قبل 4 أيام، خرج علينا يوسف بطرس غالي، آخر وزير للمالية في نظام مبارك الذي انهار على يد ثورة 25 يناير، على شاشة فضائية مصرية واعظاً ومرشداً ومقدماً النصائح لحكومات وصناع القرار في العالم حول كيفية التعامل مع التداعيات الاقتصادية الخطيرة لأزمة جائحة كورونا، كما تحدث عن الشأن الاقتصادي المصري، والتوجّهات العالمية في الاقتصاد والتجارة الدولية.
ولم ينس الوزير الهارب من أحكام قضائية صادرة بحقه عن محكمة جنايات القاهرة الترويج لنفسه خلال المقابلة التلفزيونية قائلاً "أقوم حالياً بصياغة السياسة الاقتصادية لاثنتين من الدول، واحدة في أفريقيا والأخرى في أميركا الوسطى، ولا أستطيع الإفصاح عن اسميهما"، وقد احتفى الإعلام المصري بهذه التصريحات الصادرة عن "خبير اقتصادي دولي مرموق" كما عرّفته.
الوزير السابق الذي صال وجال في الحديث عن الشأن الاقتصادي المصري والدولي لم يقل لنا في حواره المطول كيف أهدر نحو 500 مليار جنيه "أكثر من 100 مليار دولار بأسعار صرف ذلك الوقت" من أموال التأمينات والمعاشات.
ولم يسأله المذيع بالطبع عن سبب صمته طوال السنوات التسع الماضية على تصريحات ميرفت التلاوي وزيرة التأمينات والمعاشات السابقة الخطيرة والتي اتهمته مباشرة بمحاولة السطو على أموال الدولة قائلة: "عندما كنت وزيرة، كان يوسف بطرس غالي وزير المالية يريد أخذ أموال المعاشات ويخرجها خارج الدولة، وكانت تقدّر بنحو 200 مليار جنيه، من أجل استغلالها والمضاربة بها في البورصات العالمية عبر مصرف سيتي بنك الأميركي، لم أسمح له بذلك، وطردته من مكتبي هو وممثلي البنك على الفور عندما عرض عليّ هذا الأمر".
ولماذا لم يرد الوزير الملاحق من القضاء المصري بتهم فساد عدة على تصريحات التلاوي المتكررة، والتي قالت فيها إن غالي استولى منفرداً على 435 مليار جنيه من أموال المعاشات، وإنها عقب توليها منصبها الوزاري لم تجد سوى 200 مليار جنيه فقط في التأمينات، والباقي لا يعلم أحد أين ذهب؟، علماً بأن هذه الأموال الضائعة لا تزال ديناً على الخزانة العامة حتى الآن ويتم سدادها من أموال دافعي الضرائب.
وقبل أن يخرج الوزير المقيم في لندن منذ قيام ثورة 25 يناير محللاً الوضع الاقتصادي ومقدماً النصح، لماذا لم يرد على وصف النيابة المصرية له بأنه "شيطان" استحلّ أموال المواطنين وممتلكاتهم دون حق.
وقبل أن يقدم يوسف بطرس غالي، أحد أركان نظام مبارك البارزين، توصيات للتغلب على كورونا، ناصحاً بإعطاء الأولوية لرفاهية الأفراد، ليقل لنا ماذا فعل هو والنظام الذي كان يشارك في صنع قراراته للرفق بالمواطن المصري الفقير الذي نهش الفيروس الوبائي كبده والجوع بطنه وعانى الفقر والبطالة والفساد، ولماذا حابت وزارته، المالية، كبار رجال الأعمال على حساب الفقراء، ولماذا غضّت وزارته الطرف عن تهرب "الحيتان" وكبار المستثمرين الذين مولوا الثورة المضادة من الضرائب والاكتفاء بملاحقة الصغار؟
ليرد الوزير الهارب على محكمة جنايات القاهرة، التي قضت في وقت سابق بالحبس المشدد "غيابياً" عليه لمدة 15 سنة وإلزامه برد مبلغ 71 مليون جنيه لاتهامه بالإضرار العمدي بأموال الجهة التي يعمل بها.
وقبل أن يتحدث في حواره عن حقوق الأجيال القادمة، ليقل لنا كيف تمكن شقيقه رؤوف غالي من تهريب الآثار المصرية في حقائب دبلوماسية من القاهرة إلى إيطاليا، ولذا عاقبته محكمة جنايات القاهرة في شهر فبراير الماضي بالسجن المشدد 15 سنة وتغريمه 5 ملايين جنيه.
وأخيراً، ليحكِ لنا الوزير الأسبق يوسف بطرس غالي عن طبيعة المعلومات الحساسة التي تقول مصادر مصرية إنه كان يسربها لجهات خارجية، منها دوائر صنع القرار في واشنطن، وتتعلق بما يدور داخل المطبخ الحكومي المصري، وقت أن كان يشغل مناصب وزارية حساسة في حكومات مصر المتعاقبة " بداية من حكومة عاطف صدقي ونهاية بحكومة أحمد نظيف، ومروراً بحكومات على لطفي وكمال الجنزوري وعاطف عبيد،" ووقت أن كان وزيراً للمالية لسنوات طويلة، وقبلها وزيراً للتعاون الدولي ثم وزيرا للاقتصاد، وكيف أضرت هذه المعلومات مواقف مصر التفاوضية في ملفات عدة منها التفاوض مع صندوق النقد الدولي في منتصف فترة التسعينيات من القرن الماضي.