبي، فلما تعترض وحدات فرونتاكس لاجئين بعيداً عن التراب الأوروبي، فهي بالتالي تمنعهم من الوصول إلى الأراضي الأوروبية، وتقديم طلب اللجوء.
والمفارقة أن مهمة فرونتاكس ليست إنقاذ المهاجرين واللاجئين المهدّدين بالغرق في البحر،
وإنما منعهم من الوصول إلى الأراضي الأوروبية، لكنها تُنتقد على ذلك من منظمات إنسانية غير حكومية. وتجد هذه الوكالة الأوروبية لتسيير الحدود الخارجية نفسها بين السندان والمطرقة أوروبياً، فبعض نواب البرلمان الأوروبي يقولون إن عملها يفتقر لغطاء قانوني واضح، خصوصاً أن مهمتها لا تخضع للرقابة البرلمانية، وأنها تتعامل، عبر اتفاقات عمل، مع دولٍ لا تحترم حقوق الإنسان، بينما يقول آخرون من النواب الأوروبيين أنها لا تؤدي مهامها كما ينبغي، وأنها تتسامح مع المهاجرين، على الرغم من أنها مكلفة بحماية الحدود الأوروبية.
وهناك أيضاً تبادل للتهم بين فرونتاكس والمنظمات غير الحكومة الأوروبية، فالأخيرة تعيب عليها عدم شفافيتها وتعريضها المهاجرين واللاجئين للخطر في عرض البحر وسوء معاملتهم وممارسة الاعتراض غير المشروع، لاسيما في حق اللاجئين، وتسليمهم لسلطات دولٍ لا تحترم حقوق الإنسان، وتفتقر إلى أطر قانونية في مجال اللجوء. أما فرونتاكس فتقول إنها تحترم مهامها، وتتهم بدورها هذه المنظمات غير الحكومية، بإعطاء معلومات لقوارب المهاجرين عن المسارات الواجب اتباعها في البحر، حتى تصل إلى سفن هذه المنظمات المبحرة في المياه الدولية. وتتهم فرونتاكس ودول أوروبية (ألمانيا، فرنسا...) منظمات إنسانية غير حكومية أوروبية بتشجيع الهجرة، من خلال عملها الإنقاذي في البحر، ما يدعم عمليا، حسبها، شبكات تهريب المهاجرين. وبالتالي، مصادر تمويلهم. أما هذه المنظمات فترد قائلةً إن فشل فرونتاكس في تخفيض عدد الموتى في البحر هو الذي دفعها إلى التدخل للحد من ذلك، وأن العمل الإنساني ليس سبباً لأزمة المهاجرين واللاجئين، وإنما استجابة لها.
ومحاولةً للرد على النقائص القانونية لمهام فرونتاكس، وتدعيم البعد الخاص بالحقوق الأساسية، تم تدعيم (من خلال التعديل الجديد) مهام المنتدى الاستشاري لفرونتاكس وضابطها للحقوق الأساسية. كما شدّد التعديل على ضرورة التزام فرونتاكس والدول الأعضاء بالقانون الأوروبي، وبالميثاق الأوروبي للحقوق الأساسية، وكذلك بالقانون الدولي. إلا أن هذه الضمانات القانونية الجديدة التي جاء بها التعديل (سبتمبر/ أيلول 2016) قد لا تحد من الجدل حول طبيعة (وإشكالية الإطار القانوني) مهام فرونتاكس، نظراً لغياب الشفافية وصعوبة التأكد من العمل بالضمانات القانونية الجديدة في أعالي البحار (المياه الدولية) وفي المياه الإقليمية للدول (غير الأعضاء) التي لا تستجيب للمعايير الديمقراطية المطلوبة.
وتهدف الاستراتيجية الأوروبية المندمجة لتسيير الحدود إلى الإدارة المحكمة والفعالة لعبور الحدود الخارجية للاتحاد، حتى تواجه تحديات الهجرة والتهديدات المحتملة العابرة للحدود، وبالتالي ضمان حدٍّ أعلى من الأمن الداخلي في الاتحاد الأوروبي. ولتنفيذ هذه الاستراتيجية، أنشأ الاتحاد الأوروبي عدة وكالات متخصصة، منها فرونتاكس (الوكالة الأوروبية للتسيير العملياتي للحدود الخارجية)، والتي تم إنشاؤها عام 2004. مهمتها تنسيق التعاون بين دول الاتحاد في مجال حماية الحدود الخارجية ومراقبتها ومحاربة الهجرة، وذلك بتقديم الدعم التقني والعملياتي للدول الأعضاء، وبتنسيق عملياتها على الحدود، أو بتنظيم وقيادة عمليات على الحدود (عمليات حماية الحدود في وجه تدفق المهاجرين). وقد نسقت فرونتاكس و/أو نظمت وقادت عملياتٍ عديدة لحماية الحدود ومحاربة الهجرة بعضها على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، وبعضها في المياه الدولية، وبعضها الآخر في المياه الإقليمية لدول غير أعضاء في الاتحاد الأوروبي، هي مصدر و/أو منطقة عبور للمهاجرين، تربطها اتفاقات ثنائية مع دول أوروبية أو "اتفاقات عمل" مع فرونتاكس.
