في الأزمة المستدامة .. الدولة الأردنية والإخوان
هل، فعلاً، وصلت الأزمة بين مؤسسات الدولة، في الأردن، وجماعة الإخوان المسلمين الأمّ (لأنّ هنالك جمعية تم تأسيسها في العام 2015 أخذت اسم الإخوان المسلمين في السجلات الرسمية الحكومية) إلى مرحلة حافّة الهاوية؟ أو اللارجعة؟. إذا كان المقصود بذلك أن يتم الإعلان أنّ الجماعة إرهابية وتجريمها واعتبار أعضائها ينتسبون لتنظيم غير مشروع، كما هي عليه الحال في دول عربية عديدة بعد 2013، فالجواب: لا، على الرغم من أنّ الفصل الجديد من الأزمة يغازل تلك السياسات الإقليمية، ويتقارب معها، ولكنه لا يصل إليها.
صعّدت الدولة، في الأيام القليلة الماضية، من الخطاب الإعلامي والتسريبات التي تتهم الإخوان المسلمين باستغلال نقابة المعلّمين لأهدافهم الخاصة. وعملت الماكينة الإعلامية على قولبة الأزمة بين الدولة والمعلمين بوصفه معركة مع "الإخوان". وقبل ذلك كانت محكمة التمييز تصدر حكماً بردّ قرار محكمة الاستئناف، القاضي بإعادة أموال لجماعة الإخوان، وتصف حيثيات قرار التمييز الجماعة بأنّها فاقدة للأهلية القانونية.
ومن الواضح أننا في فصلٍ جديدٍ في الأزمة المستدامة بين الدولة والجماعة، وهي أزمة تعود إلى ثلاثة عقود، منذ الانتخابات النيابية 1989، التي أظهرت تحوّلاً جوهرياً في المعادلة الداخلية، أسفر عن تكريس الجماعة بوصفها الحزب الأكبر في المعارضة والشارع، وتراجع التيارات اليسارية والقومية، ولكن إرث العلاقة بين الملك الراحل الحسين بن طلال وقيادات معتدلة في الجماعة ظلّ يمثّل دوماً قنوات خلفية لتبريد أي أزمات داخلية.
في عهد الملك عبدالله الثاني، منذ إرهاصات الألفية الجديدة، تعمّقت الأزمة، وتراجع زخم القنوات الخلفية، وإنْ كانت بعض المحاولات جرت في أكثر من وقت، من ذلك الاتفاق، بين تيار الحمائم 2007 ورئيس الوزراء معروف البخيت، على بعض الخطوط العريضة عشية الانتخابات النيابية، الأمر الذي تُرجم بالعكس في اليوم التالي، عندما تمّ تزوير الانتخابات النيابية بصورة سافرة، باعتراف البخيت نفسه لاحقاً، وضُرب التيار المعتدل في الجماعة، وكانت تلك الأزمة سبباً في انفجار الجماعة من الداخل لاحقاً، وخروج قياداتها بمراحل متتالية، فتأسس حزب زمزم، ثم جمعية الإخوان المسلمين المرخصة القانونية، ولاحقاً حزب الشراكة والإنقاذ، وأصبحت الغالبية العظمى من المعتدلين خارج رحم الجماعة.
كان الربيع العربي محطّة مفصلية، فالجماعة رفضت المشاركة في لجنة الحوار، ووضعت مطالب تمثّل تحولاً في طبيعة خطابها السياسي، نظرت إليه الجماعة بوصفه وسطياً، مقارنةً بالثورات التي تعصف بالمنطقة. أما مؤسسات الدولة ففسرته بأنّه أقرب إلى الانقلاب على النظام، وعلى الخطاب التقليدي للجماعة. وهكذا ساهم الربيع العربي في قطع مسافة كبيرة في تجذير الأزمة بين الطرفين، والتي أخذت تعمّق من حالة "عدم الثقة" المتبادل بين الطرفين.
لم يذهب الأردن باتجاه السياسات العربية الحليفة له (مصر، السعودية، الإمارات) في تجريم الجماعة ووصفها بالإرهاب، لكنّه عمل على سياسةٍ مزدوجة؛ من جهة إعادة هيكلة أوضاع الجماعة قانونياً وسياسياً، ومزيدٍ من الأدوات لتحجيمها في الشارع والمجتمع، والثانية تعزيز الأزمة الداخلية، ودعم المنافسين لها، الذين خرجوا من رحم الجماعة.
مع ذلك، على الرغم من التطورات الأخيرة، والشدّ الواضح في العلاقة بين الطرفين، فإنّ الوصول إلى سيناريو "أخونة الإرهاب" مستبعدٌ تماماً، وفي الوقت نفسه، العودة إلى المعادلة التقليدية، عندما كانت الجماعة تتمتع بوجود قانوني وسياسي ملحوظ أيضاً غير مطروح في أروقة الدولة، فالبديل هو الوصول إلى قواعد جديدة في العلاقة، وهي في الحالة الأردنية ليست محكومةً بالقواعد الدستورية ولا القانونية، إنّما المتغيرات السياسية الخارجية والداخلية على السواء، فهي التي تصنع مفاتيح الانقباض أو الانبساط في الأزمة.
تحاول الجماعة اليوم الخروج من رحم الأزمة، أو التخفيف من حدّتها، لكن القاعدة الصلبة في أروقة الدولة تأخذ موقفاً معادياً ومتصلباً من الجماعة. في الأثناء، تدرس في الأوساط الإخوانية سيناريوهات بديلة، لعودة الجماعة، منها الاستهداء بالنموذجين، المغربي والتونسي، بنقل الثقل الداخلي إلى حزب جبهة العمل الإسلامي، والفصل بين الدعوي والسياسي، وهي مسائل جزئية تتطلب أيضاً مراجعةً في خطاب الإخوان الدعوي والاجتماعي والسياسي أيضاً.