لفظ الجلالة في البازار الفارسي
في الكوميديا السوداء، المنبثقة على هوامش التراجيديا العربية الراهنة، حدث أن ضحك الناس، ملء أشداقهم، من إطلاق اسم "دولة الخلافة الإسلامية"، على تنظيم سياسي ديني متطرف، ينتهج قطع الرؤوس، بعد مرور عقد ونيف من القرن الحادي والعشرين، كما حدث، أيضاً، أن بادر أحد ما إلى اقتراح اسم آخر بديل، ومضحك، للقوة الإرهابية الصاعدة، هو "داعش"، فحل هذا اللفظ الذي لا معنى لغوياً له، فوراً، في وسائل الإعلام، وفي المصطلحات الدبلوماسية، محل الذي أطلقه هؤلاء المتهمون بالقدوم من كهوف التاريخ، على أنفسهم، وسرعان ما صار مصدر اشتقاقات كثيرة، منها الدواعش والداعشية وما شابه.
لا اعتراض لي، بالطبع، على حقِّ أي كان، في اختيار مفردات، تعكس موقفه، حيال السياسات وأصحابها، بل كنت واحداً (أعترف) من الكُتّاب الذين استمرأوا استخدام مفردة "داعش" ومشتقاتها، في مقالات عدة، على الرغم مما قد ينطوي عليه مثل هذا الفعل، في الدول الموصوفة بالتحضر، من تعدٍ على حق الآخرين في اختيار أسمائهم، وأسماء أحزابهم، وجمعياتهم السياسية، وغير السياسية. بيد أن ذلك كله لا يُعبّر، تماماً، عن لب ما أبتغي بلوغه، في هذه العجالة، وإنما هو استهلال توضيحي، لجأت إليه، لأذهب منه، إلى استهلال ثان، أُعلن فيه ظني، بتكامل صناعة الكوميديا السوداء، ولا سيما في الفضاء الافتراضي الإلكتروني، مع صناعة التراجيديا الحمراء على أرض الواقع، ثم لأقول، في خلاصة أولية، إن من يؤلفون النكات السياسية والأسماء الساخرة لبعض القوى المتصارعة، ينتمون، ربما، إلى جهاتٍ، من تلك تسهم، أصلاً، في مأساة إغراق العالم العربي بدم أبنائه، أو أنهم ينساقون في ركبها، بحسن نية.
حجة هذه الرؤية، تقوم، ببساطة، في جواب السؤال القائل؛ كيف يمكن لإطلاق اسم الخلافة الإسلامية على تنظيم سياسي ديني متطرف أن يثير كل هذا اللغط والسخرية، في حين تستخدم قوى سياسية دينية متطرفة أخرى لفظ الجلالة (الله) في اسمها، ولا يسخر منها أحد، أو يضحك؟!. وأتحدث، هنا، عن حزب الله اللبناني، أساساً، بوصفه صاحب الاسم الأشد سفوراً في الدلالة على استثمار الدين، لحساباتٍ سياسية، وباعتباره تورّط، في مثل ما تورطت فيه "دولة الخلافة" من جرائم ضد السوريين، لكن خصومه، وقد اقترحوا تسميته بـ "حالش" فشلوا في تعميم اسمه البديل هذا، سوى على مواقع التواصل الاجتماعي، بينما ظلت وسائل الإعلام، ودوائر الدبلوماسية، العربية والغربية، تُكنّيه بما يُحب.
وإذ يبدو فصام التسميات، إن صح التعبير، مجرد هامش يتكئ، على متن الفِعَال، فإن غموض أسبابه ينجلي تماماً، حين نرى العالم، بفرنجته وعربه وعجمه، يُجَيِّش الجيوش للقضاء على "داعش"، ويتعامى عن رؤية "حالش"، وأضرابه من الميليشيات الطائفية التي تفتك بالناس في العراق وسورية، كما يتعامل باسترخاء مع استيلاء جماعة الحوثي اليمنية التي تُسمي نفسها "أنصار الله" على صنعاء، ولا يفعل شيئاً ليكبح سعيها المكشوف، إلى أن تكرر، في اليمن، تجربة هيمنة حزب الله، ومن ورائه، إيران، على الدولة ومقدراتها في لبنان.
صحيح أن إيران والميليشيات الموالية لها ليست إلا بعضاً من أطراف كثيرة، في المنطقة، رسمية ومعارضة، تستخدم الدين، واجهة لمطامعها السياسية، غير أنها وحدها التي تتجرأ على تغليف "صادراتها الثورية" إلى جوارها العربي، بأسماء مشفوعة بلفظ الجلالة (الله)، وبشعارات "الموت لأميركا" و"إزالة إسرائيل"، لتخفي، ربما، منشأً صناعياً، ينتمي، إلى بازار الأطماع الفارسية الغابرة. ويلخص دليل آخر الحكاية: إيران، أو فارس المعاصرة، تستثمر اسم القدس، أيضاً، لتطلقه على فيلق عسكري إرهابي، يتفرغ لقتل العرب الثائرين على ظلم حُكامهم، في حين تواجه القدس مصيرها وحيدة تحت الاحتلال الصهيوني الاستيطاني، وطبعاً على مرأى من "روما الجديدة" التي ينعتها الفُرس بـ"الشيطان الأكبر"، فلا يرف لها أو لهم جفن.