19 نوفمبر 2023
مجدي زهران... صحافي الأمل
يظلّ الحديث مشوقاً عن الصقر، المجلة الرياضية القطرية وإن احتجبت عن الصدور منذ عام 2006، والتي تركت الكثير من ألوان الطيف والحبّ الخلي لجهة عشاقها وقرائها الكثر الذين كانوا يُواكبون استصدارها مع مطلع كل يوم ثلاثاء، وهو اليوم الرسمي لإصدار عددها الأسبوعي، والتحضير المسبق للعدد المقبل الذي ينتهي عادةً مع الثلث ما قبل الأخير مع نهاية كل يوم خميس.
وطبيعي أن يسلّم المحررون ما بين أيديهم من مواد معدّة للنشر قبل إقفال ذاك اليوم ليصار إلى تسليم ملازم المجلة الستة عشر إلى أسرة التحرير ورئيسها للمشاهدة الأخيرة والتصديق عليها، وإرسالها للمطبعة للتنفيذ، على أن ترسل مع صباح السبت إلى قسم التوزيع الذي يقوم بدوره بإرسالها إلى الجهات التسويقية وشحنها لعرضها في المكتبات، وإلى قارئ العربية الذي ينتظرها بفارغ الصبر.
هذا ما كان يحدث من عمل مضن وجاد. عمل يقوم عليه الكثيرون من العاملين والمحررين في المجلة وأقسامها المختلفة، وانتهاءً بقسم التنضيد والتدقيق والإخراج، وغيرها لتمْثل بين يدي القارئ الذي يُقبل عليها بشراهة لقراءة محتواها برغبة حقيقية.
ومن بين هذا الطاقم يندفع بقوّة ويظهر للواجهة الزميل العزيز الأخ الصديق الأستاذ مجدي زهران المحرّر العام في المجلة، الذي يواكب ما يُنشر فيها من مواد صحافية مع انطلاقتها الأسبوعية، وقبل ذلك كان الزميل زهران يُشكل حجر الزاوية الأساس مع بقية الزملاء محرري الصقر المتميّزين من أمثال: مازن حجازي، أول مدير تحرير للمجلة التي صدرت مع مطلع عام 1977، مصطفى لبيب، حسن المستكاوي، محمد كاظم، سلمي أبو جزر، منصور الشيخ، ملكون ملكون، أيمن جادة، بدر الدين الإدريسي، بدر الدين حسن، مصطفى بدري، جمال هليل، فايز عبد الهادي، ظافر الغربي، عمر بدوي، عبد الرحمن البكري، عبّاس محمد حسين، محمد حنفي، محمود حسان، والمخرج أحمد فاضل، والقائمة تطول، فضلاً عن كتّاب ومراسلي المجلة، الذين يُعدون بحق نجومها الحقيقيين الذين يعملون بصمت مُطبق خلف الكواليس، وما ينتجون من مواد صحافية وريبورتاجات وتحقيقات، وسبق صحافي مع نجوم الكرة في عصرها الذهبي، كان بحق يفوق ما يقدمه المحررون أنفسهم، وكان من أنشطهم ابن مدينة الرّقة المقيم في فرنسا سامي سليمان، رفعت النجّار، فيصل صالح، فيصل شيخ الأرض، عادل شريف، فؤاد حبش، علي رياح وغيرهم كثر، وهذا ما كان يدفع بأسرة تحريرها إلى تشجيع من يستحق أن يكون الأفضل تميّزاً على زملائه في الكم والنوع وتحقيق السبق الصحافي، وفي اختيار المادة الصحافية التي تستحق النشر والتسابق نحو دفعها باتجاه أن تكون المادة الرئيسة في المجلة، وإعطائها الأولوية في النشر، وهذا ما يعني إبراز اسم الصحافي الذي حقق السبق الأسبوعي، وبالتالي ستكون مكافأته مجزية، وهذا ما كانت تقوم عليه مجلة متفرّدة من أمثال الصقر متمثلةً برئيس تحريرها المبدع المتابع الجدير بحمل راية تميّز مجلة الصقر الرياضية ونجاحها وديمومتها وبالمكانة التي شغلها لسنوات من عمره لأجل نجاحها واستقرارها لحين توقفها عن الإصدار الذي ارتأته الحكومة القطرية في حينها بسبب تراجع أسعار النفط، ما استدعى إلى إقفالها بالإضافة إلى عدد من المجلات التي كانت تصدر في تلك الفترة، ومنها مجلة الدوحة الثقافية المتميّزة بجودة طباعتها وبما تتضمنه من مواد ثقافية غنية عالية الجودة، وتزخر بعمالقة الأدب، وأسماء لامعة لا تزال أسماؤهم وإلى اليوم معلّقة في الذاكرة، ونذكر منهم: الناقد المبدع رجاء النقّاش، الأديب الطبيب عبد السلام العجيلي، أحمد العناني، الناقد يوسف الشاروني، عباس خضر، العالم عبد المحسن صالح، الصحافي والمفكر فتحي رضوان، الصحافي عصام شريح، الناقد السينمائي رؤوف توفيق، الباحث درويش مصطفى الفار، وغيرهم.
