مدينة بكاملها، بتاريخها، بتفاصيل جغرافيتها، هي منتجع صحي لمعالجة الكثير من الأمراض، ومحاربة الشيخوخة.
في السنوات الماضية، بدأت السياحة العلاجية بشق طريقها على الخارطة العالمية، بجذبها المرضى للاستشفاء، من ناحية، والاستمتاع بالأجواء الطبيعية واكتشاف حضارة جديدة من ناحية أخرى، وهي وبحسب مجلس السياحة العالمية تحقق إيرادات مالية تقدر بمئات الملايين. فلمَ لا تكون زيارة كارلوفي فاري، وتبليتسه، بهدف الاسترخاء، والتعرف على حضارة البوهيما، والعودة إلى الروتين اليومي بصحة جيدة؟
كارلوفي فاري
تشتهر مدينة كارلوفي فاري الواقعة غرب تشيكيا بكونها مدينة المنتجعات الصحية. منذ القرن الثالث عشر، بدأ اهتمام الملوك بجعلها مقصداً للسياحة العلاجية، نظراً لما تتمتع به من مياه بركانية وينابيع ساخنة متفجرة من نهر تيبلا الشهير.
تضم المدينة أكثر من 13 ينبوعاً ساخناً، ناهيك بوجود نحو 300 ينبوع صغير. يقصد الزوار، مبنى المياه المتدفقة. وهو مبنى يحتوي على ينبوع تتدفق منه المياه من باطن الأرض بشكل قوي. تلامس درجة حرارة المياه السبعين درجة مئوية، ولشرب هذه المياه، يقوم المسؤولون بتبردتها وتقديمها للزوار.
هنا، يقيم السائح في المنتجعات الصحية بدلاً من الإقامة في الفنادق، حيث توفر المنتجعات خدمات عالية الجودة. كما يقصد الزوار سوق كولوناد، أحد أهم المراكز السياحية الجاذبة. سوق مبني من الخشب على الطراز السويسري، يحتوي على مجموعة مميزة من التحف، والتماثيل السياحية الفريدة من نوعها، ناهيك بمئات الأعشاب الطبية الطبيعية.
رحلة ثقافية
وجه آخر يميز كارلوفي فاري. المهرجانات الثقافية، والعروض ذات التراث البوهيمي التي تقام على خشبة مسارحها تزيد من تألقها. تحتوي المدينة على الكثير من المتاحف الفنية ذات القطع النادرة عالمياً. وتعود شهرتها كواحدة من أهم المناطق الثقافية إلى كونها كانت مقصد الكثير من الموسيقيين والفنانين والرسامين.
إلى جانب السياحة العلاجية والثقافية، فإن المدينة تحتوي على الكثير من الآثار الهامة، كالكنائس ذات الطابع البوهيمي، الأبراج الشاهقة، ناهيك بالجسور التي تربط أجزاء المدينة، حيث يمكنكم التقاط الصور التذكارية، أو الجلوس على المقاعد الخشبية وتأمل سحر الطبيعة.
التنزه أيضاً في الشوارع له طابع استثنائي، حيث تحيط الجبال المرتفعة بكل أطراف المدينة، كما يطغى الطابع الكلاسيكي على الهندسة المعمارية فيشعر الزائر بالراحة والاستجمام، وكأنه عاد بالزمن إلى القرن التاسع عشر.
تبليتسه الفاتنة
لا تكتمل الرحلة العلاجية، دون المرور بمدينة تبليتسه. شهدت هذه الأخيرة، ويلات الحربَين العالميتَين الأولى والثانية، بطرق مختلفة. فكانت وجهة لمعالجة وإعادة تأهيل الجنود المصابين. تعود شهرة هذه المدينة إلى القرون الوسطى، حيث كانت مقصد أثرياء أوروبا للاستجمام، وتلقي العلاجات. تنتشر المنتجعات الصحية الفاخرة في أرجاء المدينة.
تضم المدينة مئات الفنادق العلاجية، وهي مقسمة بين فئتين: فئة حافظت على هندستها التقليدية القديمة، فالمصح العلاجي أشبه بقصر قديم يعود تاريخه لمئات السنين، إذ تستقبلك المعزوفات الشهيرة بمجرد دخولك باب الفندق، فيشعر الزائر وكأنه في قصر من قصور الأباطرة الأوروبيين الذين حكموا البلاد.
أما الفئة الثانية من المنتجعات، فهي مبنية على الطراز الحديث، ومطلة على الينابيع الساخنة مباشرة، فيشعر الزائر وكأنه في قلب الطبيعة بأسلوب حديث. ومن أهم المنتجعات الصحية، منتجع بتهوفن، والمنتجع العسكري، ومنتجعات الإمبراطورية.
بلدة دوبي الطبيعية
ما المانع من قضاء أوقات قروية بامتياز إلى جانب السياحة العلاجية؟ بلدة دوبي الواقعة في ضواحي تبليتسه ترحب بالزوار من جميع أنحاء العالم، لتعرفهم على التقاليد القديمة للسكان المحليين.
الأطعمة هناك مختلفة، قائمة طويلة من أشهى المأكولات الصحية تنتظركم. في النهار، يكثر الزوار القادمون من تبليتسه للتنزه والتبضع. تحتوي البلدة على أسواق تقليدية لبيع الخضار والفاكهة، والكثير من الهدايا التذكارية.
وللانتقال من سوق إلى آخر، لا بد من ركوب العربات الخشبية التي تجرها الأحصنة. أما ليلاً، فأجواء الموسيقى، تدعوكم للترفيه عن أنفسكم، والاستمتاع بسهرة بوهيمية تقليدية. وإن أردتم الاعتناء ببشرتكم، فلا بد من زيارة مصحة دوبي المتخصصة بالأمراض الجلدية، حيث تقدم باقة من العلاجات الطبيعية، المحضرة يدوياً، من النباتات الجبلية النادرة.
الوجه الآخر
تعتبر السياحة العلاجية في جمهورية تشيكيا، من أهم موارد الدولة الاقتصادية. تحتوي تشيكيا عموماً، ومدينتا كارلوفي فاري وتبليتسه، على الكثير من المقومات الطبيعية، إضافة إلى الكوادر البشرية المتخصصة، لجعلها واحداً من أهم المراكز الصحية في العالم.
المياه الكبريتية، والتطور العلمي، رفعا اسم كارلوفي فاري، وتبليتسه إلى مصاف المدن الأكثر شهرة لناحية العلاجات الطبيعية. ملايين السياح والمرضى عبر التاريخ قصدوا هاتين المدينتين لأسباب متعددة، أبرزها الأسعار المنافسة، والنتائج الباهرة.
تعتبر تكاليف السياحة مقبولة، خاصة وأن الإقامة في المنتجعات الصحية، ليست مرتفعة جداً، تتراوح ما بين 100 و120 دولاراً في فصلي الشتاء والربيع، وترتفع تدريجياً في فصلي الصيف والخريف.
أما بالنسبة إلى قائمة الأطعمة، فهي مناسبة جداً، إذ إن تكاليف الطعام والشراب في المطاعم منافسة ومناسبة جداً لأصحاب الميزانيات المتوسطة.
*الصور من موقع Getty