ليندا كلش: الاتجار بالبشر والعمل الجبري ينتشران في الأردن

12 اغسطس 2015
رئيسة مركز "تمكين" ليندا كلش (العربي الجديد)
+ الخط -
تكشف رئيسة مركز تمكين لتعزيز مفهوم الحماية الاجتماعية للفئات المستضعفة وضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في الأردن، ليندا كلش، جملة من الانتهاكات التي تطال العمال المهاجرين في المملكة، وآليات استغلالهم.

وهذا نص المقابل:

• بسبب الأزمات التي تشهدها بعض الدول العربية تدهور نصيب الفرد من الرفاهية، هل تأثر الأردن بما يجري في جواره؟

- بالتأكيد أثّرت الصراعات السياسية الإقليمية الساخنة منذ سنوات عدة على رفاهية الشعب الأردني، لأنه جزء من المنطقة، والمملكة من الدول التي تتأثر سريعاً بالاضطرابات المجاورة لحدودها. فمواردها بحد ذاتها قليلة، وخلال الأزمات أصبحت شبه محدودة، وكان للأزمة السورية التأثير الأكبر على هذا الصعيد. لقد تأثرت مختلف القطاعات، وعلى الأخص قطاعات المال والأعمال والتجارة والخدمات، كما تأثرت حركة السياحة بشكل واضح. كما أثّر توافد العدد الكبير من اللاجئين على البنية التحتية والخدمات الموازية، وفي مقدمتها التعليم.

• بالإضافة إلى المشكلات الاقتصادية التي خلقتها التوترات هذه، يستمر الاقتصاد المحلي في مواجهة قضايا ارتفاع العجز المالي والدين العام. ما تأثير ذلك على الناس؟

- لا شك بأن للعجز المالي والدين العام انعكاسات مختلفة على الوضع الاقتصادي الأردني، وهذا الدين يزداد سنوياً، ورغم أن المادتين 21 و22 من قانون الدين العام وإدارته، تنصان على ألا يجوز أن يتجاوز الدين العام نسبة 40% من الناتج المحلي الإجمالي، إلا أنه تجاوز الآن 77% من الناتج المحلي. وهذا جعل المملكة من أكثر الدول العربية إثقالاً بالدين العام، ما أثّر إلى حد كبير على الوضع الاقتصادي وإمكانية وجود مشاريع تنموية، بسبب ارتفاع حجم الديون والفوائد المترتبة عليها سنوياً، والتي يدفع ثمنها الشعب بأكمله.

اقرأ أيضا: العمالة السورية في الأردن من مأساة إلى مأساة

• إلى أي حد تتطابق وجهة نظركم مع خطط الحكومة على صعيد التنمية المستدامة؟

- أي حديث عن قضايا التنمية يرتبط بمستوى الفقر وحجم البطالة، والبطالة بين الشباب الأردني مشكلة مزمنة، وتتزايد من سنة إلى أخرى، رغم التصريحات الحكومية التي تؤكد انخفاض نسبتها. وأكبر دليل على ذلك تضارب تصريحات كل من وزارة العمل ووزارة التنمية الاجتماعية بهذا الخصوص. نحن بانتظار أن تجري مسوحات جديدة لحالة الفقر في المملكة، لكي نتأكد ممّا إذا كانت النسبة القديمة قد تغيّرت أم لم تتغيّر، وحينها سوف نقيّم فاعلية الخطط التنموية التي يجري العمل على تنفيذها.

• ألا يؤثر تزايد العمالة الأجنبية الوافدة على حجم البطالة التي يعاني الأردن منها أصلاً؟

- العمالة المهاجرة بدأ تدفقها التدريجي إلى المملكة في الواقع منذ السبعينيات، وهناك قائمة وظائف تحكمها، وهي الوظائف التي لا يعمل بها الأردنيون، مثل العمل في قطاعات الزراعة والإنشاءات والنظافة والعمل المنزلي، حيث يحجم الأردنيون حقيقة عن العمل في هذه القطاعات. وفي دراسة أجراها مركزنا عام 2012 حول حاجة الأردن إلى العمالة المهاجرة، تبيّن لنا من خلال لقاءاتنا مع أصحاب عمل، عدم رغبتهم في الاستغناء عن العمال المهاجرين بسبب التزامهم بشروط العمل أكثر من نظرائهم المحليين.