فالعودة إلى أيام الزمن الجميل، والتوقف عند صور الإبداع والتميّز الذي شهدته الصقر لجهة محرريها وما قدموا من مواد سمت إلى أعلى درجات الإبداع بالنسبة لكثير من عشاق الرياضة، وألعابها المختلفة، وأهمّها لعبة كرة القدم.
ومن بين هؤلاء المحررين يبرز إلى السطح اسم الصحافي مجدي زهران، وهو صحافي محترف بامتياز نتيجة تنوّع المواد التي كان يتناولها، وبصورة أسبوعية، ويرسمها للقارئ بأسلوب رشيق مشوّق وسهل، وطالما يصوّر واقع الألعاب بمختلف أشكالها دون التوقف عند لعبة معينة.
ترى في الصحافي مجدي زهران، ابن مجلة الصقر الرياضية، عنفوان الشباب وتدفقه، وهو الذي كان يواصل الليل بالنهار للخروج بنتاج رياضي يعكس حب الجماهير، ويتابع أيّ نشاط رياضي بروح قتالية عالية، محاولاً أن يُلِمْ بأبعاد المادة الصحافية بكل صورها بعيداً عن الحصول على مكسب مادي، وإلى الركض لأجل خدمة الموضوع والإعلام ككل، وهذه حاله. صدق، إخلاص، تفان، ومتابعة جادة.
ما كان يحاول رسمه الصحافي مجدي زهران هو أنه يعرفُ كيف يرسمُ ويحرّر المادة ويلقي بسنّارته على من يريد صيده أو قنْصه دون وجل، نتيجة خبرة واسعة خاضها وتعلّمها إلى جوار كتّاب ومحرّري الصقر ومراسليها الذين نجحوا أيّما نجاح لأجل خاطر عيون القرّاء المتابعين لما ينشر فيها مع كل يوم ثلاثاء، مع إصدار المجلة التي يُقبل عليها الآلاف من المحبين لها، رياضيين وغيرهم، وممن ارتضوا وكبروا بها وفرحوا بمتابعتها وهم كذلك، جماهير رياضية عاشقة تتوق لكل نشاط رياضي مدهش يُرضي أذواقهم، وينسيهم ساعات الانتظار الطويلة في ملاحقة ومتابعة الأنشطة الرياضية على مختلف ألعابها.
كان الصحافي المخضرم مجدي زهران واحداً من ألمع محرري مجلة الصقر الذين أضافوا إليها نجاحاً قلَّ مثيله، وصورة من الصور التي ما زالت الجماهير الرياضية العريضة المحبّة للمجلة وللمواد المنشورة فيها تذكر، والى الآن، ما كان ينشر فيها، بدءاً من صفحة الغلاف الذي يُزين المجلة، وانتهاءً بالصفحات الداخلية، وأهمها خواطر الأستاذ سعد الرميحي رئيس التحرير، وما يسجله المحررون، وعلى مختلف مشاربهم من رؤية خاصة لكل واحد على حدة. وكان الأستاذ مجدي زهران ـــ طيّب الذكرـــ واحداً من بين هؤلاء المحررين الذين تعرّفت إليه عن قرب في مكتبه الخاص في مبنى المجلة في عام 2006، كما التقيت مع عدد من المحررين الذين كنا نسمع بأسمائهم، ونقرأ لهم ما يكتبون، فكانت فرحة لا يمكن لها أن توصف باللقاء بهم، والجلوس معهم.
