وتحاول الحكومة المحافظة، التي ترأسها ماي، ألا تغضب الجمهور البريطاني المؤيد لفلسطين. فحفل العشاء المقام في هذه الذكرى نظمه اللوردان بلفور وروتشيلد الحاليان، وليس الحكومة البريطانية.
كما كانت كلمات تصريح أليستر بيرت، وزير شؤون الشرق الأوسط، منتقاة بعناية، حيث قال "سنحيي الذكرى المئوية بفخر واحترام، ولكن أيضاً بدرجة من الحزن، حيث لا تزال هناك قضايا عالقة بين إسرائيل والفلسطينيين".
ولكن، كما هو متوقع، هذه الخطوات تعكس الفشل في المقاربة البريطانية من القضية الفلسطينية، فهذه الخطوات لم تجلب سوى رضى مؤيدي إسرائيل، حيث تعكس احتضان بريطانيا لدولة الاحتلال، وهو ما يعكسه اعتبار السفير الإسرائيلي، مارك ريغيف، لبريطانيا الحليف الأوثق لإسرائيل في أوروبا.
أما المنظمات اليهودية البريطانية فرحبت بتعامل الحكومة البريطانية مع ذكرى الوعد المئوية، إذ سيحضر عدد منهم العشاء إلى جانب ماي ونتنياهو.
وعلق سيمون جونسون، المدير التنفيذي لمجلس القيادة اليهودي "موقف الحكومة الحالي ممتاز وملائم جداً. أعتقد أن إحياء المناسبة بفخر وبحضور بريطاني دبلوماسي عالي المستوى في الحفل هو الموقف الأنسب. لا أعتقد أننا سنرغب بأكثر من ذلك".
أما حزب العمال المعارض، فقد عبّرت عنه وزيرة الخارجية في حكومة الظل، إيميلي ثورنبيري، إذ قالت إنها تعتقد بأن على بريطانيا إحياء هذه المناسبة عبر الاعتراف بالدولة الفلسطينية رسمياً.
وعلى الرغم من عدم حضور رئيس الحزب، جيريمي كوربن، لحفل العشاء في خطوة احتجاجية منه، فستكون ثورنبيري حاضرة، حيث قالت في تصريح للميدل إيست آي "لا أظن أننا نحتفل بوعد بلفور، بل أرانا نحيي المناسبة لأنها نقطة تحول في تاريخ المنطقة وأفضل الطرق لإحيائها هي الاعتراف بفلسطين".
وفي هذه المناسبة أيضاً، نشرت صحيفة "ذا غارديان"، المعروفة بتوجهاتها السياسية اليسارية المؤيدة لحزب العمال، رسالة بعث بها رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، للقارئ البريطاني.
واحتوت الرسالة على الرؤية الفلسطينية لوعد بلفور، والتي غالباً ما تغيب عن النقاشات السياسية. فالدولة الإسرائيلية التي تفخر بريطانيا بدورها في إنشائها، قامت على أنقاض شعب مهجر يعيش مآسي الاحتلال واللجوء والتمييز العنصري في أرضه والمنافي. ولمعالجة هذا الوضع يرى عباس "أن بريطانيا تتحمل المسؤولية الكبرى في المبادرة على هذا الطريق. يجب أن تنتظر الاحتفالات اليوم الذي يرى فيه جميع قاطني هذه الأرض الحرية والكرامة والمساواة".
ويرى عباس أن توقيع الوعد أصبح من الماضي ولا يمكن تغيير ذلك، "ولكن يمكن إصلاح هذا الأمر. يتطلب ذلك تواضعاً وشجاعة. يتطلب التصالح مع الماضي، والاعتراف بالأخطاء، واتخاذ خطوات عملية لإصلاح هذه الأخطاء".
