ما زال الستيني المغربي "با عيسى" يندب حظه العاثر لأنه غادر المدرسة ولم يتعلم حرفاً، ويتألم كلما شاهد التلاميذ يتجهون نحو مدارسهم، لأنه لم يصبر ليفوز بفرصة للتعلم كأقرانه، وهو ما كلفه الكثير من الصعوبات في حياته.
يروي با عيسى لـ"العربي الجديد"، قصته مع الأمية التي أثرت على حياته، إذ انفلتت منه العديد من الفرص المهنية بسبب عدم معرفته بالقراءة والكتابة، إلا من بعض الحروف والكلمات التي حاول جاهدا تعلمها بدون مساعدة أحد.
ويقول "غادرت مقاعد المدرسة بعد أشهر قليلة من ولوجها بسبب صفعة معلم. أسرتي لم تضغط علي للعودة، ولا ألومها على ذلك، بعد ذلك اشتغلت مساعدا لوالدي الذي يعمل إسكافيا، وبعدها بسنوات تمكنت من افتتاح محل خاص بي لإصلاح الأحذية".
وحول المشاكل التي واجهها بسبب عدم معرفته بالقراءة والكتابة، يفيد بأنه تعرض لمواقف محرجة كثيرة، منها عندما يجد نفسه أمام أوراق شخصية يتعين عليه توقيعها، أو حتى في مقهى أو مطعم لا يحسن قراءة قائمة الطعام، أو عندما يعجز عن الرد على سؤال موظف في الإدارة عند حاجته لاستخراج وثائق منها.
ويوضح الإسكافي الأمي أنه عوّض ما ضاع منه في أبنائه الثلاثة الذين حرص على تعليمهم إلى أن تخرجوا وصار أحدهم مهندسا، والثاني أستاذا، والثالث يعمل في مجال الاستشارات القانونية، مشيرا إلى أنه حارب أميته من خلال أبنائه.
وإذا كان "با عيسى" يعضّ أصابع الندم على أميته وعدم جلوسه إلى مقاعد الدراسة ويجد السلوى في أبنائه المتعلمين، فإن الحاجة حليمة سابوط، (54 عاما)، كانت أكثر عصامية ونجاحا من عيسى، فقد استطاعت أن تحارب أميتها التي عانت منها في سنوات الصغر بسبب فقر عائلتها التي أخرجتها من الدراسة.
وتقول الحاجة حليمة لـ "العربي الجديد"، إنها صممت على محاربة أميتها بالتسجيل في برنامج محاربة الأمية وتعلم القراءة والكتابة في المساجد، فكان لها ذلك حيث واظبت على حضور الحصص اليومية، وتعلمت مواد القراءة والحساب والقرآن والتربية الإسلامية وغيرها، وكانت تكلل اجتهاداتها بالنجاح وإشادة مؤطرتها التربوية.
ولم تتوقف حليمة عند هذا الحد، بل كانت في المساء تذهب إلى أحد مراكز تحفيظ القرآن بمدينة الرباط، واستطاعت خلال سنوات أن تحفظ جل أحزاب القرآن الكريم حفظا يحترم ضوابط وقواعد التلاوة، وتجاوزت ذلك إلى تعليمها نساء أخريات القرآن وقواعده وترتيله في بيتها.
وتعلق على هذه الخطوات بالقول، إنها كلها من بركة الله وتيسيره لما تقوم به، لكونها نوت أن يكون كل حرف تعلمته لله وحده، وحتى يعود أجر ما تفعله لزوجها الراحل، مضيفة أن حياتها تحسنت بشكل كبير سواء في تعاملها مع أولادها وأحفادها، أو في تعاملها مع الغير، كما باتت تعرف قراءة الأوراق والرسائل ولا تحتاج إلى مساعدة من أحد.
وتعدّ حليمة واحدة من 3 ملايين شخص، وفق إحصائيات جديدة لوزارة الأوقاف، استفادوا من برنامج محو الأمية بالمساجد منذ الموسم الدراسي 2000-2001، وذلك في 6862 مسجدا بمختلف ربوع المملكة، فيما تخطط الوزارة لاستهداف مليون و500 ألف مستفيد إلى حدود 2020، وذلك بمعدل 300 ألف كل سنة.
أما بخصوص محاربة الأمية التي تشرف عليها وزارة التربية الوطنية، فإن الإحصائيات تورد بأنه خلال الموسم 2017/2018 تم تسجيل أكثر من مليون مستفيد من برامج محاربة الأمية، أي بزيادة تقدر بـ12.38 في المائة مقارنة مع الموسم السابق.