تدقّ النساء على نوافذ سيارة الأجرة التي تقودها مبيركة بُشيّ، حتى يحجزن مقاعد مريحة لرحلتهنّ القصيرة إلى قراهنّ المجاورة لمركز المدينة طاطا. لا تمانع قيادة "التاكسي" في مجتمع محافظ ما زالت ترتدي النساء فيه الملحفة الصحراوية أو الإزار أو "أضغار" الأمازيغيّ ذي اللون الأسود.
تعدّ منطقة طاطا هادئة وجميلة. مهنُ أهلها بسيطة ورزقهم متواضع. لكنّ الظروف الاجتماعية والاقتصادية بدأت تتغير وتصبح أكثر قساوة، ما دفع بُشيّ إلى العمل سائقة منذ الصباح وحتى المساء. يتطلّب العمل التضحية والاستيقاظ باكراً. تبدأ عملها عند الساعة السادسة صباحاً وتستمر حتى السادسة مساءً، باستثناء ساعتين تقضيهما في "عمالة طاطا"، قبل أن تعود إلى سيّارتها وتوصل زبائنها إلى القرى المجاورة في مركز المدينة، مثل أكادير الهناء وأديس.
مؤخّراً، بدأت تعمل على خط تاغموت وأقّا. تقول لـ"العربي الجديد": "كان عليّ أن أعمل مع بداية شهر رمضان الماضي. لسوء الحظّ، كانت أياماً طويلة وصعبة، وكنت أنقل الناس من طاطا إلى نواحيها القريبة جداً. لكن في الوقت الحالي، أقود التاكسي إلى مناطق مختلفة".
منذ عام 1995، تعمل بُشيّ في "عمالة طاطا" (إدارة حكومية). بعد صلاة الفجر، تخرج ليس بهدف مزاحمة أصحاب سيارات الأجرة الآخرين، بل رغبة في تأمين رزقها. تقول: "أعمل من أجل اثنين من إخوتي المرضى عقلياً، ومن أجل والدتي التي تعاني من أزمة نفسية بسبب وفاة أختي المصابة بسرطان الدم". كان والدها قد توفي منذ زمن، ولم يعد من معيل غيرها.
منحت عمالة طاطا "الكريما"، أي رخصة سيارات الأجرة، لوالدتها الأرملة. وبعد تأجير الرخصة لشخصين، لم تستفد العائلة من المال، فسحبت منها، ثم تقدمت بُشيّ بطلب لشراء تاكسي جديد، وهذا ما حدث. لاحقاً، استطاعت فرض وجودها بين أصحاب سيارات الأجرة الذكور. تقول: "تقبّل كثيرون عملي كسائقة بينهم، بعكس آخرين. لكنّ ظروفي كانت أقوى وأكبر".
التحقت بدروس وحصلت في النهاية على رخصة، واستطاعت بعدما تمرّنت جيداً أن تكسب سمعة جيدة في محطة المواصلات، وباتت تقود سيارتها بكلّ ثقة واطمئنان.
اقــرأ أيضاً
تنتظرها النساء لحجز أماكنهن. وتوضح لـ"العربي الجديد"، أن النساء يفضلن أن "أقلّهنّ إلى بيوتهنّ، وعادة ما يكنّ أكثر راحة وتقبلاً للفكرة. ينتظرنني في المحطة ولا يخترن سيارات أخرى. في الطريق، نتبادل الأحاديث ونغنّي ونمرح كأنّنا ذاهبات في رحلة إلى مكان ما". وتلفت إلى أن "بعض النساء الطاعنات في السن، أو المحجبات، واللواتي يخشين عادة سيارات الأجرة، بتن يحجزن مقاعد في سيارتي للذهاب إلى قرى أخرى. أنتظرهن حتى ينهين أعمالهنّ وزياراتهنّ، ثم أعود بهنّ إلى بيوتهنّ. وأشعر باطمئنان بمجرد أن يدعين لي، وكأن السيارة تسير كالمياه وفيها بركة. ردود أفعالهنّ تمنحني طاقة وفرحاً". وتلفت إلى أن العديد من الفتيات يطمحن للحصول على رخصة قيادة.
