نشر أحد أنصار السيسي، أو من يعرفون بـ "السيساوية"، صورة على حسابه الشخصي على موقع "تويتر" لعربات قطار قال إنها العربات الجديدة التي وصلت إلى مصر، حديثاً، لتعمل في خطوط المترو. لكن تعليق الرجل على الصورة جعلني أنفجر من الضحك، إذ قال: هذا الخبر لن تجده في وسائل الإعلام، انشروا الإيجابيات. وتحت التعليق كتب هاشتاغ "احنا الإعلام البديل".
من يقرأ الكلام يظن أن الرجل يتحدث عن مرسي مثلاً، الذي كان يتعرض لحفلات هجوم وسباب يومية من وسائل الإعلام، طوال العام الذي قضاه في منصبه قبل الإطاحة به. وقتها نشط أنصار مرسي في محاولة نشر بعض الإيجابيات، وما يعتبرونها إنجازات تحققت في بعض الملفات، وانتشرت وقتها مقولة "كن أنت الإعلام البديل". وعلى الرغم من عدم اتفاقي مع هذه السياسة، لأنها دليل ضعف وتوحي بعدم سيطرة الرئيس على الإعلام الرسمي، وعدم قدرته على احتواء الإعلام الخاص أو اجتذابه إلى صفه، إلا أن هذا الأمر كان مبرراً ومتفهماً تماماً.
أما أن تأتي هذه الشكوى من مؤيد للسيسي، صاحب نظرية الأذرع الإعلامية، الذي يعطي الأوامر بالتليفون عبر مدير مكتبه لوسائل الإعلام لتقول ما يشاء، والذي وصل إلى مرتبة الرسل والأنبياء والآلهة والقديسين بفضل مجهودات الصحف والفضائيات المصرية، فهذا أمر غير مفهوم بالمرة.
يحتار المرء في تفسير هذا السلوك من أحد مؤيدي شخص امتلك ناصية السيطرة على كافة وسائل الإعلام المطبوعة والمقروءة والمرئية، بشكل لم يتحقق، ربما لجمال عبد الناصر نفسه، إذ كان الأمر مقتصراً في عهده على وسائل الإعلام الحكومية، أو التي كانت خاصة وخضعت للتأميم، ومن هنا كان تمجيدها له طبيعيّاً. لكن السيسي عرف بذكاء كيف يسيطر على الإعلام الحكومي والخاص معاً، رغم أنه في الظاهر لا يتبعه، وليست له السلطة الفعلية عليه، كما أنها استعصت على من سبقه وأذاقته الأمرين حتى نجحت في الإطاحة به.
دهشتي من الأمر زادت بعد أن اكتشفت أن هناك "هاشتاغاً" دشنه أنصار السيسي تحت عنوان "إحنا الإعلام البديل" لنشر ما يرونه إيجابيات وإنجازات تحدث في مصر لا يتحدث عنها الإعلام، وبالفعل وجدت فيه مشاركات عديدة. وسرعان ما أتى الرد من الجانب الآخر، إذ انتشرت صورة تسخر من الهاشتاغ، عبارة عن حبل غسيل نُشِرَتْ عليه ورقة مكتوب عليها "إيجابيات" باعتبارها مساهمة في "نشر الإيجابيات".
فكرت أنه ربما تأثر هؤلاء المؤيدون بموجة الهجوم الزائفة، التي انتشرت في بعض وسائل الإعلام قبل أيام، وتصور أن هناك مؤامرة إعلامية على السيسي من رجال الإعلام، وصدقوا أنها انتقادات فعلية له ولنظامه، وخافوا أن يتكرر سيناريو مرسي. وغالباً لم يتابعوا تطورات الأحداث ويعرفوا أن الأمر كله عبارة عن تمثيلية بين السيسي والإعلاميين، كان متفقاً عليها مسبقاً، وفقاً لما قاله "الإعلامي"، خالد أبو بكر، في برنامجه الذي يجلس فيه بجوار، عمرو أديب، ويعلق على ما يقوله الأخير كل دقائق عدة.
وأنا، أيضاً، أحب أن أطمئن هؤلاء، وأقول لهم، إن السيسي كان يجلس بكل مودة مع إبراهيم عيسى ويوسف الحسيني، اللذين كانا يهاجمان بعض أفعال السيسي في هذه "الهوجة"، ويستمتعان بتوجيهاته وأوامره وسط الموائد العامرة الحافلة بما لذّ وطاب من أشهى المأكولات، أثناء إحدى جولات السيسي في محافظة السويس، وفقاً للصورة التي نشرها أحد الصحافيين.
أما بعيداً عن السخرية، فالأمر محير بالفعل، إذ كيف يسيطر كل هذا الذعر على مؤيدي السيسي رغم أنه يمتلك كل مفاتيح الإعلام؟ هل هو إحساس بازدياد الفشل في الملفات الداخلية والخارجية وزيادة الانتقادات "الحقيقية فعلاً، وليس في استوديوهات الفضائيات المتفق عليها مسبقاً" ويرونها حولهم في الشارع والمواصلات من المواطنين، وتدفعهم للخوف على مستقبل رئيسهم؟
الاحتمال الأقرب هو رصد هؤلاء المؤيدين موجات الهجوم الكاسحة على السيسي على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة أن نسبة كبيرة من الشباب لا تتابع التلفزيون إلا قليلاً، وتكتفي بمعرفة الأخبار من هذه المواقع، ومن يتابع تعليقات مستخدمي هذه المواقع على صفحات المواقع الإخبارية وصفحات المؤسسات الرسمية، سيلاحظ بسهولة فعلاً أن معظمها عبارة عن هجوم حاد يصل إلى حد السباب ضد النظام وكل ما يقوم به، كما سيلاحظ، أيضاً، أن هناك غضباً مكتوماً يزداد مع مرور الوقت، وأن تعليقات المؤيدين تكاد تختفي، تماماً، تحت وابل التعليقات المعارضة.
هذا الإدراك إنما ينم عن أزمة عميقة وحيرة تواجهها السلطة وإعلامها تجاه مواقع التواصل الاجتماعي، التي يرون فيها خطراً كبيراً عليهم وحجر عثرة أمام تحقيق السيطرة الكاملة على المشهد الإعلامي، كما أن وجود تلك المواقع يجعل من المشهد مختلفاً بشكل كبير عن مشهد الاصطفاف، الذي كان موجوداً في عهد عبد الناصر، لكنهم لا يعرفون كيفية تحقيق هذه السيطرة حتى الآن.
وبالطبع لم ينس هؤلاء أن هذه المواقع كان لها الدور الأبرز في الحشد لمظاهرات الخامس والعشرين من يناير، التي تحولت إلى ثورة. وهو ما يفسر هجوم بعض الأذرع الإعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل دوري، وانتقاد نشاط الشباب فيها.
هل هذه علامة ضعف ونذير بداية انحدار وإرهاصات لثورة جديدة؟ لست أبداً من هواة "الانقلاب يترنح"، لكن هذا الخوف والهيستيريا العجيبة يؤكدان أن الأمر ظاهرة تستحق الدراسة. وفي كل الأحوال، وكما قال أحد الأصدقاء، فطالما تم استخدام كلمة "الإعلام البديل"، إذن هي "بشارة خير".
(مصر)