محيي إسماعيل فنان مصري صاحب رؤية فلسفية خاصة في أعماله، وصاحب نظرية السيكودراما في التمثيل، قدم عشرات الأعمال، واختار لنفسه مكانا مختلفا، حيث تخصص في مناقشة عقد النفس البشرية، ويشهد على ذلك فيلمه "خلي بالك من زوزو" في شخصية الشاب الثوري المعارض الشهير بكلمة "جمعاء"، ودوره الأهم في فيلم "الإخوة الأعداء".
سألنا الفنان محيي إسماعيل: أين أنت؟
ضحك قائلا: "كويس إن في لسه حد فاكرني.. أنا موجود بس الإعلام اللي بعيد عني".
أنت تاريخ طويل من الفن، كيف تقول هذا؟
لا أحب الإشادات والمجاملات، وجملة "أنت تاريخ" وهذا الكلام الفارغ، دعونا ندخل في الموضوع أفضل.
فترة طويلة من الاختفاء، فهل تحضّر مفاجأة أم كعادتك اخترت العزلة؟
انتهيت أخيرا من العمل الوثائقي الذي يرصد قصة حياتي، وهو بعنوان "الفيلسوف"، يقع في ساعتين إلا ربع الساعة، عملت عليه أربع سنوات، وهو عبارة عن 45 فقرة، لإبراز أهم ما تعرضت له من مشاكل وأزمات، وعلاقتي بكبار النجوم اليوم. فهل يعلم أحد أنني الذي علّمت نور الشريف التأليف. اسألوه، فهو على قيد الحياة ويستطيع أن يكذّبني، أنا أيضا الذي اكتشفت إلهام شاهين وهي لا تزال طالبة في المعهد وقدّمتها إلى المخرج ناجي أنجلو في فيلم اسمه "تحقيق"، وأنتج العمل ممدوح الليثي عن قصة الأديب المصري العالمي نجيب محفوظ، وطاف الفيلم 12 مهرجانا دوليا. يرصد العمل أيضا علاقتي بأحمد زكي، فهو توثيق لحياتي، لكن ليس بشكل تقليدي، وهناك شخصيات عالمية في الشريط تتحدّث عني، ليعرفوا قيمة هذا الرجل، فأنا بدأت حياتي في السينما العالمية.
لماذا ابتعدت عن التمثيل؟
دعونا نكون صريحين، المناخ في مصر غير صحيّ وغير محفّز على الإبداع. طيلة اليوم يتحدثون في السياسة ورجالها والأحداث التي نمرّ بها. وأنا لا أحبّ، كما نقول بالمصري، "اللت والعجن" في الكلام، فأنا أحب أن أعيش في مناخ صحي. كلّ يوم يمر من عمري سيتمّ محاسبتي عليه أمام الله.
ولهذا أنت بعيد عن اللقاءات في الصحف والفضائيات؟
لست ممن يفضّلون طرق أبواب الإعلام، فمن يبحث عني سيجدني. أنا حي أرزق، ولست سلعة مثل الكثير من الفنانين ممن يعرضون أنفسهم وأحيانا يدفعون ثمن غلاف مجلة. أنا لست كذلك، أنا يا سادة فيلسوف، أنا الذي تخصصت في فن من أصعب الفنون، وهو فن العقد البشرية، قدمتها بكل ما تحمله من تفاصيل، من يريد أن يتحدث عني فليشاهد أعمالي، يشاهد "الإخوة الأعداء" و"خلي بالك من زوزو" وغيرها. لكن يبدو أن الناس لا ترى سوى عادل إمام ومحمود ياسين ومحمود عبدالعزيز وحسين فهمي. ولاحظت منذ فترة ضجّة في الصحافة المصرية عن دريد لحام وسُرِدَت صفحات كاملة له. وأنا أسأل: من دريد بالنسبة لي؟ "ولا حاجة".
وما هي الجهة المنتجة لفيلمك الوثائقي؟
أنا منتجه وكلفني 200 ألف جنيه مصري، بالإضافة إلى 90 ألف جنيه تكلفة الترجمة إلى لغات عدّة. فالعمل سيتمّ ترجمته إلى اللغة الإنجليزية أيضاً.