تقول بُشيّ إن "لا شيء يخيفني أثناء القيادة". تضيف: "أخاف القدر فقط. لذلك أدعو الله أن يحمينا. كانت ظروفي هي الدافع الوحيد للعمل في هذه المهنة. وفي الوقت الحالي، أبذل جهداً إضافياً من أجل عائلتي، ومن أجل جمع المبلغ المطلوب لتأمين السيارة، أي عشرة آلاف درهم (نحو ألف يورو)". تضيف: "يجب أن نكافح حتى لا نصبح أضحوكة لدى الناس في حال احتجنا لشيء. ويجب أن أحافظ على التوازن بين المصاريف والدخل، وهذا أمر صعب، لأنني الوحيدة التي أعمل في العائلة".
مشاكل وعقبات كثيرة واجهتها وما زالت. مع ذلك، تقول إنها استطاعت تجاوزها، "هناك بعض الأمور التي تعوّض اللحظات السيئة. هذه هي الحياة". العقبة الأبرز التي تواجهها هي نظام المحطة وقانونها الذي يخرقه البعض من دون أن يتخذ المسؤولون الإجراءات اللازمة، حتى أنّهم قد يكملون عملهم بشكل طبيعيّ "اشتكيت مرّات عدة من دون أية نتيجة. لذلك، لا أعمد إلى الوقوف طويلاً في المحطة، لكنني أسجّل اسمي في اللائحة فقط. أرغب في عمل نزيه وديمقراطي. لكن لا أحد يلتزم بذلك".
كان والد بُشيّ وعمّها يملكان شاحنة، وكانا من أول من يملك شاحنة في المنطقة، وقد استخدماها لنقل المواد الغذائية والعتاد إلى قدامى المقاومين وأعضاء جيش التحرير في الصحراء المغربية عند احتلالها من قبل الإسبان في خمسينيات القرن الماضي. ومضت الأيام حتى أمست لديها سيارة أجرة تقودها بنفسها، وتطمح أن تصل إلى خطوط جديدة في المنطقة. ورغم أنّ رخصة القيادة تتيح لها السفر إلى مدن ومناطق بعيدة، إلّا أن ظروفها الاجتماعية تلزمها بالبقاء في طاطا قرب عائلتها، لافتة إلى أنها تحرص على هذا الأمر، ولا تفوّت اللقاءات العائلية أبداً.
اقــرأ أيضاً
تعدّ منطقة طاطا هادئة وجميلة. مهنُ أهلها بسيطة ورزقهم متواضع. لكنّ الظروف الاجتماعية والاقتصادية بدأت تتغير وتصبح أكثر قساوة، ما دفع بُشيّ إلى العمل سائقة منذ الصباح وحتى المساء. يتطلّب العمل التضحية والاستيقاظ باكراً. تبدأ عملها عند الساعة السادسة صباحاً وتستمر حتى السادسة مساءً، باستثناء ساعتين تقضيهما في "عمالة طاطا"، قبل أن تعود إلى سيّارتها وتوصل زبائنها إلى القرى المجاورة في مركز المدينة، مثل أكادير الهناء وأديس.
مؤخّراً، بدأت تعمل على خط تاغموت وأقّا. تقول لـ"العربي الجديد": "كان عليّ أن أعمل مع بداية شهر رمضان الماضي. لسوء الحظّ، كانت أياماً طويلة وصعبة، وكنت أنقل الناس من طاطا إلى نواحيها القريبة جداً. لكن في الوقت الحالي، أقود التاكسي إلى مناطق مختلفة".
منذ عام 1995، تعمل بُشيّ في "عمالة طاطا" (إدارة حكومية). بعد صلاة الفجر، تخرج ليس بهدف مزاحمة أصحاب سيارات الأجرة الآخرين، بل رغبة في تأمين رزقها. تقول: "أعمل من أجل اثنين من إخوتي المرضى عقلياً، ومن أجل والدتي التي تعاني من أزمة نفسية بسبب وفاة أختي المصابة بسرطان الدم". كان والدها قد توفي منذ زمن، ولم يعد من معيل غيرها.