في الواقع كان الأستاذ مجدي زهران لا ينفكّ بك ولا عنك بحديثه المسهب، وبجمله المحببة، واحترامه الزائد لزوّاره، ومن أوّل لقاء به تشعر وكأنك تعرفه منذ زمن بعيد، وبعيد جداً. إنّه مثال الأب الروحي لجميع من سمع به، أو قرأ له والتقى به.
مجدي زهران محبّ للجميع، وهو متزن في أقواله وفي أفعاله، ويحب فعل الخير لكل من عرفه. يحاول أن يُقدم لك الخدمة التي تليق بك. تراه يوجّه ويراقب وينفعل، ولكن انفعاله لا يخرج عن حدود الأدب الذي جُبل عليه، ولمسناه. فهو قمّة في التهذيب وفي حفظ الود، وإذا طلبت منه أيّ خدمة ما يسبقك إليها، ويوعدك بحلّها مهما كلفه ذلك وإن اضطر إلى أن يدفع من جيبه الخاص لقاء إرضاء صديق قريب أو أخ عزيز، كما أنه كان يحب أن تشاركه الرأي في مادة صحافية يتناولها، ويدفع بك إلى أن يمنحك الصفة التي يترأسها.
لا فرق عنده في ذلك، وهو ليس من جيل الصحافيين الذين يحبون التسلّط، أو التباهي بما يرأسون، فهو بسيط إلى حد البساطة، وطيب إلى حد الطيبة. وسبق أن زرته في مكتبه في مجلة الصقر، وجلست معه لبعض الوقت، وكلفني بكتابة زاوية الصفحة الأخيرة للمجلة، وبالفعل أنجزتها وأنا في مكتبه، وبالصدفة كان الأستاذ سعد الرميحي رئيس تحرير الصقر متواجداً في مكتبه، ونزل إلى الطابق الأول لمجرد أن عرف بوجودي في مبنى المجلة وبضيافة الأستاذ مجدي زهران، وبعد أن عرّفه بي تبادلنا التحيّات، وطلب منه إيجاد أي عمل يتعلّق بالتحرير بالمجلة فبادر الأستاذ سعد بتكليفي بتغطية دوري المظاليم، دوري الدرجة الثانية كخطوة أولى، وقال لي: "يمكنك إجراء الحوارات إذا رغبت بذلك، أيّ حوار رياضي مناسب للمجلة، وبإمكانك أن تلتقي مع رئيس اتحاد كرة القدم في قطر، وبعدها نقرر". فرحت باقتراح رئيس التحرير، وفرح معي الأستاذ مجدي زهران كثيراً، ولم أكمل المشوار لأنني كنت أبحث عن عمل ساعاته طويلة ويمكنه أن يغطي ما علي من التزامات تجاه أسرتي.
وفي أكثر من مرّة اتصل الأستاذ مجدي بأكثر من صديق يعمل في الصحف المحلية، مبدياً محاولاته لإرضائي وهو الذي كان يدفعني إليهم وبكل حبّ ونفس طيّب، وبدون تذمر!.
وفي عام 2008 كانت هناك محاولات قد أصابت هذه المرحلة بتزكيتي لدى الأستاذ جابر الحرمي رئيس تحرير صحيفة الشرق القطرية، وكانت الصدفة أن الأستاذ مجدي زهران جالساً في مكتبه، وهو صديق شخصي له، فما كان من الأستاذ مجدي إلاّ أن ألحَّ على رئيس تحرير الشرق في حينها، ووافق على استقدامي للدوحة والعمل كمحرر في قسم التحقيقات في الصحيفة، وهذا كلّه نتيجة تدخّل مباشر من قبل الزميل والأخ الصديق مجدي زهران الذي لم يعرف قلبه سوى الحب والوفاء لأصدقائه ومحبيه.
