10 أكتوبر 2024
مأزق حكومة بنكيران
تواجه حكومة عبد الإله بنكيران في المغرب مأزقا لا يستهان به، قبل أشهر قليلة من الانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، في ضوء ما يعرفه الحقل الحزبي من إعادة اصطفافات وخلط مستمر للأوراق، فضلا عن عجز هذه الحكومة عن الإيفاء بوعودها التي قطعتها على نفسها قبل أربعة أعوام. فحزب التجمع الوطني للأحرار الذي يُعد أحد الأحزاب المفضلة لدى الأعيان، وقطاع واسع من الرأسمال المغربي، بدأ يكشف بعض أوراقه التي سيدخل بها الاقتراع، وهي، بشكل عام، لا تخرج عن الاستراتيجية التي تنتهجها عادة أحزاب السلطة في المغرب، والتي تنبني على استثمار تناقضات الحقل الحزبي والانتكاسات الدورية التي تعرفها "الديمقراطية المغربية"، وتوجيه ذلك كله بما يخدم مصالح الدولة العميقة. فالتوتر الذي بات يطبع علاقة هذا الحزب بحلفائه الإسلاميين داخل الحكومة ليس مجرد أحد أوجه القصور في العمل السياسي في المغرب، جرّاء انتهازية النخب وافتقادها الحد الأدنى من الالتزام السياسي والأخلاقي، بل يتعدّاه إلى ما هو أبعد من ذلك، بمعنى أن صناعة هذا التوتر تندرج في سياق الحيلولة دون تنمية الحقل الحزبي، حتى لا يصبح أكثر قدرة على عكس استقطابات الصراع الاجتماعي، وإسهامه، بالتالي، في إشاعة ثقافة المشاركة والديمقراطية. وإذا كانت النقلة الدستورية التي عرفها المغرب عام 2011 مهمةً إلى حد ما، فقد بات واضحاً الآن أنها غير كافية لوضع البلاد على سكة تحول ديمقراطي واعد، بسبب هشاشة هذا الحقل، وانتهازية النخب وتجذّر الدولة العميقة، ومهادنة الحكومة قوى الريع والفساد ومقاومة الإصلاح.
فعلى الرغم من أهمية (ودلالة) وصول جزء من الإسلام السياسي المغربي إلى رئاسة الحكومة، انطلاقًا مما فتحه الدستور الجديد من آفاق لتوسيع هوامش اللبرلة السياسية التي
يعرفها المغرب، إلا أن ذلك لم يؤثر في اتجاه فرز اصطفافاتٍ حزبيةٍ وسياسيةٍ نابعةٍ من طبيعة البرامج التي يقدمها كل حزب. صحيح أن عدة قوى اجتماعية وسياسية اضطرّت إلى أن تنحني لعاصفة الحراك الشعبي، ثم تبتلع لاحقاً، وعلى مضض، هذا التحول الذي قاد الإسلاميين إلى رئاسة الحكومة، بتكليف من القصر، لكنها كانت تدرك جيداً أن الحزب الآتي من ثقافة دعوية إسلامية لن يستطيع مجاراتها، وهي التي يتوزّع نفودها على مواقع بنيويةٍ في النسيج الاقتصادي والسياسي. من هنا، وبعد ما آلت إليه مسارات الربيع العربي، لم تعد هذه القوى، أو بعضها، ترى أنها مضطرة للقبول مرة أخرى بحكومة يشكلها الإسلاميون، لا سيما في ضوء تزايد السخط الشعبي، بسبب تصلب عبد الإله بنكيران في الملف الاجتماعي بكل تعقيداته واستقطاباته العميقة (إصلاح صناديق التقاعد، احتجاجات الأساتذة المتدربين...)، وإخفاقه فيما وعد به قبل أربعة أعوام فيما يتعلق بمكافحة الفساد وتخفيض نسبة البطالة وتحسين الأوضاع المعيشية للمغاربة.
يبدو أن ذلك كله سيتحول، في الشهور المقبلة، إلى ثغرةٍ، سيستثمرها بالتأكيد خصوم حزبه، ويحولونها إلى مورد انتخابي حاسم، الأمر الذي من شأنه أن يسهم في الوصول إلى سيناريو تشكيل الحكومة المقبلة، من دون الإسلاميين، والذي يبدأ بفك الارتباط بين هؤلاء وحلفائهم داخل الحكومة، والتمهيد لبناء تحالف سياسي جديد، يتألف من أحزاب الأصالة والمعاصرة، والتجمع، والحركة الشعبية باعتبارها تجسد، بدرجة أو بأخرى، الواجهة الحزبية للدولة العميقة.