تم تعديل القانون الـتأسيسي لفرونتاكس أكثر من مرة، استجابة لتطورات الهجرة في المنطقة،
ويندرج عمل فرونتاكس ضمن إستراتيجيةٍ أوروبيةٍ تقوم على مكافحة الهجرة عن بعد، تفادياً لوصول المهاجرين واللاجئين إلى الأراضي الأوروبية، وذلك بنقل آليات التحكم فيها ومراقبتها إلى تراب دول أخرى (غير أعضاء)، وجعل الأخيرة تتحمل جزءاً، إن لم نقل كل المسؤولية في هذا المجال، بانخراطها في عملية مناولة أمنية لصالح الاتحاد الأوروبي، مقابل مساعدات مالية واتفاقات شراكة اقتصادية. وتقوم الإستراتيجية الأوروبية على فرضيةٍ، مفادها بأن الذين يصلون إلى الأراضي الأوروبية يصعب ترحيلهم إلى أوطانهم، بينما الذين يبقون في الدول المجاورة لبلدانهم، أو في دول العبور، تكون إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية سهلة. لذا، يدعم الاتحاد الأوروبي فرونتاكس لأداء مهامها على المستويات الثلاثة، لاسيما الثاني (محاربة الهجرة في المياه الدولية باعتراض قوارب المهاجرين، قبل دخول المياه الإقليمية الدولية) والثالث (اعتراض القوارب ذاتها في المياه الإقليمية للدول الأخرى). ويندرج هذان المستويان ضمن حماية الحدود عن بعد، أي بعيداً عن الحدود الجغرافية للاتحاد الأوروبي. لذا، كثيراً ما تُستخدم عبارة جهاز التحكم عن بعد، لتوصيف الإستراتيجية الأوروبية لمراقبة الحدود وحمايتها. وإذا كانت هذه الإستراتيجية تهدف إلى تطبيق القانون الأوروبي في مجال العبور غير القانوني للحدود، فإنها تهدف عملياً في مجال اللجوء إلى عدم تطبيق القانون الأوروبي، فلما تعترض وحدات فرونتاكس لاجئين بعيداً عن التراب الأوروبي، فهي بالتالي تمنعهم من الوصول إلى الأراضي الأوروبية، وتقديم طلب اللجوء.
والمفارقة أن مهمة فرونتاكس ليست إنقاذ المهاجرين واللاجئين المهدّدين بالغرق في البحر،
وهناك أيضاً تبادل للتهم بين فرونتاكس والمنظمات غير الحكومة الأوروبية، فالأخيرة تعيب عليها عدم شفافيتها وتعريضها المهاجرين واللاجئين للخطر في عرض البحر وسوء معاملتهم وممارسة الاعتراض غير المشروع، لاسيما في حق اللاجئين، وتسليمهم لسلطات دولٍ لا تحترم حقوق الإنسان، وتفتقر إلى أطر قانونية في مجال اللجوء. أما فرونتاكس فتقول إنها تحترم مهامها، وتتهم بدورها هذه المنظمات غير الحكومية، بإعطاء معلومات لقوارب المهاجرين عن المسارات الواجب اتباعها في البحر، حتى تصل إلى سفن هذه المنظمات المبحرة في المياه الدولية. وتتهم فرونتاكس ودول أوروبية (ألمانيا، فرنسا...) منظمات إنسانية غير حكومية أوروبية بتشجيع الهجرة، من خلال عملها الإنقاذي في البحر، ما يدعم عمليا، حسبها، شبكات تهريب المهاجرين. وبالتالي، مصادر تمويلهم. أما هذه المنظمات فترد قائلةً إن فشل فرونتاكس في تخفيض عدد الموتى في البحر هو الذي دفعها إلى التدخل للحد من ذلك، وأن العمل الإنساني ليس سبباً لأزمة المهاجرين واللاجئين، وإنما استجابة لها.
ومحاولةً للرد على النقائص القانونية لمهام فرونتاكس، وتدعيم البعد الخاص بالحقوق الأساسية، تم تدعيم (من خلال التعديل الجديد) مهام المنتدى الاستشاري لفرونتاكس وضابطها للحقوق الأساسية. كما شدّد التعديل على ضرورة التزام فرونتاكس والدول الأعضاء بالقانون الأوروبي، وبالميثاق الأوروبي للحقوق الأساسية، وكذلك بالقانون الدولي. إلا أن هذه الضمانات القانونية الجديدة التي جاء بها التعديل (سبتمبر/ أيلول 2016) قد لا تحد من الجدل حول طبيعة (وإشكالية الإطار القانوني) مهام فرونتاكس، نظراً لغياب الشفافية وصعوبة التأكد من العمل بالضمانات القانونية الجديدة في أعالي البحار (المياه الدولية) وفي المياه الإقليمية للدول (غير الأعضاء) التي لا تستجيب للمعايير الديمقراطية المطلوبة.