مواقف كثيرة يمكن أن نقف عندها كان يثيرها الصديق النبيل مجدي زهران، وهو الإنسان المحافظ الذي يَعرفُ حدوده وأين وكيف يقف عندها، ولم يكن يقصر في خدمة في يوم ما، وخاصة بعد وصولي إلى الدوحة والعمل في صحيفة الشرق، وكان هو في الوقت نفسه يرأس القسم الرياضي في الصحيفة، وكنت أزوره في مكتبه بصورة دائمة وأستمتع بحديثه الطيّب، وابتسامته المشرقة، وأصغي إلى توجيهاته المفيدة.
ومنذ أيام، شاءت الصدف أن يتصل بي للاطمئنان علي، وكنت قبل ذلك أحاول جاهداً البحث عنه عبر مواقع التواصل الاجتماعي للعثور عليه والاتصال فيه دون جدوى إلى أن استدليت أخيراً على رقم موبايله الشخصي..
حاولت الاتصال به لأكثر مرة بدون فائدة، فأرسلت له رسالة قصيرة إلى رقمه الخاص، وبعدها فوجئت باتصاله الذي أسرّني كثيراً جداً وفرحت به، وآخر ما قاله لي، بعد أن طلب مني رقم موبايل أحد الزملاء الصحافيين القدامى. قال لي وبالحرف الواحد: "نحاول في الوقت الحالي أن نعيد الصلة مع بعضنا البعض. أن نكون قريبين لبعض لأنه ما قد مضى فات، والعودة إلى لقاء الوجوه القديمة التي كنا نعرفها لا يمكن بحال اللقاء بها مرة ثانية بسبب ظروف الحياة القاسية، فقد فقدنا أغلبها والى الأبد، ولكن يمكن أن نعيد ترتيب البيت ببعض ما بقي منهم".
إنّه لم شمل الأسرة الرياضية التي أرادها الأستاذ الكبير الصحافي مجدي زهران أن تعود كما كانت في سابق عهدها، ولكن هيهات أن تعود تلك الصورة التي سبق وأن تركت فينا بعض الأثر، يمكن أن تعود تدريجياً في حال أنصفنا بعضنا، وأعدنا الأمل إلى الماضي الذي عشناه مع زملاء أثروا الساحة الرياضية بإبداعاتهم ونحاول جاهدين وبصدق، أن نغرس بعض الأمل بمن تبقى منهم بهدف العودة إلى أيـام الزمن الجميل الذي فقدنا نضارته وبريقه.
وطبيعي أن يسلّم المحررون ما بين أيديهم من مواد معدّة للنشر قبل إقفال ذاك اليوم ليصار إلى تسليم ملازم المجلة الستة عشر إلى أسرة التحرير ورئيسها للمشاهدة الأخيرة والتصديق عليها، وإرسالها للمطبعة للتنفيذ، على أن ترسل مع صباح السبت إلى قسم التوزيع الذي يقوم بدوره بإرسالها إلى الجهات التسويقية وشحنها لعرضها في المكتبات، وإلى قارئ العربية الذي ينتظرها بفارغ الصبر.
هذا ما كان يحدث من عمل مضن وجاد. عمل يقوم عليه الكثيرون من العاملين والمحررين في المجلة وأقسامها المختلفة، وانتهاءً بقسم التنضيد والتدقيق والإخراج، وغيرها لتمْثل بين يدي القارئ الذي يُقبل عليها بشراهة لقراءة محتواها برغبة حقيقية.
