فلنهدم الجدار

12 نوفمبر 2014
تتبادلان الطفل عند حدود الألمانيتين (Berlin Wall Memorial)
+ الخط -

تحتفل ألمانيا، وخلفها العالم كلّه، هذه الأيام، بالذكرى الـ25 لسقوط جدار برلين (9 نوفمبر/تشرين الثاني 1989). تعود الصور إلى الذاكرة بشكلٍ متسارع. أكثر صورة رسخت في الذهن هي لسيدتين تتبادلان طفلاً عبر الأسلاك الشائكة، التي كانت اللبنة الأولى لهذا الجدار.

بذلت حكومة ألمانيا الشرقية كثيراً من الجهد على مدى سنين لتطوير هذا الجدار، الذي تحول إلى منطقة عازلة بين "الألمانيتين". زرعت الألغام، ونصبت سياجاً يحمل جهاز إنذار، ووضعت بنادق آلية تطلق النار تلقائياً على أي هارب، ثم بنت الجدار. سقط 136 ألمانياً ضحية "حلم" الانتقال من ألمانيا الشرقية إلى ألمانيا الغربيّة.

بنت حكومة ألمانيا الشرقية الجدار، بضغط سوفييتي، لمنع إفراغ مناطقها من المواطنين الذين انتقلوا يوماً بعد آخر، بحثاً عن مساحة حرية أكبر. لم تكن ألمانيا الشرقية واحدةً من الدول "الفقيرة" أو التي لا تُقدم الخدمات لمواطنيها، بل إن خدماتها كانت أفضل بكثير من الخدمات التي تُقدّم في العديد من البلدان العربية. السبب الأول "للنزوح" منها، كان سبباً سياسياً، وللهروب من النظام الأمني القمعي الذي أنشأته حكومتها بدعم وإشراف سوفييتيين.

لم يصمد الجدار أكثر من ثلاثين عاماً. انهار تحت ضربات الرغبة في الحريّة. انهار تحت ضربات الشبان. أُرسلت عينات منه إلى الكثير من البلدان، للتذكير به وبالمعاناة التي صنعها. انهار ليكون مدخلا إلى انهيار المنظومة السوفييتيّة، بكل ما مثّلته من نظام استبدادي وأمني.
بالتزامن مع ذكرى الانهيار هذه، كانت مجموعة من الشبان الفلسطينيين، يفتحون كوة في الجدار العنصري الذي بنته سلطات الاحتلال. بهدوء، يحمل هؤلاء "مطرقة" ويضربون الجدار ضربة بعد أخرى إلى أن يُكسر. لكنّ أحداً لم يحتفل بهم سوى قلّة من الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي.

بالتزامن مع هذه الذكرى، مع ما تمثّله، تعتقل السلطات الأمنيّة المصريّة طالباً، بحجة أنه يمتلك بين أغراضه رواية "1984" لجورج أورويل. وهذا مضافاً إلى النظام الأمني الذي تسعى السلطات إلى إعادة تركيبه. وفي لبنان هناك من كرس نظاماً استبدادياً يحكمه "ليو جيرغا" سداسيّة، وتسانده سلطة أمنية رسميّة وغير رسميّة تعتقل وتقمع بدون سؤال.

بعد خمسة وعشرين عاماً على انهيار جدار برلين، لا تزال أنظمتنا والسلطات الحاكمة تبني جدراناً لتبعدنا عن حرياتنا وتمنعنا من التواصل. لا يُمكن أن نتجاوز هنا، أن هناك أناسا بيننا يبنون هذه الجدران. خرج بعضنا لهدم الجدار، لكن الكوة الأساس فُتحت في تونس. نحتاج إلى "مطرقة" أكبر ولمزيد من الضربات.

المساهمون