• ألهذا السبب يزداد عدد العمال غير النظاميين؟

- هناك عدة أسباب وراء تزايد أعداد العمالة غير النظامية، التي يبلغ عددها أضعاف العمالة النظامية، ويتزايد عددها، إذا ما أضيف إليها العمال من اللاجئين السوريين ومعظمهم عمال غير نظاميين. أحد هذه الأسباب: المادة 12 من قانون العمل، فوفق هذه المادة كل عامل يعمل لدى صاحب عمل غير المذكور اسمه في التصريح، أو يعمل في مكان أو يعمل في قطاع غير المذكور في تصريح العمل، أو يعمل دون تصريح، هو عامل مخالف.

هذا التصنيف يجعل العديد من العمال في أوضاع غير نظامية، وقد لا يكون لهم ذنب فيها، لأن صاحب العمل (الكفيل)، هو من يقوم باستصدار تصريح العمل للعامل، وإن لم يفعل يعاقب العامل، ولا يسمح للعامل باستصدار تصريح عمله لنفسه وبنفسه، وقد يقوم صاحب العمل بـ"تسليف" العامل لصاحب عمل آخر، وقد يقوم صاحب العمل بأمر العامل أن يعمل في قطاع آخر تابع له أو في مكان آخر. تلك هي المشكلة.

اقرأ أيضا: سرّ التفاوت: ثروات مناطق جنوب الأردن لا تغني سكانها

• وهل لتجارة عقود العمل المنتشرة دور يمكن الحديث عنه على هذا الصعيد؟

- طبعاً. فتجارة العقود تؤدي، وبشكل خاص في ما يتعلق بالعمال المصريين، إلى وجود عمالة غير نظامية، حيث يتواجد العديد من سماسرة العقود، ويبلغ سعر العقد بين 800 ـ 1200 دينار يدفعها العامل المصري إلى السمسار، وعليه، حتى العامل نفسه لا يعرف صاحب عمله المذكور اسمه على تصريح العمل، كما يدفعه إلى العمل في أكثر من قطاع، ولساعات عمل طويلة، بهدف تغطية النفقات التي تكبّدها ومنها النفقات المتعلقة بالمواصلات إلى الأردن بالإضافة إلى الثمن الذي دفعه لعقد العمل. هذا فضلاً عن أن بعض العمال يحجمون عن تنظيم أوضاعهم لسبب أو آخر، ولا ننسى هنا العمال من اللاجئين السوريين، بالغين وأطفال ونساء، حيث من الصعب عليهم تنظيم أوضاعهم، وخاصة بما يتلاءم مع مؤهلاتهم.

وعندما تتيح الجهات الرسمية فترات لتصويب أوضاع العمال تجد العديد من العمال غير قادرين على تصويب أوضاعهم لعدة أسباب، أهمها عدم وجود صاحب عمل ثابت (كفيل)، أما بالنسبة لعاملات المنازل، فأكبر معضلة تقف أمامهن لتصويب أوضاعهن هي عدم وجود جوازات سفرهن معهن بسبب احتجازها لدى أصحاب العمل.

• وماذا عن أوضاع اللاجئات السوريات اللواتي يجري استغلال ظروفهن القاسية في سوق العمل؟

- أعتقد أن البعض منهن يتعرضن لامتهان في الكرامة، وإلى العديد من الانتهاكات، بما في ذلك استغلال ضعفهن، بوسائل وأساليب تحمل في طياتها شبهات اتجار بالبشر، مثل هذه الأساليب أو هذا الترويج لمثل هذه الأفعال، والتي تهدف في بعض الأحيان إلى تزويجهن بشكل قسري، هي امتهان صارخ لكرامة المرأة أولاً، ولكرامة المرأة السورية اللاجئة بشكل خاص، التي لا تجد أي حماية قانونية أو مساندة حقيقية من قبل الجهات المسؤولة.