ومن بين هذا الطاقم يندفع بقوّة ويظهر للواجهة الزميل العزيز الأخ الصديق الأستاذ مجدي زهران المحرّر العام في المجلة، الذي يواكب ما يُنشر فيها من مواد صحافية مع انطلاقتها الأسبوعية، وقبل ذلك كان الزميل زهران يُشكل حجر الزاوية الأساس مع بقية الزملاء محرري الصقر المتميّزين من أمثال: مازن حجازي، أول مدير تحرير للمجلة التي صدرت مع مطلع عام 1977، مصطفى لبيب، حسن المستكاوي، محمد كاظم، سلمي أبو جزر، منصور الشيخ، ملكون ملكون، أيمن جادة، بدر الدين الإدريسي، بدر الدين حسن، مصطفى بدري، جمال هليل، فايز عبد الهادي، ظافر الغربي، عمر بدوي، عبد الرحمن البكري، عبّاس محمد حسين، محمد حنفي، محمود حسان، والمخرج أحمد فاضل، والقائمة تطول، فضلاً عن كتّاب ومراسلي المجلة، الذين يُعدون بحق نجومها الحقيقيين الذين يعملون بصمت مُطبق خلف الكواليس، وما ينتجون من مواد صحافية وريبورتاجات وتحقيقات، وسبق صحافي مع نجوم الكرة في عصرها الذهبي، كان بحق يفوق ما يقدمه المحررون أنفسهم، وكان من أنشطهم ابن مدينة الرّقة المقيم في فرنسا سامي سليمان، رفعت النجّار، فيصل صالح، فيصل شيخ الأرض، عادل شريف، فؤاد حبش، علي رياح وغيرهم كثر، وهذا ما كان يدفع بأسرة تحريرها إلى تشجيع من يستحق أن يكون الأفضل تميّزاً على زملائه في الكم والنوع وتحقيق السبق الصحافي، وفي اختيار المادة الصحافية التي تستحق النشر والتسابق نحو دفعها باتجاه أن تكون المادة الرئيسة في المجلة، وإعطائها الأولوية في النشر، وهذا ما يعني إبراز اسم الصحافي الذي حقق السبق الأسبوعي، وبالتالي ستكون مكافأته مجزية، وهذا ما كانت تقوم عليه مجلة متفرّدة من أمثال الصقر متمثلةً برئيس تحريرها المبدع المتابع الجدير بحمل راية تميّز مجلة الصقر الرياضية ونجاحها وديمومتها وبالمكانة التي شغلها لسنوات من عمره لأجل نجاحها واستقرارها لحين توقفها عن الإصدار الذي ارتأته الحكومة القطرية في حينها بسبب تراجع أسعار النفط، ما استدعى إلى إقفالها بالإضافة إلى عدد من المجلات التي كانت تصدر في تلك الفترة، ومنها مجلة الدوحة الثقافية المتميّزة بجودة طباعتها وبما تتضمنه من مواد ثقافية غنية عالية الجودة، وتزخر بعمالقة الأدب، وأسماء لامعة لا تزال أسماؤهم وإلى اليوم معلّقة في الذاكرة، ونذكر منهم: الناقد المبدع رجاء النقّاش، الأديب الطبيب عبد السلام العجيلي، أحمد العناني، الناقد يوسف الشاروني، عباس خضر، العالم عبد المحسن صالح، الصحافي والمفكر فتحي رضوان، الصحافي عصام شريح، الناقد السينمائي رؤوف توفيق، الباحث درويش مصطفى الفار، وغيرهم.
فالعودة إلى أيام الزمن الجميل، والتوقف عند صور الإبداع والتميّز الذي شهدته الصقر لجهة محرريها وما قدموا من مواد سمت إلى أعلى درجات الإبداع بالنسبة لكثير من عشاق الرياضة، وألعابها المختلفة، وأهمّها لعبة كرة القدم.
ومن بين هؤلاء المحررين يبرز إلى السطح اسم الصحافي مجدي زهران، وهو صحافي محترف بامتياز نتيجة تنوّع المواد التي كان يتناولها، وبصورة أسبوعية، ويرسمها للقارئ بأسلوب رشيق مشوّق وسهل، وطالما يصوّر واقع الألعاب بمختلف أشكالها دون التوقف عند لعبة معينة.
ترى في الصحافي مجدي زهران، ابن مجلة الصقر الرياضية، عنفوان الشباب وتدفقه، وهو الذي كان يواصل الليل بالنهار للخروج بنتاج رياضي يعكس حب الجماهير، ويتابع أيّ نشاط رياضي بروح قتالية عالية، محاولاً أن يُلِمْ بأبعاد المادة الصحافية بكل صورها بعيداً عن الحصول على مكسب مادي، وإلى الركض لأجل خدمة الموضوع والإعلام ككل، وهذه حاله. صدق، إخلاص، تفان، ومتابعة جادة.
