ثمة مسكوتٌ عنه في حياة المثقفين العرب اللاجئين إلى أوروبا: الكآبة. نوبات قد تطول أو تقصر، إنما لا ضمانات بعدم عودتها في دورة جديدة، ربما تكون أقسى وأكثف.
في البداية، يكون المثقف غير مصدق أنه وصل "قارّة الأحلام" التي قرأ عنها طويلاً. يفتنه الجديد المختلف، إلى درجة الدخول في حالةٍ من انعدام الوزن.
ثم رويداً رويداً، يبدأ الوجه الحقيقي للمنفى في التكشّف. حينها، ينبثق شبحُ الفشل المرعب ليطارد هذا المثقف، تماماً كما يحدث مع مواطنيه المهاجرين العاديين (فيمنعهم عن العودة)، ولا يكون المهرب عند الجميع إلا بالمكابرة. تسأله عن حاله، فيقول بخير. وكثير منهم يظل على عواهن خيره، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
أما بعضهم، فيقول حقيقته شفاهةً لكنه لا يكتبها. وفي الحالين، هناك تواطؤ ضمني بينهم، فحواه أنهم محسودون من زملائهم المقهورين هناك، ويتمتعون بامتيازات لا يجرؤ على الحلم بها أولئك الغلابا، لذا لا يجوز تحبير حقيقتهم ونشرها، فهذا يعني أنهم فشلوا شخصياً، وهو أمر أشبه بالعار.
هنا يتساوي المثقفون مع مواطنيهم اللاجئين العاديين وقد سكن كليهما هاجسُ الفشل.
فإذا كانت الثقافة في جانب من جوانبها تعني: التجاوز، فإن هؤلاء يكونون قد أخفقوا في امتحان الثقافة أيضاً.
أما الكآبة الوافدة، فهي ليست سوى عرض من أعراض سندرُم اسمه: فقدان المعنى، قد يدري به هؤلاء المثقفون وقد لا يدرون!
* شاعر فلسطيني مقيم في برشلونة