فضلاً عن أن تحديد الفئة باللاجئات السوريات، إنما هو تأكيد على الامتهان، حيث يعلم الجميع في قرارة نفسه أن الفتيات من هذه الفئة يعشن ظروفاً اجتماعية سيئة، ما يشجع على عملية استغلالهن، وخاصة عندما يكون الترويج على أنهن يرغبن بالعمل أو الزواج من أجل السترة فقط. هذا بالإضافة إلى وجود حالات زواج للفتيات صغيرات السن، التي أصبحت وسيلة يلجأ لها الآباء للحصول على المال من أجل تغطية النفقات المعيشية لباقي أفراد العائلة، ما يحمل في طياته شبهة اتجار بالبشر. والشيء بالشيء يذكر، فعندما نتحدث عن الاتجار بالبشر لا يمكن أيضاً إغفال عمل الأطفال، وانتشاره تحت أعين الجميع.

اقرأ أيضا: الأردن: ارتفاع المديونية وغياب التنمية

• من الموضوعات التي تؤرق المشتغلين في قطاع حقوق الإنسان موضوع العمال المهاجرين، كيف يتم الحفاظ على حقوقهم؟

- يستضيف الأردن عدداً كبيراً من العمال المهاجرين، وهنالك حاجة ملحة ومتزايدة لحمايتهم كونهم غرباء على ثقافة وعادات المجتمع. وعدم معرفتهم باللغة والأعراف والقوانين تجعلهم يفقدون القدرة على التواصل الاجتماعي، ما يجعلهم أكثر عرضة لانتهاكات حقوق الإنسان. أما في ما يتعلق بالحفاظ على الحقوق، فهناك التقاضي، الذي يعيبه طول أمده، إذ يصل إلى أكثر من 3 سنوات ولمطالبات بسيطة، كما لا توجد آلية واضحة وسريعة وفعالة لتلقي شكاوى العمال والنظر فيها، كما لا يوجد نظام تفتيش كاف وفعال لدى وزارة العمل. بالإضافة إلى عدم منح العمال أثناء نزاعهم أمام القانون تصريح عمل وإذن إقامة مؤقتين يتيحان لهم البقاء في المملكة بانتظار انتهاء قضاياهم واستيفاء حقوقهم.

• هناك شكاوى لحالات من العمل الجبري، هل يشكل حجمها خطورة؟

- أجل، يتعرض العديد منهم لظروف العمل الجبري، حيث يتعرضون لساعات عمل طويلة يصل بعضها إلى 16 ساعة يومياً، وإجبارهم على الاستمرار في العمل حتى بعد انتهاء المدة العقدية، كما يتم إجبار بعضهم على التوقيع على شيكات لإجبارهم على عدم ترك العمل، وقد يجبر بعضهم على التوقيع على أكثر من عقد لسنوات متتالية. وقد تصل هذه الحالات إلى الاتجار بالبشر، وخاصة بين عاملات المنازل وعمال الزراعة، الذين يتعرضون للخداع من حيث شروط العمل، إضافة إلى التهديد بسبب اليد العليا لصاحب العمل وسطوته عليهم. كما يعانون من بعض الإساءات اللفظية والبدنية وأحياناً الجنسية.

ومن أفضل النقاط المضيئة في هذا الموضوع بالنسبة للأردن، وحدة مكافحة الاتجار بالبشر التي تعمل بجد في هذا الاتجاه، وهي وحدة مشتركة بين وزارة العمل والأمن العام، لكن مجملها من الأمن العام، ويعمل بها طاقم مدرب يجيد التعامل مع الحالات الواردة إليه.