ما كان يحاول رسمه الصحافي مجدي زهران هو أنه يعرفُ كيف يرسمُ ويحرّر المادة ويلقي بسنّارته على من يريد صيده أو قنْصه دون وجل، نتيجة خبرة واسعة خاضها وتعلّمها إلى جوار كتّاب ومحرّري الصقر ومراسليها الذين نجحوا أيّما نجاح لأجل خاطر عيون القرّاء المتابعين لما ينشر فيها مع كل يوم ثلاثاء، مع إصدار المجلة التي يُقبل عليها الآلاف من المحبين لها، رياضيين وغيرهم، وممن ارتضوا وكبروا بها وفرحوا بمتابعتها وهم كذلك، جماهير رياضية عاشقة تتوق لكل نشاط رياضي مدهش يُرضي أذواقهم، وينسيهم ساعات الانتظار الطويلة في ملاحقة ومتابعة الأنشطة الرياضية على مختلف ألعابها.
كان الصحافي المخضرم مجدي زهران واحداً من ألمع محرري مجلة الصقر الذين أضافوا إليها نجاحاً قلَّ مثيله، وصورة من الصور التي ما زالت الجماهير الرياضية العريضة المحبّة للمجلة وللمواد المنشورة فيها تذكر، والى الآن، ما كان ينشر فيها، بدءاً من صفحة الغلاف الذي يُزين المجلة، وانتهاءً بالصفحات الداخلية، وأهمها خواطر الأستاذ سعد الرميحي رئيس التحرير، وما يسجله المحررون، وعلى مختلف مشاربهم من رؤية خاصة لكل واحد على حدة. وكان الأستاذ مجدي زهران ـــ طيّب الذكرـــ واحداً من بين هؤلاء المحررين الذين تعرّفت إليه عن قرب في مكتبه الخاص في مبنى المجلة في عام 2006، كما التقيت مع عدد من المحررين الذين كنا نسمع بأسمائهم، ونقرأ لهم ما يكتبون، فكانت فرحة لا يمكن لها أن توصف باللقاء بهم، والجلوس معهم.
في الواقع كان الأستاذ مجدي زهران لا ينفكّ بك ولا عنك بحديثه المسهب، وبجمله المحببة، واحترامه الزائد لزوّاره، ومن أوّل لقاء به تشعر وكأنك تعرفه منذ زمن بعيد، وبعيد جداً. إنّه مثال الأب الروحي لجميع من سمع به، أو قرأ له والتقى به.
مجدي زهران محبّ للجميع، وهو متزن في أقواله وفي أفعاله، ويحب فعل الخير لكل من عرفه. يحاول أن يُقدم لك الخدمة التي تليق بك. تراه يوجّه ويراقب وينفعل، ولكن انفعاله لا يخرج عن حدود الأدب الذي جُبل عليه، ولمسناه. فهو قمّة في التهذيب وفي حفظ الود، وإذا طلبت منه أيّ خدمة ما يسبقك إليها، ويوعدك بحلّها مهما كلفه ذلك وإن اضطر إلى أن يدفع من جيبه الخاص لقاء إرضاء صديق قريب أو أخ عزيز، كما أنه كان يحب أن تشاركه الرأي في مادة صحافية يتناولها، ويدفع بك إلى أن يمنحك الصفة التي يترأسها.
لا فرق عنده في ذلك، وهو ليس من جيل الصحافيين الذين يحبون التسلّط، أو التباهي بما يرأسون، فهو بسيط إلى حد البساطة، وطيب إلى حد الطيبة. وسبق أن زرته في مكتبه في مجلة الصقر، وجلست معه لبعض الوقت، وكلفني بكتابة زاوية الصفحة الأخيرة للمجلة، وبالفعل أنجزتها وأنا في مكتبه، وبالصدفة كان الأستاذ سعد الرميحي رئيس تحرير الصقر متواجداً في مكتبه، ونزل إلى الطابق الأول لمجرد أن عرف بوجودي في مبنى المجلة وبضيافة الأستاذ مجدي زهران، وبعد أن عرّفه بي تبادلنا التحيّات، وطلب منه إيجاد أي عمل يتعلّق بالتحرير بالمجلة فبادر الأستاذ سعد بتكليفي بتغطية دوري المظاليم، دوري الدرجة الثانية كخطوة أولى، وقال لي: "يمكنك إجراء الحوارات إذا رغبت بذلك، أيّ حوار رياضي مناسب للمجلة، وبإمكانك أن تلتقي مع رئيس اتحاد كرة القدم في قطر، وبعدها نقرر". فرحت باقتراح رئيس التحرير، وفرح معي الأستاذ مجدي زهران كثيراً، ولم أكمل المشوار لأنني كنت أبحث عن عمل ساعاته طويلة ويمكنه أن يغطي ما علي من التزامات تجاه أسرتي.