وطالب عباس الحكومة البريطانية القيام بدورها من خلال "خطوات عملية نحو إنهاء الاحتلال على أساس القانون والقرارات الدولية، بما فيها قرار مجلس الأمن الأخير 2334، والاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود 1967، وأن تكون القدس الشرقية عاصمتها".
وتوجه عباس بالتحية لمناصري فلسطين من البريطانيين: "البرلمانيون الذين صوتوا، في قرار غير ملزم، لصالح الاعتراف بفلسطين، والآلاف ممن طالبوا حكومتهم الاعتذار عن وعد بلفور، ومن نزلوا إلى الشوارع مطالبين بمنح الفلسطينيين حقوقهم".
ومن بين تلك المنظمات حملة التضامن مع فلسطين والتي نظمت سلسلة من الفعاليات في الذكرى المئوية لوعد بلفور في محاولة لشد انتباه المواطن البريطاني لانعكاسات الوعد والسياسات البريطانية على الفلسطينيين.
فقد نظمت الحملة سلسلة من النقاشات العامة بحضور البروفسور الفلسطيني في جامعة بيت لحم، مازن قمصية، الذي يقول في تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، إن: "جولته كانت إيجابية وتعكس التغير في الرأي العام البريطاني منذ الثمانينات، عندما لم يكن أحد في بريطانيا يعرف بفلسطين".
ويرى أن كمية الحضور والأسئلة التي تلقاها في جولته تنم عن روح إيجابية تعكس نمو الدعم الشعبي البريطاني للقضية الفلسطينية، والذي وصل ذروته في خروج نحو مئة وعشرين ألف بريطاني إلى شوارع العاصمة لندن احتجاجاً على العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014.
وتنظم الحملة أيضاً مع منظمة "أوقفوا الحرب" وأكبر النقابات العمالية في بريطانيا مظاهرة كبرى يوم السبت الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني، ويتوقع أن يصل عدد المشاركين فيها إلى عشرين ألف شخص.
وستطالب المظاهرة بتحقيق العدالة للفلسطينيين، وسيحضرها عدد من الشخصيات السياسية والعامة البريطانية، مثل كين لوك عن حزب العمال، ومصطفى البرغوثي عن الجانب الفلسطيني.
ويشارك مركز العودة الفلسطيني في الفعاليات من خلال الفيلم القصير "100 شارع بلفور"، والذي يشرح للمشاهد البريطاني النكبة الفلسطينية، مستخدماً لغة معاصرة وأمثلة من بريطانيا القرن الحادي والعشرين.
وكان المركز قد أطلق أيضاً حملة الاعتذار عن وعد بلفور بمشاركة عدد من الشخصيات السياسية البريطانية، مثل البارونة جيني تونج، رئيسة الحملة، وعضو مجلس اللوردات نورمان وارنر. وقدمت الحملة عريضة وقع عليها نحو 14 ألف شخص، في أبريل/ نيسان الماضي، تطالب الحكومة البريطانية بالاعتذار عن وعد بلفور.
كما قامت منظمة "مشروع بلفور" بتنظيم فعالية في كاتدرائية ويستمنستر هذا الأسبوع مطالبة بريطانيا بضرورة الاعتراف بإخفاقاتها في فلسطين، وضرورة العمل على إحقاق السلام في المنطقة وتساوي الحقوق بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ويطالب أعضاؤها، وهم من السياسيين والبرلمانيين البريطانيين إضافة إلى عدد من رجال الدين والشخصيات العامة، بالتزام بريطانيا بالقرارات الدولية والاعتراف بالدولة الفلسطينية.
وينظم أيضاً عددٌ من الناشطين الحقوقيين مظاهرةً أمام مقر حفل العشاء المرتقب غداً تحت عنوان "نتنياهو غير مرحب به هنا" احتجاجاً على احتفاء الحكومة البريطانية به وبوعد بلفور.
شاهد كيف وُلد وعد من لا يملك لمن لا يستحق، في الـ "إنفو فيديو" المرفق: