لم يكن الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، مخطئاً حين أعلن، في حوار تلفزيوني، أن "بلاده لا تستطيع منع أي تونسي يرغب بالعودة إلى بلاده... لأن هذا الأمر يكفله دستور البلاد"، برغم ما أثاره هذا الأمر من جدل كبير، لأن الدستور التونسي يؤكد بالفعل أنه "يحجّر (يمنع) سحب الجنسية التونسية من أي مواطن أو تغريبه أو تسليمه أو منعه من العودة إلى الوطن".
لكن الجدل الحقيقي كان بسبب ما أشار إليه من أنه لن يتم وضع جميع العائدين في السجن، لأنه ليس ثمة ما يكفي من السجون في البلاد، برغم إشارته إلى أنه سيتم اتخاذ الإجراءات الأمنية الكفيلة بمراقبتهم وتحييدهم عن المجتمع. كلام الرئيس أثار موجة واسعة من ردود الفعل لدى أوساط تونسية كثيرة، وحرّك مخاوف قديمة من عودة المتطرفين من بؤر التوتر، خصوصاً مع ما تشهده سورية وليبيا من تطورات متسارعة تقود إلى الاعتقاد بأن أعداداً كبيرة ممن امتهنوا الحرب وتدربوا عليها لسنوات، سيعودون قريباً إلى تونس، وسيؤججون الوضع الأمني، وهو هاجس التونسيين الأول، وأولوية أولوياتهم التي قد ينفقون كل ما لديهم في سبيل تحقيقها، فكيف للرئيس أن يقول إنه ليس لديه ما يكفي من السجون، وهل يعني هذا أنهم سيطلقون سراحهم ليتحركوا كما يريدون؟
السبسي عاد من جديد ليوضح، في حوار تلفزيوني ثان، أنه يرفض بصفة قطعية العفو عن الإرهابيين، كما يرفض أيضاً ما يسمي بقانون التوبة، مشدداً على أن هؤلاء مجرمين ولا بد من تقديمهم للعدالة، وأنه لا يتسامح مع من يرفع السلاح ويقتل الأبرياء، ولا بد من تطبيق القانون بكل صرامة. وتؤكد الأرقام التونسية الرسمية أن حوالي 800 تونسي عادوا بالفعل إلى البلاد، ويجري التعامل معهم بصيغ مختلفة، في انتظار عودة مئات آخرين. وانضم إلى هذا الجدل مفتي البلاد، حين أكد، في تصريح صحافي، أن "أحداً لا يثق في صدق دعواهم التوبة والندم، خصوصاً من قياداتهم ومنظريهم ومشجعيهم. وعلى ما يبدو، فإنهم لا يفكرون في توبة حقيقية، إنما تقيّة وخداع". ويسبّب هذا الموضوع أرقاً كبيراً لدى التونسيين، بعد أن هدأت الأوضاع الأمنية نسبياً، وبدأ الناس يلتفتون إلى همومهم الكبرى، اقتصادياً واجتماعياً، لكن هذا الارتجال الواضح في التعامل مع هذا الملف الشائك أعاد المخاوف إلى السطح، وأصبح يستدعي من المسؤولين حزماً واضحاً واستراتيجية لا غبار عليها ولا تناقض فيها، تطمئن التونسيين وتهدئ من مخاوفهم.