04 نوفمبر 2024
في سوق الحريم
المفترض منطقياً أن مصطلح العنوسة تعبير عام، ينبغي أن ينطبق على الذكور والإناث على حد سواء، ويستخدم للدلالة على بلوغ شخصٍ ما سنّاً أكبر من معدل سن الزواج المتعارف عليه في مجتمعٍ معيّن من دون زواج. غير أن العرف السائد لدينا خصّ النساءَ ممّن لم يتزوجن بهذه الصفة الأقرب إلى الشتيمة! في حين اعتبر الرجل، وفق السياق نفسه، عازباً عازفاً عن الزواج لأسباب تخصّه.
طيب، ألا يعتبر تصنيف كهذا من أشكال التمييز ضد المرأة؟ مع ضرورة الإشارة إلى أن هذا التمييز ليس لفظياً فحسب، بحيث يمكن إدراجه ضمن حماقات اللغة البريئة، ذلك أن اللغة ليست بريئة على الإطلاق، بل هي انعكاس لثقافةٍ شعبيةٍ مؤسفةٍ، لطالما تعاطت مع المرأة بشكل دوني لا يخلو من تشييء. فالمرأة ضمن منظور قاصر كهذا ليست أكثر من بضاعةٍ قابلةٍ للعرض في سوق الزواج، وهي معرّضة للتسويق والكساد، بحسب تقلّبات السوق وذائقة المستهلك ــ الرجل كونه صاحب المبادرة في اتخاذ قرار الزواج ضمن مفهوم العرض والطلب الذي يضع المرأة في خانة رد الفعل حصراً.
وقد أكدت دراسات حديثة أن عدد "العوانس" في الأردن بلغ حداً يدعو إلى القلق، وأضع المصطلح بين مليون مزدوج احتجاجاً. لكن، تظل نتائج الدراسة نفسها مرعبةً، في جميع الأحوال، ولا بد أن تطرح سؤالاً وجيهاً حول مكمن الخلل.
يحمّل بعضهم المرأة المسؤولية بسبب كثرة متطلباتها، ويعزو بعضهم الظاهرة إلى الأوضاع الاقتصادية الضاغطة التي تجعل مجرد التفكير بالإقدام على الزواج بالنسبة إلى الرجل بمثابة الشروع في مديونيةٍ طويلة الأمد، لن يخلص من تبعاتها حتى ولد الولد! باعتباره المسؤول الشرعي والوحيد عن الكلفة الباهظة لمشروع كهذا، "مش جايب همّه" في أحوال كثيرة.
منظومة التقاليد والأعراف السائدة، وهي التي تحكم طبيعة العلاقة بين المرأة والرجل، هذه المنظومة بمحاذيرها الكثيرة تزيد من صعوبة التواصل الإنساني الذي قد يؤدي إلى اتخاذ قرار الزواج بشكل حر وواع ومشترك من الطرفين، لأن صيغةً كهذه غير واردة في مجتمعاتنا، إلا في أحوال قليلة.
فحتى وقتنا الحاضر، ما يزال موجوداً للأسف نموذج الرجل الحاصل على أعلى الشهادات العلمية، المشرف على الزواج، بعد أن اكتفى من صولاته وجولاته، وحقق انتصارات عاطفية شتى، وخاض غمار تجارب لا تحصى. لا يتوانى هذا النموذج عن تكليف والدته أو أي من نساء العائلة بالبحث عن عروس المستقبل، ضمن مجموعة مواصفات ومقاييس، شكلية في معظمها، مع التشديد على ضرورة خلوّ سجلّها العاطفي من أي مخالفة أو سابقة.
ولا يختلف الأمر بالنسبة لنموذج الفتاة التي لا تقل علماً ومعرفةً وتجربةً أحياناً، غير أنها تعمد، مضطرةً، إلى إنكار ما سلف من حياتها بالمطلق، انسجاماً مع رغبة العريس الذي يفضّلها (قطة مغمضة العينين)، غير أنها لا تتحرّج من خضوعها لمعاينة قريبات العريس الموعود، وسوف تدّعي الحياء والخفر إذا لزم الأمر لغايات القبض على صيد ثمين! والمؤسف أن بعض الرجال من فئة متوسطي الجمال، أو دونه ممّن يفتقدون إلى أدنى درجات الجاذبية، وتفتقر شخصياتهم إلى أيّ تميُّز، وأحياناً يكون الواحد منهم قد اشتعل الرأس منه شيباً، وبلغ من العمر عتياً، غير أنه يعطي نفسه الحق باشتراط الزواج من صبيةٍ غضّة باهرة الجمال، كاملة الأوصاف، غير ملتفتٍ إلى عيوبه الكثيرة، طالما لم تصل إلى جيبه! يتصرّف عريس الغفلة هذا بعقلية التاجر الذي يحرص على خلوّ البضاعة من أي شائبة.
وفي المقابل، تعزف صبايا كثيرات عن الزواج، ليس استغناءً، وإنما لإصرارهن على انتظار عريس فاحش الثراء، يغنيهن شر المعاناة، ويوفر لهن كل أسباب الرخاء، بغض النظر عن مستوى ثقافته، أو درجة ذكائه، أو حتى طبيعة شخصيته، ويصرفن النظر غير نادمات عن عرسان ملائمين عاطفياً وفكرياً، غير أن أحوالهم المادية غير مشجعة، برواتب متدنية، وأفق مهني ضيق، غير واعدين بأي بذخٍ يُذكر، كونهم من فئة الموظفين محدودي الدخل. وتفضّل فئة من النساء الجشعات، اللواتي يضعن الجانب المادي في مقدمة أولوياتهن، البقاء في الوحدة تحت طائلة الكساد في سوق الحريم، معقد المواصفات والمقاييس.