منحت عمالة طاطا "الكريما"، أي رخصة سيارات الأجرة، لوالدتها الأرملة. وبعد تأجير الرخصة لشخصين، لم تستفد العائلة من المال، فسحبت منها، ثم تقدمت بُشيّ بطلب لشراء تاكسي جديد، وهذا ما حدث. لاحقاً، استطاعت فرض وجودها بين أصحاب سيارات الأجرة الذكور. تقول: "تقبّل كثيرون عملي كسائقة بينهم، بعكس آخرين. لكنّ ظروفي كانت أقوى وأكبر".
التحقت بدروس وحصلت في النهاية على رخصة، واستطاعت بعدما تمرّنت جيداً أن تكسب سمعة جيدة في محطة المواصلات، وباتت تقود سيارتها بكلّ ثقة واطمئنان.
تنتظرها النساء لحجز أماكنهن. وتوضح لـ"العربي الجديد"، أن النساء يفضلن أن "أقلّهنّ إلى بيوتهنّ، وعادة ما يكنّ أكثر راحة وتقبلاً للفكرة. ينتظرنني في المحطة ولا يخترن سيارات أخرى. في الطريق، نتبادل الأحاديث ونغنّي ونمرح كأنّنا ذاهبات في رحلة إلى مكان ما". وتلفت إلى أن "بعض النساء الطاعنات في السن، أو المحجبات، واللواتي يخشين عادة سيارات الأجرة، بتن يحجزن مقاعد في سيارتي للذهاب إلى قرى أخرى. أنتظرهن حتى ينهين أعمالهنّ وزياراتهنّ، ثم أعود بهنّ إلى بيوتهنّ. وأشعر باطمئنان بمجرد أن يدعين لي، وكأن السيارة تسير كالمياه وفيها بركة. ردود أفعالهنّ تمنحني طاقة وفرحاً". وتلفت إلى أن العديد من الفتيات يطمحن للحصول على رخصة قيادة.
تقول بُشيّ إن "لا شيء يخيفني أثناء القيادة". تضيف: "أخاف القدر فقط. لذلك أدعو الله أن يحمينا. كانت ظروفي هي الدافع الوحيد للعمل في هذه المهنة. وفي الوقت الحالي، أبذل جهداً إضافياً من أجل عائلتي، ومن أجل جمع المبلغ المطلوب لتأمين السيارة، أي عشرة آلاف درهم (نحو ألف يورو)". تضيف: "يجب أن نكافح حتى لا نصبح أضحوكة لدى الناس في حال احتجنا لشيء. ويجب أن أحافظ على التوازن بين المصاريف والدخل، وهذا أمر صعب، لأنني الوحيدة التي أعمل في العائلة".
مشاكل وعقبات كثيرة واجهتها وما زالت. مع ذلك، تقول إنها استطاعت تجاوزها، "هناك بعض الأمور التي تعوّض اللحظات السيئة. هذه هي الحياة". العقبة الأبرز التي تواجهها هي نظام المحطة وقانونها الذي يخرقه البعض من دون أن يتخذ المسؤولون الإجراءات اللازمة، حتى أنّهم قد يكملون عملهم بشكل طبيعيّ "اشتكيت مرّات عدة من دون أية نتيجة. لذلك، لا أعمد إلى الوقوف طويلاً في المحطة، لكنني أسجّل اسمي في اللائحة فقط. أرغب في عمل نزيه وديمقراطي. لكن لا أحد يلتزم بذلك".
كان والد بُشيّ وعمّها يملكان شاحنة، وكانا من أول من يملك شاحنة في المنطقة، وقد استخدماها لنقل المواد الغذائية والعتاد إلى قدامى المقاومين وأعضاء جيش التحرير في الصحراء المغربية عند احتلالها من قبل الإسبان في خمسينيات القرن الماضي. ومضت الأيام حتى أمست لديها سيارة أجرة تقودها بنفسها، وتطمح أن تصل إلى خطوط جديدة في المنطقة. ورغم أنّ رخصة القيادة تتيح لها السفر إلى مدن ومناطق بعيدة، إلّا أن ظروفها الاجتماعية تلزمها بالبقاء في طاطا قرب عائلتها، لافتة إلى أنها تحرص على هذا الأمر، ولا تفوّت اللقاءات العائلية أبداً.