• من مجمل الممارسات يتبيّن وجود عدم مساواة بين العمال المهاجرين ونظرائهم الأردنيين في مجال الحقوق الإنسانية، هل ما زال الأمر كذلك؟

- في الواقع لا تفرّق المنظومة القانونية في مجملها بين العمال المهاجرين والعمال الأردنيين، إلا أن هناك بعض الأنظمة والتعليمات والقرارات التي تحمل هذا التمييز ومنها قرار الحد الأدنى للأجور الذي استثنى العمال المهاجرين عند زيادة الحد الأدنى للأجور عام 2012، وهناك تمييز آخر وواضح في قطاع الألبسة والمنسوجات حيث تختلف الأجور بين الأردني والعامل المهاجر. بالإضافة إلى التمييز ضد العمال المصريين بشكل خاص في تعليمات الإجازات والخروج والعودة حيث يتطلب حصول العامل المصري على مخالصة من صاحب العمل، ليستطيع مغادرة البلاد.

نقطة أخرى في هذا المجال وتتعلق بالتوقيف والاحتجاز التعسفي للعمال المهاجرين بسبب مخالفتهم لقانون العمل أو قانون الإقامة، فقد يتم احتجازهم أيضاً لفترات تمتد إلى أشهر وأحياناً تتجاوز السنة، دون عرضهم على القضاء.

اقرأ أيضا: مطالب الأردنيين البديهية: نريد العمل اللائق

الحقوق الاقتصادية أساس التنمية المجتمعية
تقول رئيسة مركز "تمكين"، ليندا كلش، لـ"العربي الجديد"، إن المركز باشر بتنفيذ برنامج مكافحة الاتجار بالبشر منذ عام 2009، وهو برنامج وقائي وخدماتي يهدف إلى تلبية احتياجات الضحايا ومكافحة الاتجار بالبشر، الذي يعد ظاهرة معقدة ومتعددة الجوانب تتشابك مع الاتجار بالجنس، وهجرة العمالة، والزواج القسري، والعمل بالسخرة، وممارسات مماثلة أخرى. وفي هذا الإطار، يسعى البرنامج إلى رفع مستوى الوعي بين مفتشي العمل والشرطة وموظفي الحدود والقضاة والمدعين العامين وأرباب العمل وأصحاب مكاتب الاستقدام وغيرهم، فضلاً عن رفع وعي العمال المهاجرين العاملين في مختلف القطاعات.

وتضيف أنه لا بد من توطين معايير حقوق الإنسان الدولية، وتعميم ثقافتها على كل الأصعدة في الأردن، "ولذلك نسعى أولاً إلى توسيع نطاق تطبيق هذه المعايير في إطار النظام القضائي الأردني، لما له من أهمية على المستوى العام، سواء من جهة إعمال أو تطبيق اتفاقيات حقوق الإنسان، أو من جهة التأكد من دمج معايير حقوق الإنسان الدولية في النظام القضائي، بهدف تعزيز احترام حقوق الإنسان في الأردن". وتعتبر كلش أن حقوق الإنسان حزمة متكاملة، "ولذلك لا يمكن الحديث عن الحقوق السياسية، على سبيل المثال، بمعزل عن الحقوق الاقتصادية للمواطن، وكذلك حقوقه الاجتماعية، وحقه في الحماية والأمان أيضاً. ومستقبل الأردن وتطوره التنموي والاقتصادي، رهن نجاحه في بناء ثروته البشرية".

بطاقة:
ليندا كلش، رئيسة مركز "تمكين" في الأردن، وهو مركز يعمل على ترسيخ مبدأ العدالة الاجتماعية، وكذلك تعزيز دور القضاء الأردني، وضمان مشاركة فاعلة من جميع المعنيين باقتراح ومناقشة التعديلات القانونية وتنفيذ القانون الدولي والوطني، وتمكين الفئات المهمشة وضحايا انتهاكات حقوق الإنسان.