لماذا تظن أن الجمهور لا يتذكرك؟
لا، أعلم أن الجمهور يعرف من هو محيي إسماعيل، ولكن أنا أقول مثلا إن أعمال عادل إمام تعرض ليل نهار، وأنا العبقري هناك تعتيم على أعمالي بشكل لا محل له من الإعراب، فهل التجاهل عن عمد أم أن محيي إسماعيل سقط سهوا من الذاكرة؟
من يزورك في منزلك؟
لم يدخل بيتي فنان منذ ما يزيد عن الأربعين عاما، وأتحدى أي فنان يستطيع أن يقول إنه دخل بيتي طيلة هذه السنوات. فأنا أعمل في صمت وأعيش في الظل. وهذا ليس معناه أني قطعت علاقاتي بهم. فكلهم أحبائي، لكن أنا أعشق الكتابة، والكتابة لها طقس بالنسبة لي، فأنا أحب ممارسة اليوجا والتأمل، وهذان الشيئان مع الضوضاء لا يجتمعان، لذا أفضل أن أعيش كما أنا معظم حياتي خارج مصر.
لك رواية بعنوان "المخبول"، بها أحداث عن الثورة المصرية رغم أنّها كتبت عام 2001، فكيف ذلك؟
نعم، فمن قرأ هذه الرواية التي كتبتها منذ سنوات سيعرف أني كنت من أوائل المتنبئين بالثورة المصرية، فكل تفاصيل ما حدث موجود في روايتي، وتلميحات أيضا عن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
سمعنا منذ فترة أن روايتك هذه سيتم تحويلها إلى فيلم سينمائي؟
وتم تحويلها بالفعل، وهو الآن مشروع بين يدي المخرج عادل الأعصر، لكن يبقى التمويل حائلا دون خروجه إلى النور.
فنان بحجمك لماذا لا يتواجد في المهرجانات المصرية؟
قلة أدب وإجرام.. فلا أحد يدعوني، والسيدة نفسها المسؤولة عن المهرجان قد لا تعرفني. والأمر نفسه ينطبق على وزير الثقافة الذي لا يعرفني. وهذا ليس تقليلاً من شأني، لكنْ هو جهل منهم. فلا أحد يستطيع التقليل من شأني.
حتى مسرحياتي لا تعرض.. فلي أربع مسرحيات يتم التعتيم عليها بشكل كبير، رغم أنها تتحدّث عن تاريخ مصر. وأذكر من هذه المسرحيات "الليلة العظيمة" التي قام فيها عبدالناصر بالثورة، للمؤلف الكبير عبدالقادر حاتم، وجسّدت من خلالها شخصية ديليسبس، وشاركني فيها مها صبري وعباس فارس. وهناك عرض مسرحي آخر بعنوان "بياعين الهوى". من يشاهده سيقول: مَن عادل إمام؟ ومن هو سعيد صالح؟ وعرض آخر اسمه "المغناطيس" لنعمان عاشور، ومسرحية "القاهرة في 1000 عام"، حيث لعبت دور شخصية نابليون. كان معي سعيد صالح، وكان العمل من تأليف صلاح جاهين. بسبب كلّ هذا الظلم الذي تعرّضت له في حياتي، قمت بعمل هذا التوثيق الذي تعبت واجتهدت فيه على مدار أربع سنوات.
تشعر بالظلم؟
لا أشعر بالظلم فقط، بل بقمة الظلم. لأن لا أحد يعرف قيمتي. فلا أنسى مثلا ما قاله عمر الشريف لي: "انت بتمثّل ازاي". إذ كنت زرته مرة في كواليس فيلمه "أيوب" بعدما طلب التعرف إليّ عن طريق ممدوح الليثي. وكان عرفني من خلال مسلسل "بستان الشوك" عن رواية عالمية. واسألوا عمر عن هذا الكلام. قابلني ذات مرة في كازينو ليلا، وفي اليوم التالي كتب في الصحف: "يتشرف عمر الشريف بلقاء النجم العبقري محيي إسماعيل"، وتساءلت الصحف الروسية عن كيفية قيامي بشخصيتي في "الإخوة الأعداء" وكرّمني سابقا الرئيس محمد أنور السادات.
لماذا أيضا لا تتم دعوتك إلى مهرجان "المينودراما"؟
فن المينودراما أنا رائده وقدمته منذ 45 عاما، ولا يتم دعوتي إليه، ويكتفون بـ"العيال الصايعة"، وأنا الرائد أجلس في منزلي، ولا عُمْر حدّ قالي "آلو".
وأنهى محيي حواره معنا بجمله مؤثرة إذ قال: "تعرفون أنا مثل من؟ أنا مثل جمال حمدان، تعرّفوا إليه بعدما احترق منزله وتُوفي".