مبادرات ترسخ الطقوس والعادات الرمضانية في الفلوجة
يختلف الاحتفاء بشهر رمضان المبارك وطقوسه من مدينة إلى أخرى في العراق، غير أن مدينة الفلوجة غربي البلاد ما زالت تتصدر المدن في تسجيل أعلى معدل مبادرات إنسانية خلال هذا الشهر. فسكان المدينة المعروفون بترابطهم، شاركوا هذا العام في حملات مختلفة استهدفت النازحين والفقراء والمحتاجين، بدءاً من إقامة موائد طعام مجانية بالشوارع وصولاً إلى التكفل في جمع أثمان عمليات جراحية وأدوية للمرضى منهم.
المدينة التي خاضت ثلاث حروب ضروس خلال عقد ونصف من الزمن، ما زالت تحافظ على نسيجها الاجتماعي وعادات أهلها الذين بدوا هذا العام أكثر تكافلاً من أي وقت مضى، بسبب ما يقال عن كثرة المحتاجين فيها، والخراب الذي سببته الحرب الأخيرة في مدينتهم عقب سيطرة تنظيم "داعش" عليها.
مطبخ الخيرات في الفلوجة لتوزيع الطعام المجاني لم يكن المبادرة الوحيدة في المدينة، فعيادات الأطباء أعلنت أيام كشف وعلاج مجاني، ودكاكين ومحالّ تجارية أعلنت تمزيق دفتر الديون، حتى إن محالّ الحلاقة أعلنت حلاقة مجانية، وأصحاب مولدات الكهرباء أعلنوا إعفاء الناس من دفع فواتير الكهرباء عن الشهر الجاري.
وتقوم فكرة "مطبخ الخيرات" في الفلوجة، على توزيع الطعام مجاناً على العوائل وخاصة المتعففة منها، إذ يقوم عدد من الشباب يومياً بزيارة البيوت في الأحياء الفقيرة وتوزيع الطعام على العوائل وقت السحور والفطور، ومهما بلغ عدد أفراد الأسرة. ووصل عدد الوجبات التي يتم توزيعها لأكثر من 100 وجبة فطور ومثلها في السحور، وتنوعت الأطعمة المقدمة منها المطبوخة ومنها الجافة والطازجة. وفتح الشباب باب التبرع لمن يرغب بالعون والمساهمة في تلك المبادرة.
المبادرات لم تقتصر على الشباب فحسب، بل حتى شابات المدينة سعين لتقديم المساعدات أو توفير وجبة إفطار خفيفة في الطرقات العامة، وتظهر لافتات كتب عليها "هنا الإفطار مجاناً -الفلوجة"، في مبادرة للناشطة الشابة كوثر المحمدي.
وقالت المحمدي (29 عاماً) لـ"العربي الجديد": "بدأت الفكرة والعمل من مالي الخاص، وبعد أن لاقت مبادرة وضع اللافتات في عدد من الأماكن المختلفة الاهتمام، بادر بعض الشباب والمتبرعين للمساعدة، بتوفير التمر والماء واللبن والعصائر للصائمين المارّين في الطرق العامة وقت الإفطار، أو الذين لم يتمكنوا من الوصول إلى منازلهم ويتجهون نحو العاصمة بغداد للإفطار".
ولفتت محمدي إلى أنّ هذه المبادرة هي إكرام لرمضان شهر الكرم، كما أنها تحفز الشباب على العمل التطوعي، واعتبرتها نوعاً من أنواع بناء السلام.
وأكدت المحمدي، التي تعمل في مجال الإغاثة والعمل التطوعي منذ تسعة أعوام، أن الناشط المدني له مساحة لا حدود لها ويبدأ عمله التطوعي بتحفيز الشباب على مساعدة الآخرين، ولا يسمح بإهانة الإنسان من خلال الجوع والمرض والفقر، ولا إهانة الطفل عبر حرمانه من التعليم ورعاية الأسرة ولو كان يتيماً، وكذلك الأرامل والمطلقات، فعلى الناشط المدني إيجاد أسباب تحفظ كرامتهن من طلب المساعدة، ولا يترك ذوي الحاجات الخاصة دون رعاية أو شباباً دون عمل أو عائلة دون مأوى أو مرضى دون علاج، فإن مساعدة الآخرين هو ما أطمح إليه في عملي وتحفيز الآخرين على المشاركة في تلك الأنشطة الإنسانية.
ورأى الحقوقي أحمد عبد الخضر الجاسم، أنه "رغم ما مر بمدينة الفلوجة من مآس بسبب العمليات العسكرية، إلا أنها لا تزال محافظة على تقاليدها المستمدة من جذورها العربية، منها تمسّك أهلها بإكرام الضيف والنخوة وحسن المعاملة، كما اشتهر رمضان في الفلوجة بطقوس خاصة، فتبادل وجبات الإفطار بين الجيران موروث شعبي ما انفك الأهالي يعملون به حتى يومنا هذا، ناهيك عن وجبات الإفطار التي تقام في المساجد، وتوزيع وجبات الإفطار وسلة رمضان على المحتاجين".
وأشار الجاسم لـ"العربي الجديد"، إلى أن "العمل التطوعي بين شباب المدينة نشط منذ بدء عودة النازحين والمهجرين قسرياً، كل بحسب تخصصه وإمكانيته، إلا أنهم في شهر رمضان المبارك يجتمعون على توفير حاجات العوائل المتعففة من الأرزاق الجافة، والانطلاق بها بحملات إغاثية طيلة الشهر الكريم، أغلب مواردها من تبرعات الأهالي الميسورين والتجار والمتبرعين. وليس هذا فحسب، بل بادرت مجموعة من المتطوعين لتوفير وجبات الإفطار طيلة شهر رمضان المبارك، منها على سبيل المثال لا الحصر؛ ما قامت به جامعة الفلوجة لتوفير وجبات الإفطار لطلبة الأقسام الداخلية، ومطبخ الخيرات لتوزيع وجبات الإفطار على العوائل المتعففة".
ولفت إلى أن تلك المبادرات لا تشمل بلدة الفلوجة فحسب، بل تتعداها إلى النواحي والقصبات المحيطة بها، وتعدّ تلك المبادرات كبيرة قياساً بمدينة الفلوجة التي شهدت تسابقاً لتقديم أفضل الخدمات للعوائل.
ولا تشمل هذه المبادرات أهل الفلوجة بل الوافدين إليها أيضاً، لتوفير وجبات الإفطار لسائقي الشاحنات المتوجهين إلى العاصمة بغداد، وتوفير الأدوية والمستلزمات الطبّية لمن لا يستطيع تأمينها في هذا الشهر الفضيل.
وتعرف الفلّوجة بمدينة المساجد، وتقع ضمن محافظة الأنبار على بعد 60 كلم، غرب العاصمة بغداد، وتضم أكثر من 250 مسجداً حسب بعض الإحصائيات، ويقطنها خليط من الأسر والبيوتات والقبائل العربية ويبلغ عدد سكانها نحو 750 ألف نسمة.
المساهمون
المزيد في مجتمع