تدرك هذه الأحزاب، كما الجميعُ، أن المشكلات المتراكمة منذ عقود في قطاعاتٍ، مثل الصحة والتعليم والتشغيل والبنية التحتية وغيرها، هي بمثابة موارد سياسية واجتماعية هائلة، لا تسمح السلطة باقتراب الفاعلين الآخرين منها ومعالجتها، عبر سياسات عمومية متكاملة ومنتجة لامتداداتها داخل النسيج المجتمعي، بل تعمل على تدبيرها بإعادة إنتاجها في صيغ مغايرة، من دون حلها بشكل جذري، الشيء الذي يحدّ من خيارات الحكومة القائمة، أياً كان لونها الحزبي، ويضعها دائما، بشكلٍ لا يخلو من مفارقة، في مواجهة رأي عام يحمّلها المسؤولية في عدم حلها هذه المشكلات. لذلك، يكمن أحد أوجه مأزق الحكومة الحالية في هذه المفارقة التي تطبع صياغة (وتنفيذ) السياسات العمومية المتعلقة بالقطاعات السالف ذكرها، إذ بات شبه واضح أن حظ هذه الحكومة لن يكون أحسن حالاً من الحكومة التي قادها الاشتراكي عبد الرحمن اليوسفي بين 1998 و 2002.
يخطئ حزب العدالة والتنمية، إذا اعتقد أنه، بفوزه في الانتخابات البلدية والجهوية التي جرت في سبتمبر/ أيلول الفائت، يكون قد قطع نصف الطريق نحو ولاية حكومية ثانية، ويخطئ أيضاً إذا اعتبر أن الناخبين سيغفرون لزعيمه عدم إيفائه بوعوده التي قدّمها، ويصوّتون له، لاعتبارات قيمية وأخلاقية، فأهم ما يطبع السلوك الانتخابي في المجتمعات المعاصرة عدم ثباته وقابليته للتغير في أية لحظة، وخصوصاً في ظل وقوف هؤلاء الناخبين على تناقضات صارخة ودالة بين الوعود والحصيلة.
فعلى الرغم من أهمية (ودلالة) وصول جزء من الإسلام السياسي المغربي إلى رئاسة الحكومة، انطلاقًا مما فتحه الدستور الجديد من آفاق لتوسيع هوامش اللبرلة السياسية التي
يبدو أن ذلك كله سيتحول، في الشهور المقبلة، إلى ثغرةٍ، سيستثمرها بالتأكيد خصوم حزبه، ويحولونها إلى مورد انتخابي حاسم، الأمر الذي من شأنه أن يسهم في الوصول إلى سيناريو تشكيل الحكومة المقبلة، من دون الإسلاميين، والذي يبدأ بفك الارتباط بين هؤلاء وحلفائهم داخل الحكومة، والتمهيد لبناء تحالف سياسي جديد، يتألف من أحزاب الأصالة والمعاصرة، والتجمع، والحركة الشعبية باعتبارها تجسد، بدرجة أو بأخرى، الواجهة الحزبية للدولة العميقة.
تدرك هذه الأحزاب، كما الجميعُ، أن المشكلات المتراكمة منذ عقود في قطاعاتٍ، مثل الصحة والتعليم والتشغيل والبنية التحتية وغيرها، هي بمثابة موارد سياسية واجتماعية هائلة، لا تسمح السلطة باقتراب الفاعلين الآخرين منها ومعالجتها، عبر سياسات عمومية متكاملة ومنتجة لامتداداتها داخل النسيج المجتمعي، بل تعمل على تدبيرها بإعادة إنتاجها في صيغ مغايرة، من دون حلها بشكل جذري، الشيء الذي يحدّ من خيارات الحكومة القائمة، أياً كان لونها الحزبي، ويضعها دائما، بشكلٍ لا يخلو من مفارقة، في مواجهة رأي عام يحمّلها المسؤولية في عدم حلها هذه المشكلات. لذلك، يكمن أحد أوجه مأزق الحكومة الحالية في هذه المفارقة التي تطبع صياغة (وتنفيذ) السياسات العمومية المتعلقة بالقطاعات السالف ذكرها، إذ بات شبه واضح أن حظ هذه الحكومة لن يكون أحسن حالاً من الحكومة التي قادها الاشتراكي عبد الرحمن اليوسفي بين 1998 و 2002.
يخطئ حزب العدالة والتنمية، إذا اعتقد أنه، بفوزه في الانتخابات البلدية والجهوية التي جرت في سبتمبر/ أيلول الفائت، يكون قد قطع نصف الطريق نحو ولاية حكومية ثانية، ويخطئ أيضاً إذا اعتبر أن الناخبين سيغفرون لزعيمه عدم إيفائه بوعوده التي قدّمها، ويصوّتون له، لاعتبارات قيمية وأخلاقية، فأهم ما يطبع السلوك الانتخابي في المجتمعات المعاصرة عدم ثباته وقابليته للتغير في أية لحظة، وخصوصاً في ظل وقوف هؤلاء الناخبين على تناقضات صارخة ودالة بين الوعود والحصيلة.