تقف أمّ عماد في شارع بمنطقة البرامكة وسط العاصمة دمشق، تحدق في الحافلات، عاجزة عن قراءة رقم الحافلة التي تقلّها إلى وجهتها، لأنها حرمت من التعليم في صغرها.
ترددت كثيرا قبل أن تبادر شاباً بالسؤال: هل هذه الحافلة متوجهة إلى الجديدة؟ أجابها نافيا، قبل أن يشير إلى حافلات في الجهة المقابلة، غير أنها أخطأت مجددا وجهتها، فعندما سألت السائق: طالع على الجديدة؟ أجابها قائلا: "مو شايفه شو مكتوب؟".
تراجعت أم عماد مرتبكة وسط الزحام، إذ يتدافع الركاب للحصول على مقعد في إحدى الحافلات القليلة المتوفرة، قالت لإحدى السيدات: "لا أعرف القراءة، أرجو أن تخبريني عندما يأتي باص متوجه إلى الجديدة". في النهاية استطاعت أن تركب الحافلة المطلوبة، ثم أخرجت من حقيبتها ورقة صغيرة كتب عليها اسم المكان التي تود أن تنزل فيه.
تقول أمّ عماد لـ"العربي الجديد": "في العادة لا أخرج وحدي، إما أكون برفقة أحد أبنائي أو إحدى القريبات، لكن اليوم كنت مضطرة للخروج لغرض ضروري، لكن عدم قدرتي على القراءة يسبب لي متاعب كثيرة، ففي إحدى المرات أخطأت الحافلة، فذهبت إلى منطقة بعيدة عن وجهتي".
وتضيف "أخرجني أبي من المدرسة في بداية الصف الثاني الابتدائي، كنت بالكاد أتعلم أسس القراءة والكتابة، لكن مع الزمن نسيت ما كنت أعرفه، وأسباب خروجي من المدرسة متعددة، اقتصادية واجتماعية".
بعد سنوات الحرب الأخيرة، لم تعد الأمية تقتصر على كبار السن، فهناك أطفال لم تتح لهم فرصة التعلم، فإما دخلوا إلى المدرسة لفترة قصيرة ثم انقطعوا عنها، أو لم يدخلوها أصلا، كما هو حال أسامة (16 سنة)، من ريف درعا، وهو لا يجيد القراءة أو الكتابة، ويعجز عن إجراء عمليات حسابية.
ويقول لـ"العربي الجديد": "كم أتمنى لو تعلمت القراءة والحساب على الأقل، لكنت وجدت عملا أفضل من عملي الحالي، حتى أنني أجد صعوبة في الانتقال من مكان إلى آخر أو الاستدلال على عنوان ما، كما أواجه عراقيل في البيع والشراء، ما يجعلني أستعين بشقيقي الصغير فهو في المدرسة، أو بأحد أصدقائي".
ويلفت إلى أنه "عاش مع عائلته 3 أعوام من النزوح الدائم والكثير من المناطق التي عاشوا بها لم تكن المدارس متوفرة فيها، في وقت كان غالبا ما يضطر إلى مساعدة والدته أو والده في العمل لتأمين احتياجاتهم اليومية".
من جهته يقول مازن (35 عاما)، مدرس في دمشق، لـ "العربي الجديد"، "بعد تراجع نسبة الأمية إلى نحو 14 بالمائة، وإعلان ثلاث محافظات هي السويداء وطرطوس والقنيطرة خالية من الأمية، إلا أنها عادت للارتفاع بحسب ما نلاحظه في المجتمع السوري بمختلف المناطق".
كما يشير إلى عدم وجود رقم إحصائي متوفر، عقب بدء الأعمال العسكرية في مختلف المناطق السورية، حيث دمرت الكثير من المدارس، ونزح ملايين السوريين داخل وخارج البلاد، ملايين منهم يعيشون في مخيمات محرومين من أدنى مقومات الحياة والحقوق، فلا مدارس ولا مساحات آمنة".
ويوضح أن "ما يتم من مبادرات محلية لمحو الأمية وخاصة عند الأطفال ستبقى قاصرة، في ظل الحاجة الماسة إلى مشروع وطني متكامل، وحالة من الاستقرار المجتمعي والاقتصادي".