يغامر المزارع الأربعيني خالد مهنا، كل يوم بالخروج إلى أرضه الزراعية على حدود غزة، رغم رصاصات الاحتلال الطائشة التي تطلق من أبراجهم المشيدة في اتجاهه أحيانا، ويصر على نثر البذور وريها، وفي لحظة الحصاد يشعر أنه انتصر على عدو أراد أن يسحب الأرض من تحت أقدامه.
ويصطحب خالد في مغامرته، نجله محمد (14 عاماً)، ليزرع فيه حب الوطن، والتمسك بأرضهم التي تقع بالقرب من موقع كيسوفيم العسكري على حدود بلدة القرارة، شرقي مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة.
وعادة ما تطلق قوات الاحتلال الإسرائيلي، نيران أسلحتها الرشاشة على المزارعين القريبين من الحدود معها، ليدفعهم إلى هجرها ويسيطر عليها ويزيد منطقته الأمنية العازلة.
استعجال الحصاد
يقول خالد مهنا، إن المزارعين في المناطق الحدودية، استعجلوا حصد محاصيلهم، خشية تعرضها للحرق أو التجريف من قبل الاحتلال الإسرائيلي، كما جرت العادة، وأشار إلى أنه استعان بآلية صغيرة للإسراع في العمل.
ويؤكد لـ"العربي الجديد"، عدم وجود خيار للمزارع الفلسطيني سوى الصمود في أرضه والتمسك بها، لأنها مصدر "عزتنا وقوتنا وموروثنا الحضاري"، وأوضح أن المزارع الحدودي دائماً ما يتعرض للخطر وتهديد سلامته الشخصية، لكنه يتمسك بأرضه لأن البديل عن ذلك، تهجير ونهب إسرائيلي جديد للأرض.
وأشار إلى أنه يقوم في بعض الأحيان بزراعة الأرض التي تبلغ مساحتها 12 دونماً (الدونم = 1000 متر مربع)، بأشجار الزيتون واللوزيات والخضار، لكن جرافات الاحتلال وآلياته العسكرية تقوم باقتلاعها على الفور، ولا تسمح للمحصول أن ينمو.
وعلى مقربة من خالد، يقف نجله محمد، الذي يساعد والده في نقل أكوام القمح على عربة يجرها حصان، حيث يجري تجميعها ونقلها لمكان أكثر أمناً، في منطقة بعيدة عن الحدود ليتمكنوا من الاستفادة منها.
حصاد الخوف
أما المزارع صلاح حليلو، الذي يكسوه الإرهاق والتعب، بينما كان يحرث أرضه الحدودية بمحراث يجره حصان، أكد أن أصحاب الأراضي الحدودية يعانون كثيراً نتيجة خوف أصحاب الآليات الزراعية من الوصول إلى الأراضي الحدودية، فيضطرون لاستبدالها بأعمال يدوية أو بدائية.
وتبلغ مساحة أرض حليلو قرابة ثمانية دونمات، وتقع على مسافة 400 متر فقط بالقرب من بوابة السريج العسكرية على حدود خان يونس الشرقية مع فلسطين المحتلة عام 1948، وقد أنهى لتوه حصاد محصول البطيخ ويستعد لزراعة الخضار.
ويشير حليلو لـ"العربي الجديد" إلى أنهم يتعرضون وبشكل دائم للاستهداف والملاحقة من سيارات وأبراج المراقبة على طول الحدود، حيث يتواصل عليهم إطلاق النار والقذائف بشكل "هستيري".
وأضاف: عندما أزرع في أرضي، أحدق نحو الحدود لمراقبة تحركات الاحتلال الإسرائيلي، حيث أخشى أن تباغتني رصاصاته.
ولفت إلى أن المزارعين يحاولون الاستفادة من أراضيهم رغم أن موسم الحصاد بات مغامرة في ظل الخوف الذي يعتريهم.
وبحسب تقرير حقوقي صدر قبل شهرين عن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، ومركز مراقبة النزوح الداخلي (IDMC) ، فإن ما يعادل 35 في المئة من مساحة الأراضي الزراعية في قطاع غزة، أو17 في المئة من إجمالي مساحة القطاع، يصعب على المزارعين الوصول إليها بسبب اعتبار الاحتلال أنها مناطق عازلة.
تكلفة إضافية
من جهته، قال المزارع كامل قديح (43 عاماً)، إنه اضطر لجلب عدد أكبر من العمال لكي يسرعوا في حصاد أرضه، خشية من المخاطر التي تتهدد المناطق الحدودية، والتي أبرزها الاعتداءات والتجريف الإسرائيلي.
وأضاف قديح لـ"العربي الجديد": نحن لا نشعر بالراحة، قمنا بحصاد القمح والشعير قبل موعده بشهر نتيجة المخاطر التي تحيطنا، وجراء تكرار التوغلات وإطلاق النار، ناهيك عن الدوريات الإسرائيلية، التي تعيق تواجدنا من خلال استهدافنا بين لحظة وأخرى.
ويرتدي قديح قفازين في يديه إلى جانب منجله لمساعدته على حصد سريع لسنابل الشعير والقمح، بسبب امتلاء المحصول بالحشائش ذات الزهر الأصفر وأخرى مليئة بالأشواك.
وعلى بعد مائة متر من برج المراقبة العسكري الإسرائيلي شرقي خان يونس، تجلس أم فادي أبو رجيلة (40 عاماً)، تتفقد أرضها التي تمكنت هذا العام من زراعتها، بعد حرمان بفعل الاحتلال لـ14 عاماً.
وتشير أم فادي، إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يستهدف المزارعين في المناطق الحدودية، لكي يتركوا أرضهم ويَسهُل على الاحتلال ضمها إلى الأراضي المحتلة، ودعت في ذات الوقت، المنظمات الدولية والحقوقية والحكومة الفلسطينية إلى الاهتمام بمزارعي المناطق الحدودية، والعمل على دعمهم وإسنادهم، وتقديم يد العون لتثبيتهم في أرضهم.