وفي أكثر من مرّة اتصل الأستاذ مجدي بأكثر من صديق يعمل في الصحف المحلية، مبدياً محاولاته لإرضائي وهو الذي كان يدفعني إليهم وبكل حبّ ونفس طيّب، وبدون تذمر!.
وفي عام 2008 كانت هناك محاولات قد أصابت هذه المرحلة بتزكيتي لدى الأستاذ جابر الحرمي رئيس تحرير صحيفة الشرق القطرية، وكانت الصدفة أن الأستاذ مجدي زهران جالساً في مكتبه، وهو صديق شخصي له، فما كان من الأستاذ مجدي إلاّ أن ألحَّ على رئيس تحرير الشرق في حينها، ووافق على استقدامي للدوحة والعمل كمحرر في قسم التحقيقات في الصحيفة، وهذا كلّه نتيجة تدخّل مباشر من قبل الزميل والأخ الصديق مجدي زهران الذي لم يعرف قلبه سوى الحب والوفاء لأصدقائه ومحبيه.
مواقف كثيرة يمكن أن نقف عندها كان يثيرها الصديق النبيل مجدي زهران، وهو الإنسان المحافظ الذي يَعرفُ حدوده وأين وكيف يقف عندها، ولم يكن يقصر في خدمة في يوم ما، وخاصة بعد وصولي إلى الدوحة والعمل في صحيفة الشرق، وكان هو في الوقت نفسه يرأس القسم الرياضي في الصحيفة، وكنت أزوره في مكتبه بصورة دائمة وأستمتع بحديثه الطيّب، وابتسامته المشرقة، وأصغي إلى توجيهاته المفيدة.
ومنذ أيام، شاءت الصدف أن يتصل بي للاطمئنان علي، وكنت قبل ذلك أحاول جاهداً البحث عنه عبر مواقع التواصل الاجتماعي للعثور عليه والاتصال فيه دون جدوى إلى أن استدليت أخيراً على رقم موبايله الشخصي..
حاولت الاتصال به لأكثر مرة بدون فائدة، فأرسلت له رسالة قصيرة إلى رقمه الخاص، وبعدها فوجئت باتصاله الذي أسرّني كثيراً جداً وفرحت به، وآخر ما قاله لي، بعد أن طلب مني رقم موبايل أحد الزملاء الصحافيين القدامى. قال لي وبالحرف الواحد: "نحاول في الوقت الحالي أن نعيد الصلة مع بعضنا البعض. أن نكون قريبين لبعض لأنه ما قد مضى فات، والعودة إلى لقاء الوجوه القديمة التي كنا نعرفها لا يمكن بحال اللقاء بها مرة ثانية بسبب ظروف الحياة القاسية، فقد فقدنا أغلبها والى الأبد، ولكن يمكن أن نعيد ترتيب البيت ببعض ما بقي منهم".
إنّه لم شمل الأسرة الرياضية التي أرادها الأستاذ الكبير الصحافي مجدي زهران أن تعود كما كانت في سابق عهدها، ولكن هيهات أن تعود تلك الصورة التي سبق وأن تركت فينا بعض الأثر، يمكن أن تعود تدريجياً في حال أنصفنا بعضنا، وأعدنا الأمل إلى الماضي الذي عشناه مع زملاء أثروا الساحة الرياضية بإبداعاتهم ونحاول جاهدين وبصدق، أن نغرس بعض الأمل بمن تبقى منهم بهدف العودة إلى أيـام الزمن الجميل الذي فقدنا نضارته وبريقه.