طيب، ألا يعتبر تصنيف كهذا من أشكال التمييز ضد المرأة؟ مع ضرورة الإشارة إلى أن هذا التمييز ليس لفظياً فحسب، بحيث يمكن إدراجه ضمن حماقات اللغة البريئة، ذلك أن اللغة ليست بريئة على الإطلاق، بل هي انعكاس لثقافةٍ شعبيةٍ مؤسفةٍ، لطالما تعاطت مع المرأة بشكل دوني لا يخلو من تشييء. فالمرأة ضمن منظور قاصر كهذا ليست أكثر من بضاعةٍ قابلةٍ للعرض في سوق الزواج، وهي معرّضة للتسويق والكساد، بحسب تقلّبات السوق وذائقة المستهلك ــ الرجل كونه صاحب المبادرة في اتخاذ قرار الزواج ضمن مفهوم العرض والطلب الذي يضع المرأة في خانة رد الفعل حصراً.
وقد أكدت دراسات حديثة أن عدد "العوانس" في الأردن بلغ حداً يدعو إلى القلق، وأضع المصطلح بين مليون مزدوج احتجاجاً. لكن، تظل نتائج الدراسة نفسها مرعبةً، في جميع الأحوال، ولا بد أن تطرح سؤالاً وجيهاً حول مكمن الخلل.
يحمّل بعضهم المرأة المسؤولية بسبب كثرة متطلباتها، ويعزو بعضهم الظاهرة إلى الأوضاع الاقتصادية الضاغطة التي تجعل مجرد التفكير بالإقدام على الزواج بالنسبة إلى الرجل بمثابة الشروع في مديونيةٍ طويلة الأمد، لن يخلص من تبعاتها حتى ولد الولد! باعتباره المسؤول الشرعي والوحيد عن الكلفة الباهظة لمشروع كهذا، "مش جايب همّه" في أحوال كثيرة.
منظومة التقاليد والأعراف السائدة، وهي التي تحكم طبيعة العلاقة بين المرأة والرجل، هذه المنظومة بمحاذيرها الكثيرة تزيد من صعوبة التواصل الإنساني الذي قد يؤدي إلى اتخاذ قرار الزواج بشكل حر وواع ومشترك من الطرفين، لأن صيغةً كهذه غير واردة في مجتمعاتنا، إلا في أحوال قليلة.
فحتى وقتنا الحاضر، ما يزال موجوداً للأسف نموذج الرجل الحاصل على أعلى الشهادات العلمية، المشرف على الزواج، بعد أن اكتفى من صولاته وجولاته، وحقق انتصارات عاطفية شتى، وخاض غمار تجارب لا تحصى. لا يتوانى هذا النموذج عن تكليف والدته أو أي من نساء العائلة بالبحث عن عروس المستقبل، ضمن مجموعة مواصفات ومقاييس، شكلية في معظمها، مع التشديد على ضرورة خلوّ سجلّها العاطفي من أي مخالفة أو سابقة.
ولا يختلف الأمر بالنسبة لنموذج الفتاة التي لا تقل علماً ومعرفةً وتجربةً أحياناً، غير أنها تعمد، مضطرةً، إلى إنكار ما سلف من حياتها بالمطلق، انسجاماً مع رغبة العريس الذي يفضّلها (قطة مغمضة العينين)، غير أنها لا تتحرّج من خضوعها لمعاينة قريبات العريس الموعود، وسوف تدّعي الحياء والخفر إذا لزم الأمر لغايات القبض على صيد ثمين! والمؤسف أن بعض الرجال من فئة متوسطي الجمال، أو دونه ممّن يفتقدون إلى أدنى درجات الجاذبية، وتفتقر شخصياتهم إلى أيّ تميُّز، وأحياناً يكون الواحد منهم قد اشتعل الرأس منه شيباً، وبلغ من العمر عتياً، غير أنه يعطي نفسه الحق باشتراط الزواج من صبيةٍ غضّة باهرة الجمال، كاملة الأوصاف، غير ملتفتٍ إلى عيوبه الكثيرة، طالما لم تصل إلى جيبه! يتصرّف عريس الغفلة هذا بعقلية التاجر الذي يحرص على خلوّ البضاعة من أي شائبة.
وفي المقابل، تعزف صبايا كثيرات عن الزواج، ليس استغناءً، وإنما لإصرارهن على انتظار عريس فاحش الثراء، يغنيهن شر المعاناة، ويوفر لهن كل أسباب الرخاء، بغض النظر عن مستوى ثقافته، أو درجة ذكائه، أو حتى طبيعة شخصيته، ويصرفن النظر غير نادمات عن عرسان ملائمين عاطفياً وفكرياً، غير أن أحوالهم المادية غير مشجعة، برواتب متدنية، وأفق مهني ضيق، غير واعدين بأي بذخٍ يُذكر، كونهم من فئة الموظفين محدودي الدخل. وتفضّل فئة من النساء الجشعات، اللواتي يضعن الجانب المادي في مقدمة أولوياتهن، البقاء في الوحدة تحت طائلة الكساد في سوق الحريم، معقد المواصفات والمقاييس.